اغتيال عنصر في قوى الأمن الداخلي في اليوم الأول ومعلومات عن تورّط مجموعة سلفية باستهداف الأجهزة الأمنية

لا يبدو أنّ تنفيذ الخطة الأمنية في مدينة طرابلس، التي أقرت في جلسة مجلس الوزراء الأخيرة في القصر الجمهوري، سيكون بالأمر السهل، لا سيما بعد أن بات واضحاً أن هناك بعض الجهات المتضررة منها، والتي تريد منع الأجهزة الأمنية من إعادة هيبتها إلى المدينة بعد أن فقدتها خلال السنوات الأخيرة، نتيجة الغطاء السياسي الذي كانت تؤمنه فاعليات المدينة للمجموعات المسلحة فيها.


وعلى رغم أن موجة التفاؤل التي تضرب المدينة في هذه الأيام، بعد نجاح مجلس الوزراء بالتوافق على الخطة الأمنية، يعرب العديد من المصادر الطرابلسية عن مخاوفه من فشلها، ويعتبر أن الجهات المستفيدة ستعمل بكل جهدها من أجل ذلك، خصوصاً أنها تشعر بأن هناك تسوية ما تحصل على حسابها.

وتشير المصادر إلى أن هذا الأمر كان واضحاً منذ لحظة دعوة رئيس الحكومة السابق سعد الحريري الأجهزة الأمنية إلى الضرب بيد من حديد، حيث خرجت بعض الأصوات المعارضة له، التي ذهبت إلى حد اتهامه بالخيانة والتخلي عنها بعد الاستفادة منها في السابق.

وفي الوقت الذي تشدد المصادر على ضرورة دعم الأجهزة الأمنية، لا سيما المؤسسة العسكرية، في مهامها الاستثنائية، تؤكد أن هناك مسؤولية كبيرة على فاعليات المدينة من أجل تأمين الحماية لها، خصوصاً بعد حملة التحريض الواسعة التي شنت عليها في الأشهر الأخيرة، لا سيما بعد النجاحات التي حققها الجيش السوري في العديد من القرى والبلدات الحدودية.

وترى هذه المصادر أن هناك تحدياً كبيراً أمام مختلف أجهزة الدولة اللبنانية في هذه المرحلة الحساسة، حيث أن فشلها سيفقد أبناء طرابلس ثقتهم بها بشكل مطلق، بعد أن شعروا في السابق أنها تتخلى عنهم، وتحذر من الوقوع في هذا الفخ الخطير جداً، لأن الحديث عن الفيحاء يعني الحديث عن منطقة الشمال كلها من دون استثناء.

وتلفت المصادر إلى أن أسماء محركي المجموعات المسلحة المتطرفة موجودة لدى مختلف الأجهزة الأمنية، لكن توقيفها كان يحتاج إلى قرار واضح من السلطة السياسية، وهذا الأمر صدر أخيراً، ما يعني أنه لم يعد هناك ما يمنع حصول ذلك، لكنها تسأل: «في حال توقيف أي من قادة المحاور أو عناصر المجموعات المسلحة ماذا سيكون موقف سياسيي طرابلس؟ هل سيدعمون الجيش اللبناني أم سيلجأون إلى الخطابات التحريضية بغرض الكسب الشعبي؟»، وتشدد على أن الطريقة التي كان يتم فيها التعامل في الفترة السابقة لا يمكن أن تستمر طويلاً، لأن نتائج هذا الأمر ستكون خطيرة جداً، وستكون كفيلة بإفشال الخطة الأمنية التي تواجه العديد من المصاعب.

وفي هذا السياق، تنتقد المصادر المواقف التي عبّرت عنها بعض الشخصيات في عاصمة الشمال، لا سيما تلك التي ظهرت وكأنها تضع شروطاً محددة على المؤسسة العسكرية من أجل تنفيذ مهامها، وتؤكد أن المطلوب أن يقوم الجيش بمهامه من دون العودة إلى جهة سياسية غير مسؤولة، وبالتالي من غير المسموح التدخل في مهامه بأي شكل من الأشكال، لأن هذا الأمر سيكون بمثابة رسالة إلى المجموعات المسلحة بأن الوضع لم يتغير، وهي تستطيع الاستمرار في تجاوزاتها السابقة من دون الخوف من أي إجراءات رادعة.

وترى هذه المصادر أن الأيام المقبلة ستكشف مدى جدية فاعليات طرابلس في المواقف التي يعبرون عنها، انطلاقاً من المثل الشعبي القائل: «الماء تكذب الغطاس»، حيث سيراقب لأبناء المدينة التزامها برفع الغطاء عن المسلحين خلال تنفيذ الخطة العسكرية من قبل الوحدات التابعة لمختلف الأجهزة الأمنية.

وتعتبر أن النجاح في تنفيذ هذه الخطة سيساهم في عودة الحياة الاقتصادية والاجتماعية الى طرابلس بشكل فاعل، بعد أن حولتها جولات العنف التي وصل عددها الى 20 الى مدينة أشباح، وتؤكد أن الخسائر السابقة من الممكن تعويضها في حال عودة الأمن والاستقرار بشكل فعلي.

استهداف المؤسسة العسكرية

وعلى صعيد متصل، توضح مصادر مطلعة أن التحدي الأساسي الذي تواجهه الأجهزة الأمنية في هذه المرحلة، هو الاستهداف المباشر الذي تتعرض له من قبل بعض المجموعات المسلحة، حيث تشير إلى أن هناك انقساماً بين المجموعات المسلحة حول النظرة إليه.

وتلفت المصادر إلى أن بعضها لا يريد التعاون مع المؤسسة العسكرية، التي يعتبرها «خائنة» و»خاضعة لسيطرة حزب الله»، في حين أن البعض الآخر يعتبر أن نتائج المواجهة مع الجيش خطيرة جداً، ويحذر من الإنجرار إليها بشكل مطلق.

وتشير إلى أن هناك الكثير من العوامل التي تتحكم بالأوضاع في المدينة في هذه المرحلة، خصوصاً بعد دخول عناصر متشددة كانت تقاتل في صفوف المجموعات المسلحة في سورية بعد تضييق الخناق عليها هناك، وتؤكد أن الوضع حذر ينبغي التعامل معه كما يتعامل الطبيب الذي يجري عملية جراحية.

وفي هذا السياق، قدمت مؤسسة قوى الأمن الداخلي أمس شهيداً جديداً هو الرتيب بطرس البايع الذي سقط برصاص مجهولين، وذلك غداة استشهاد المؤهل في الجيش فادي الجبيلي بالأسلوب نفسه، ما ينبئ بقرار اتخذه مجهولون بمحاربة الأجهزة الأمنية الرسمية في عاصمة الشمال، بالتزامن مع إعطاء مجلس الوزراء القوى الأمنية والجيش الضوء الأخضر لتنفيذ خطة أمنية تضع حداً للفلتان في المدينة.

وفي التفاصيل، أقدم مسلحان على إطلاق النار من رشاش حربي نحو سيارة من نوع «رانج روفر» لون جردوني في داخلها الرتيب في قوى الأمن الداخلي بطرس البايع، في طلعة مشروع القبة – مجدليا عند الخامسة والنصف فجراً، فأصيب برصاصة في رأسه أدت إلى استشهاده على الفور، وسقوط سيارته في مجرى نهر أبو علي ، في حين حضرت قوة من الجيش والصليب الأحمر لسحب جثته من السيارة.

وبعد الظهر، انتشر الجيش بكثافة في منطقة أبي سمراء ونفّذ مداهمات قرب مدرسة النور بحثاً عن متورطين في اغتيال البايع، وأوقف شخصاً يدعى احمد عرابي من التابعية السورية في بناية الرواس، وتمت مصادرة بعض الأكياس والكراتين من داخل المنزل.

وأشارت التحقيقات الأولية التي يقوم بها الجيش وقوى الأمن إلى أن اغتيال البايع هو امتداد لعملية اغتيال المؤهل جبيلي، مرجحة أن تكون المجموعة نفسها قد نفذّت العمليتين وهي جماعة سلفية متطرفة.

وفي حين تحدثت بعض المعلومات عن أن الخطة الأمنية سيبدأ تنفيذها خلال الساعات القليلة المقبلة بشكل فعلي، أكدت المصادر أنها ستكون كفيلة بالقضاء على أي مجموعة لا تلتزم القرارات الجديدة.

من ناحية أخرى، قطع عدد من الشبان طريق البداوي في طرابلس بالشاحنات، لبعض الوقت، للمطالبة بالإفراج عن الموقوفين سمير ومصطفى مهنا.

وكان المدعو محمد خزنة تعرض قبل الظهر للطعن بسكين في بطنه في ساحة التل في طرابلس، وهو لا ينتمي الى أي جهاز أمني أو عسكري، على عكس ما تناولته بعض مواقع التواصل الاجتماعي بأن خزنة عنصر أمني.

من جهة ثانية، أقدم ذوو الشهيد البايع على قطع طريق مجدليا في زغرتا احتجاجاً على الجريمة التي أودت بحياته في طرابلس.

داهم الجيش اللبناني ليلاً مخزناً للأسلحة في مخرطة تعود لإبراهيم مقصود، في بلدة عيدمون. كما نفّذ دوريات وعمليات دهم في مختلف القرى والبلدات الحدودية في منطقة عكار.

مخزن أسلحة في عيدمون

على صعيد منفصل، أعلنت قيادة الجيش – مديرية التوجيه، في بيان لها، أنه «عند الساعة 20.40 من ليل أمس الأول، وبناء على توافر معلومات حول وجود كمية من الأسلحة والذخائر مخبأة في مخرطة عائدة للمدعو إبراهيم عارف مقصود في بلدة عيدمون- عكار، دهمت قوة من الجيش المكان المذكور، وعثرت فيه على مخزن سلاح يحتوي ما يلي: قاذف آر بي جي عدد 1، قذائف آر بي جي عدد 6، رمانات دفاعية عدد 2، بندقية كلاشينكوف عدد 4، بندقية قناصة عيار 7.62 ملم عدد 1، منظار قناصة عدد 4، منظار عادي عدد 2، مسدس حربي عدد 2، رشاش ب ك س عدد 1، رشاش دوشكا عدد 1، هاون 60 ملم عدد 2، أسطون هاون عيار 120 ملم قيد التصنيع عدد 1، لغم مضاد للأشخاص عدد 1، بالإضافة إلى كمية من الذخائر والأعتدة العسكرية المختلفة، وموادّ تستعمل لتصنيع المتفجرات». وأشارت إلى «أنّ الشرطة العسكرية باشرت التحقيق في الموضوع بإشراف القضاء المختص».

كما أفيد عن أن الجيش أطلاق النار على سيارة لم تمتثل للأوامر على حاجز في بلدة شدرا في عكار، وأصاب 3 من ركابها قبل اعتقالهم.

المواقف

وفي المواقف، نقل النائب محمد الصفدي عن رئيس الحكومة تمام سلام تأكيده «أنّ الحكومة جادة في موضوع استتباب الأمن في طرابلس بشكل خاص وفي كل لبنان بشكل عام».

كرامي

وأعلن الوزير السابق فيصل كرامي أننا «لم نشعر بفرق حقيقي على الأرض في طرابلس حتى الآن بعد إقرار الخطة الأمنية»، محذراً من «أنّ ما يحصل لن يبقى فيها بل سيمتد الى كل لبنان، والجولة الأخيرة ما زالت مستمرة».

وأكد كرامي أننا «ندعم ونؤيد الخطة الأمنية ولكنني متفائل بحذر، فالواقع في المدينة وصل إلى درجة خطيرة جداً»، مشيراً إلى «أنّ الجيش هو الذي كان يتعرض للاعتداء خلال الأيام الماضية، وبات الأمر وكأن الجيش بحاجة لجيش يحميه».

ورأى كرامي أنه «بحال أراد الأفرقاء في الحكومة إيقاف نزف طرابلس فقادرون على ذلك خلال 24 ساعةـ فما زال الوضع تحت السيطرة لأن العامل الأجنبي لم يدخل على خط الأزمة، والجيش قادر على السيطرة على الوضع بسرعة والمهم أن لا يتعرض للتحريض والتهديد».

كبارة

ورأى عضو كتلة المستقبل النائب محمد كبارة «أنّ الخطة الأمنية التي أقرت لطرابلس هي الأمل الأخير لأهالي المدينة لوضع حد للفلتان وإعادة الأمن والاستقرار ووقف الاشتباكات التي تؤدي إلى سقوط شهداء، إضافة إلى الخراب والدمار الذي يتكبده الأهالي».

علوش

وأكد عضو المكتب السياسي في تيار «المستقبل» النائب مصطفى علوش «أنّ الخطة الأمنية التي وضعت لطرابلس هي ليست الأولى التي تم إنجازها، فعلى مدى جولات العنف السابقة كان هناك خطط»، لافتاً إلى أننا «ننتظر هذا الأسبوع إذا ما سيكون هناك نجاح لها أو ستفشل»، مشيراً إلى «أنّ احتمال نجاح هذه الخطة قد يكون ضئيلاً بسبب التجارب السابقة»، ومعرباً عن اعتقاده بأنه «إذا فشلت الخطة ستزداد الفوضى في المدينة».

فضة

وأشار عضو المكتب السياسي في الحزب العربي الديمقراطي علي فضة إلى «أنّ قادة المحاور يمثلون شريحة اجتماعية راهنوا عليها ورهنوها ومن ثم تخلوا عنها»، لافتاً إلى «وجود مجموعات جهادية مسلحة ومجموعات تحظى بغطاء سياسي تم إدخالها في المعركة»، مشدداً على «أنّ أزمة طرابلس تعالج بالأسباب وليس بالنتائج والحل اجتماعي سياسي».

وشدد على «أنّ ما يحصل في طرابلس لا يمكن عزله عن ما يجري في لبنان والمنطقة»، معرباً عن «تخوفه من وضع الجيش في مأزق بوجه المسلحين».

الأحدب

ورأى النائب السابق مصباح الأحدب «أنّ الخطط السابقة لطرابلس كانت تصدر بمرحلة حكومة من لون واحد كانت تعطي غطاء لإزالة فريق مسلح دون آخر»، مشيراً إلى «أنّ الحكومة الحالية تجمع الفريقين وتقول أن الخطة ستطاول الفريقين وهي لم تبدأ بعد».

ولفت الأحدب إلى أنه «كان هناك عمل منظّم لخلق الفوضى في طرابلس»، آملاً «أنّ تحل الخطة الأمنية المشكلة بشكل جذري»، معلناً أننا «ننتظر الخطة وسنقيّمها ونعطي رأينا بكل وضوح».

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى