نداء المريمية: ليس بالصلاة وحدها يحيا الإنسان
عامر نعيم الياس
عقد اللقاء الروحي للبطاركة الأنطاكيين في الكاتدرائية المريمية للروم الأرثوذوكس بمشاركة البطاركة يوحنا العاشر يازجي بطريرك أنطاكية وسائر المشرق للروم الأرثوذوكس، ومار أغناطيوس افرام الثاني كريم بطريرك أنطاكية وسائر المشرق الرئيس الأعلى للكنيسة السريانية الأرثوذوكسية في العالم، والبطريرك غريغوريوس الثالث لحّام بطريرك أنطاكية وسائر المشرق للروم الملكيين الكاثوليك، ومار أغناطيوس يوسف الثالث يونان بطريرك السريان الكاثوليك، والبطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي، والسفير البابوي في دمشق ماريو زيناري. وصدر عن اللقاء بيان سمّي «نداء المريمية» دعا إلى «استئصال جذور الفكر التكفيري الذي حصد ولا يزال يحصد في كل مرحلة عشرات الألوف من البشر…. حان الوقت لمواجهة هذا الفكر وتجفيف منابعه من خلال تربية دينية وتعميم ثقافة الانفتاح والسلام وحرية المعتقد ومواجهة كل فكر وايديولوجيا تقدّس القتل والعنف والانتقام». ودعا البيان المسيحيين «ليتعاضدوا في ما بينهم ويصلّوا من أجل وحدتهم وليخدموا الفقراء ويحملوا أوطانهم في فكرهم وصلواتهم».
من المؤكد أن رمزية عقد اللقاء في دمشق وفي بطريركية الروم الأرثوذوكس الأكبر في سورية، والتي تمثل المسيحيين المشرقيين، وفي هذا التوقيت بالذات، أمر لا يخفى على أحد. فاللقاء ضمّ بطاركة أنطاكية وبحضور الفاتيكان وتأييده. هنا تتّحد مواقف الكنيستين الغربية والشرقية في سورية، في مؤشر إلى استمرار العمل الكنسي الدبلوماسي في الخارج للضغط الناعم على مراكز صنع القرار في ما يخص مقاربة الملف السوري. إنما في المقابل، كان متوقعاً من البيان الذي دعا إلى «مواجهة الفكر التكفيري» أن يكون أكثر مباشرة في الحديث عن سبل إدارة المعركة مع هذا الفكر، وفق قواعدٍ وأسس جديدة لا تعني بالضرورة مراجعة شاملة لأسس عمل الكنيسة المسيحية المشرقية السورية داخل حدود الوطن وخارجه. تلك الأسس التي تختلف عن عمل نظيرتها القريبة في لبنان تحت مسمى المارونية السياسية. لكن بالحد الأدنى تطوير أذرع تدخل الكنيسة في الشأن العام بما يخدم الحفاظ على الدولة الوطنية في سورية والتي تتعرّض لحرب قذرة فرضت نوعاً من التراجع في قدرة الدولة، أو بالأحرى نزوعاً من جانب الدولة إلى بلورة جهد شعبيّ موازٍ لخدمة القضية الوطنية السورية على كافة المستويات، ومنها المستوى الديني.
اللقاء لم يفرز بياناً له وقعه سواء في أسلوب الصوغ، أو حتى في مضامين البيان لجهة التحشيد والتغيير في طريقة التعاطي مع الأزمة الحالية، وتطوير أدوات الفعل الكنسي على الأرض بما يدفع إلى بلورة مواقف محددة من المسائل التالية:
– ملف تسليح المسيحيين سواء قياساً على تجربة صيدنايا ووادي النصارى في مرمريتا تحديداً، أو في تجربة القرى الآشورية والمجلس العسكري الآشوري المنخرط فعلياً في الجهد الحربي المباشر في مواجهة تنظيم «داعش»، إذ يلاحظ هنا عدم الإشارة إلى تبنّي الكنيسة هذه الخيارات أو رفضها، وبالتالي تحويلها إلى خيارات فردية تأخذ الكنيسة مسافةً منها.
– التهجير الذي تعرّض له مسيحيّو حلب بالدرجة الأولى ومسيحيّو الحسكة والقامشلي وقرى الخابور بالدرجة الثانية، فالصلاة وحدها لا تكفي لمواجهة هذه الكارثة الحقيقية في ضوء انعدام البدائل والخيارات التي دفعت الآشوريين وهم السكان الأصليون لسورية إلى الهجرة نحو الدول الاسكندنافية، هنا نحن في مواجهة تهجير منظم يشبه موجة الهجرة الكبرى التي حصلت في أوائل القرن العشرين للمسيحيين السوريين إلى دول أميركا اللاتينية، خصوصاً الأرجنتين والبرازيل، ما حوّل موازين الديمغرافيا بشكل لا يستطيع أحد إنكاره.
– ملف الخدمة الإلزامية وموقف الكنيسة منها في ضوء انكفاء واضح عن تأدية هذا الواجب الوطني، وعدم وجود هياكل موازية تحشّد العامل البشري على الأرض للدفاع عن عنها في إطار يحافظ الإرث الحضاري والمعنوي لسكان البلاد الأصليين.
لم يكن البيان على مستوى الطموحات، وإن اكتسب رمزيته من دمشق وكنيستها الأنطاكية المشرقية التي تمثّل المسيحية الحقيقية، فالتغيير في أسلوب مقاربة الكنيسة السورية للحياة السياسية في سورية الدولة ودورها في هذه الحياة بات ملحّاً في ضوء الحاجة الملحة إلى تحشيد كامل الطاقات البشرية والسياسية والروحية لمواجهة حرب كونية على سورية، مهد المسيحية ومسقط رأس مؤسّسها.
كاتب ومترجم سوري