الرهان الفاشل

شهناز صبحي فاكوش

يضرب جنون العظمة بعض الأدمغة الغبية، فيصبح حاملها في بعض الوقت كالطاووس، يتباهى بذيله الملوّن وصوته زقاء ينفّر السامع… هذا ما وصل إليه أردوغان الطوراني سليل العثمانية البائدة.

الرجل يحلم بإحياء السلطنة، التي عاشت في عصر كرّست فيه الحريم جواري وسبايا. لم يكتف بلعبة التبديل بين رئاسة الحكومة ورئاسة البلاد، بل أصبح يتطلع إلى تغيير الدستور، في سلب للحياة البرلمانية، ليصبح متفرّداً في السلطة بشموليتها.

كبر دور الرجل وتضخم لدى الإدارة الأميركية، وهو المكلف بتنفيذ سياستهم في المنطقة… لكنه لم يقرأ بغبائه أنها تتخلى بأسرع ما يمكن عندما يسقطه شعبه… أين سابقه مرسي مصر.

هي تدافع عن دوره المرسوم على أنه النموذج الأمثل لحكم الإسلام المعتدل، وتكرّر هذا على ألسنة مفكريهم ومحلليهم السياسيين، مع أنهم يعرفون تماماً أنه جزء من «الإخوان المسلمين»، لكنه بالنسبة إليهم أحد أهمّ جدران الحماية للكيان الصهيوني…

لن يشفع له عندهم كونه عضواً في الحلف الأطلسي، فالهزيمة عندهم لا تعني إلا الهزيمة، والاستغناء أسهل ما يكون عمّن لا يرغب به شعبه، عندها تتبدّل أوراق اللعبة ليقول البيت الأبيض لعميله كش ملك، لتبحث عن بديل حام للصهيونية.

دخل أردوغان الانتخابات البرلمانية مخالفاً الدستور بالترويج لحزبه، وذلك فيه مخالفة قانونية، لأنه كرئيس للجمهورية يجب أن يكون بعيداً عن كلّ الأحزاب في الحياة الانتخابية. لم يراع احترام القانون، فهمّه نجاح حزبه لينال الأغلبية المطلقة لشكل الحكومة وبالتالي ليغيّر الدستور.

اللعبة تديرها الإدارة الأميركية، لكنها لن تدع حلماً يتحقق قد يجعل من تابعها خصماً يوماً ما… زجّت بأطياف يمكنها أن تكون إلى جانب أردوغان، والبديل عند الحاجة، تحطمت طموحاته الطوباوية وأخذته إلى درب الخسارة… فماذا بعد؟

أخفق أردوغان وفشل مخططه، لم تشفع له المشاريع الاقتصادية الكبرى، ولا نهوض الاقتصاد، فالسياسة لها دور آخر، تفرّده وانفعال لغة خطابه غيّر مجرى الانتخابات، وكذبه في أنه هو من ساند عين العرب ضدّ «داعش»، لم يجمع له أصوات الأكراد.

دخل الأكراد لأول مرة تحت قبة الرلمان، ماذا ينتظر الرجل من ضغوط تبدأ مع تشكيل الحكومة… التي عادت لها صبغة الائتلاف، لكن هل ينفعه التحالف أو التراجع عن الملفات الحساسة ليظلّ بذات القوة قبل الخسارة.

هي الانتخابات الأولى التي يدخلها حزب العدالة والتنمية بزعامة داوود أوغلو. الذي دنّس أرض سورية مع حاميته ليقرأ الفاتحة على جدهم المزعوم، الفشل الكاسر لغطرسته وصاحبه، وهو مهندس سياسته بيقين الجميع كيف سيكون بعده الحساب.

ظن أنه سيكسب أصوات أمثاله هواة أحلام السلطنة فيظلّ المطلق. ناسياً أنّ زرع أتاتورك بين شعبه لم يمت، فالتحوّل إلى النظام الرئاسي استفز الديموقراطيين، وكشف زور فكره وصاحبه، الذي جعل منه عدواً للشعب السوري سارقاً أمنه واقتصاده.

داوود أوغلو هل سيضعه أردوغان أمام حزبه كبش الفداء، ويحمله مسؤولية الفشل بعد رهانه عليه أمام جمهوره. كلّ شيء متوقع من أردوغان الطاووس، ستكون المراجعة مؤلمة، وسيناريوات المحاسبة حسب الربح والخسارة جدية وهامة.

سيضطر «العدالة والتنمية» إلى الحوار مع ثلاثة أحزاب قاسمته المقاعد البرلمانية، فهو اليوم في حيص بيص، يمكنه تشكيل حكومة من لون واحد لأنّ الأكثرية تخوّله، لكنها إنْ سقطت في المجلس… ستكون الانتخابات المبكرة التي قد تخرج به إلى فشل أكبر.

مغامرة إنْ دخلها أردوغان تعني نهايته السياسية إلى الآخر، قد تقوده رعونته إلى هذا السبيل، فهل يعني نهاية «الإخوان» في تركيا كما انتهت في منبعها المصري؟ سؤال يجيب عليه الأتراك، خاصة بتكليف الحزب الثاني بتشكيل الحكومة وفق الدستور.

أردوغان الذي ليس في قاموسه حكومة ائتلافية، سيضطر إلى الحوار مع من لم يكن يقبلهم قبلاً، لتشكيل حكومة ائتلافية. ما يعني تعديل سياسته الداخلية والخارجية، أو سيكون في المعارضة… خاصة إذا واجهته الأحزاب بقضايا الفساد، ومن وصمته بأساس الفساد.

نتائج الانتخابات حالت دون إطفاء الديمقراطية في تركيا، وبهذا الإخفاق، وبالذهاب إلى الائتلاف يعني أنّ الصفعة قوية بتلاشي حلم السلطنة… كان الرجل يحلم بوضع الجيش تحت سيطرته، الآن أصبح احتمال تدخل الجيش في الحياة السياسية أقلّ…

ورقة تغيير البرنامج السياسي أصبحت ملزمة لـ«العدالة والتنمية»، فقد تقول الأحزاب الثلاثة الأخرى شيئاً مختلفاً، حتى لو كان من مبادئ حزب الحركة القومية مسألة الاستقرار أمراً مهماً. لكنه لن يسلّم مفاتيحه لأردوغان .

شكراً الشعب التركي الصديق، تتقبّل ساراييفو وحلب السورية ولبنان، هديتكم بهزيمة أردوغان، ما يعني انتصار دمشق وبغداد والقاهرة وطهران وساراييفو، وضرب المخطط الإرهابي. في بؤرة هي الأكبر في احتضانه. وفشل حلم السيطرة على المنطقة.

نجاح أحزاب «الحركة القومية» و«الشعوب الديمقراطي» الكردي و«الشعب الجمهوري» يعني التفاوض مع «العدالة والتنمية» في أدق التفاصيل، بدءاً من إغلاق الحدود مع سورية لمنع تسرّب الإرهاب، وهذا ضمن برنامج «الحركة القومية» ولقاء الرئيس الأسد وإعادة اللاجئين.

حياة سياسية جديدة لتركيا، لا بدّ تنعكس على الجوار، أردوغان الذي كان يدّعي أنّ سياسته أوصلته إلى صفر مشاكل… هو يغرق اليوم في مستنقع المشاكل…

مبروك فشل رهانك على حلمك العثماني، أردوغان سليل الاستعمار وخادمه، مبروك فشل وإخفاق هندساتك السياسية أوغلو… كلام يتردّد في الشارع التركي مع بدء فرز الانتخابات، وبدء إعلان النتائج.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى