لو كنت مواطناً أو معارضاً سورياً… لقاتلت التكفيريّين
د.نسيب حطيط
سأتحدث كمواطن سوري بلا ترغيب ولا ترهيب، وأقارن بين تاريخي شباط 2011 وحزيران 2015 وماذا كسبت كمواطن وماذا خسرت؟ وهذا لسان كلّ سوري لم يسرق ولم يتاجر بالدم ولم يخطف ولم يبع موقفه السياسي للمخابرات القريبة والبعيدة، وجردة الحساب بسيطة وفق ما يلي:
كنت أسجل أولادي في الجامعات والمدارس مجاناً، أما الآن فلا مدارس ولا جامعات ولا تعليم في مناطق ما يسمى «الثورة» التي تحرّم المنطق والفلسفة والرياضيات والكيمياء والموسيقى والرسم والرياضة وغيرها، فالثورة سرقت منا كتبنا ومدارسنا وأقلامنا التي أعطتنا إياها الدولة.
كنت أحصل على التموين المدعوم من أرز وسكر وطحين وغيره، والآن لا أحصل حتى على المساعدات التي تأتي باسمي كمواطن فيبيعها «الثوار» بالأسعار الغالية أو يحتكرونها لأنفسهم.
كنت أصرف الدولار بخمسين ليرة قبل الثورة، والآن وصل إلى حوالى 300 ليرة سورية، أيّ نقصت مدخراتي ست مرات وتآكل راتبي أيضاً، وهذا ما فعلته «الثورة» بي وبالمواطنين.
كنت أطالب بحرية الرأي والمعارضة والنقد وكنت لا أحصل على ما أتمنى من حرية مطلقة مع أنّ النظام بدأ بتوسيع مرحلة النقد المنظم، لكن «الثورة» وعدتني بأن أكون حراً في كلّ ما أعتقد وما أقول… لكنني الآن لا أجرؤ على الإفصاح عن مذهبي أو عقيدتي وإلا سأتعرّض للذبح، إنْ لم أكن مع التكفيريين الذين يتولون الأمور حيثما أسكن، حتى لو كنت مع «داعش» فستذبحني «النصرة»، والعكس بالعكس، ولا أستطيع أن أدخن أو أحلق لحيتي، ولا تستطيع الفتيات الخروج وأشياء كثيرة أنتم تعرفونها، وأتعرّض للجلد والذبح والحرق إنْ صنّفني «الثوار» معادياً… لكن النظام لم يذبح ولم يغتصب ولم يدمّر البيوت ولم… ولم… هذا ما أعطتني «الثورة» من حرية الرأي!
كنت أعرف أنّ الرئيس الراحل حافظ الأسد لم يوقع اتفاقاً مع العدو «الإسرائيلي» ولم يتنازل عن أمتار قليلة، فجاءت الثورة وقالت إنّ الله لم يأمرنا بقتال «إسرائيل»، و«النصرة» تعالج جرحاها في المستشفيات «الإسرائيلية»، و«الإسرائيليون» يشكرون «الثورة السورية» لاستنزافها الجيش والمقاومة بينما يستريح الجيش «الإسرائيلي»… هذا ما فعلته «الثورة» في قلب العروبة النابض وحوّلته إلى قلب الصهاينة والأميركيين النابض!
كنت أعرف أنّ بلاد الشام ومساجدها منابر الفكر والمعرفة عند أهل السنة والجماعة، ولم يك في بادية الخليج أحد من المفكرين سواء في عهد الأمويين أو العباسيين أو بعدهما، فشاهدت الشيخ البوطي يُغتال في المسجد ورأيت المساجد والكنائس تهدم في سورية والعراق وتنبش قبور الصالحين وتدمّر المستشفيات وتنهب المصانع وتهدم السدود ومحطات الكهرباء والمياه وغيرها من قبل «الثورة».
كنت أدرس في الكتب المدرسية وأزور آثار سورية والإرث الإنساني العائد إلى آلاف السنين، ثمّ رأيت الثورة تهدم كلّ حضارة سورية والعراق فتمحو تاريخ سورية ليكتبه اللصوص والذباحون بِاسم «الثورة»!
كنت أسافر مع عائلتي من دمشق إلى أقصى سورية في الجنوب والشمال، وكان الطلاب صبايا وشباباً يسافرون في الباصات ليلاً ويشعرون بالأمان، أما الآن في ظلّ «الثورة» فلا أجرؤ على الخروج ليلاً حتى في الحيّ، إلا في المناطق خارج سيطرة «الثوار» لأنه في مناطق «الثورة» لا أعرف الحواجز مع مَن وضد ّمَن، فكلّ مجموعة لها أميرها الحاكم من أول الزاروب إلى آخره… وفي كلّ لحظة أنتظر الذبح لأني لست مع «الأمير» الذي لا أعرفه!
لم يكفّرني النظام لأني لست مع حزب البعث، يمكن أن يضايقني أو لا أتمتع بالعطايا ولكنه لم يطلب الفدية أو الجزية أو يأخذ النساء سباياً، لكن الثورة كفّرتني وكلّ الناس، لأنني لست منهم أو معهم وحتى «داعش» و«النصرة» يكفّران ويذبحان بعضهما بعضاً!
كنت أشاهد السياح بعشرات الآلاف، والآن أرى السياح التكفيريين من أكثر من ثمانين دولة يحملون السكاكين والقنابل ولهم زيّ سياحي واحد لحية طويلة ولباس أفغاني وسكين ورايات سود… وبدل البغاء فإنهم يمارسون «جهاد النكاح» ويغتصبون النساء ويبيعون الأيزديات في سوق العبيد… هذا ما فعلته «الثورة»!
لن أكتب المزيد… لكن لو كنت «معارضاً» أو محايداً وأنا أرى أهلي وجيراني يذبحهم الغرباء التكفيريون ويدمّرون ماضي آبائنا وأجدادنا… فهل سأبقى ثائراً أساعد في اغتصاب بلدي ووطني وأذبح أهلي؟
هل سأبقى دليلاً للغرباء والتكفيريين الذين تقودهم المخابرات التركية والصهيونية لتخريب وطني واغتصاب جيراني أم سأتوب وأوجه بندقيتي إلى القتلة التكفيريين؟
لو كنت مواطناً فهل أبقى على الحياد بين الذي يدافع عن وطنه وأهله وكرامته وبين «الثائر» المتحالف مع التكفيريين والصهاينة؟
هل حماية سورية والعروبة والإسلام من التكفيريين مسؤولية الجيش والدفاع الوطني والحلفاء أم مسؤولية كلّ وطني سوري؟
يمكن لنا كسوريين أن نحلّ مشاكلنا وأن نحتضن بعضنا بعضاً ونتنازل لسورية وليس على حساب سورية، والندم بداية الطريق والتوبة مدخل الوطنية… فلنتحد ضدّ التكفيريين لتبقى سورية وشعبها وجيشها وتبقى المعارضة والعروبة والإسلام والمسيحيين في نقائهم وكرامتهم.
سياسي لبناني