الزلزال التركي يثير الذعر في الخليج… واطمئنان أميركي أوروبي
كتب المحرر السياسي:
بينما بدأ الحديث عن تخلي أردوغان عن السعي إلى تعديل الدستور كشرط مسبق لمكوّنات البرلمان التركي الجديد عليه لقبول البدء بأيّ حوار هادف لتشكيل ائتلاف حكومي، وتقدّمت التوقعات التي تشير إلى الفشل في تخطي مهلة الخمسة وأربعين يوماً لتشكيل الحكومة قبل الدعوة إلى انتخابات مبكرة، كان الزلزال التركي لا يزال الحدث العالمي الأول الذي استأثر بمناقشات اجتماعات السبعة الكبار، الذين تتصدّرهم أميركا وفرنسا بريطانيا، وفي حصيلة التقويم الأولي لقادة الدول الغربية يكون الاطمئنان هو الحصيلة تجاه ما جرى في تركيا، كما عكست وسائل الإعلام الأوروبية والأميركية، التي أجمعت على أنّ الأهمّ في مستقبل تركيا يعكسه التأكيد على الثقة ببقائها دولة أطلسية، وتمسّك مكوّناتها بالتجربة الديمقراطية، حاصرة الأضرار بالحزب الحاكم وطموحاته المبالغ فيها.
في الخليج وحده دبّ الذعر من نتائج الانتخابات التركية والإصابة البالغة التي تلقاها الرئيس التركي رجب أردوغان وحزبه، وفشلهما في الاحتفاظ بصفة الحزب الحاكم وخسارة فرصة الرئيس الحاكم بتعديل الدستور، وما بدا أنه تحوّل لا رجعة عنه لجهة غياب فرصة توظيف مكانة تركيا وقدراتها في توازنات المنطقة لحساب السياسات التي انتهجها أردوغان وحزبه خصوصاً تجاه ما يجري في سورية، وهو ما بدا أنّ إعادة النظر فيه ستكون من أولى أولويات حكومة تركية جديدة سواء بنتيجة تشكيل أي ائتلاف حاكم أو بالعودة إلى الانتخابات المبكرة التي سترسّخ النتائج الراهنة، فيما كانت مواقف مكوّنات تركية كحزب الشعب الجمهوري المعارض الرئيسي والفائز بالمركز الثاني انتخابياً والمرشح الأبرز لتشكيل حكومة جديدة إذا ذهبت تركيا إلى الانتخابات المبكرة، تدعو إلى تحقيق مستقلّ في تورط أردوغان وحزبه بالتعاون مع تنظيم «القاعدة» وهو أمر يتخطى حدود الأزمة السورية لإمكانية توجيه تهمة الخيانة العظمى لأردوغان وأركان حكومته، والذعر الخليجي موصول بتغير حكمي متوقع بظروف ومعطيات الحرب في سورية، ومصير دور الحاضنة الرئيسية التي شكلها أردوغان وحزبه للجماعات المسلحة وخصوصاً تنظيمي «داعش» و»النصرة» كمتفرّعات لتنظيم «القاعدة»، والذعر أيضاً يطاول الخشية من أن تكشف أي تحقيقات يجريها القضاء التركي في هذا الملف عن أسماء خليجية بارزة موّلت وسلحت وساهمت في تدعيم دور «القاعدة» عبر تركيا في كلّ من سورية والعراق.
الذعر الخليجي يطاول الذين كانوا على مسافة خلاف في العلاقة بتركيا أردوغان كحال السعودية لكن يجمعهم معها العداء لسورية، والذين كانوا يشكلون محمية تركية يخاصمون ويستفزون ويعلنون العداء مستندين إلى الحماية التركية كحال قطر، ففي الحسابات السعودية يحضر فوراً الأثر الكارثي للتغيير التركي على مواصلة الحرب في سورية من جهة، وعلى مكانة إيران الإقليمية بغياب حضور تركي نشط في مواجهتها، من جهة أخرى، ليجد حكام السعودية بعد كارثة اليمن التي جلبوها لأنفسهم أنهم محاصرون أمام فشل جديد في كلّ من سورية والعراق، ومقابل قوة إيران المتصاعدة على ضفة المياه المقابلة من دون شريك إقليمي يُعتمد عليه، أما الذين جعلوا تركيا بقوة حكم «الإخوان المسلمين» لها وعلاقتها بـ«القاعدة» سنداً لممارسة البلطجة الإقليمية، كما كان حال قطر، فالذعر مزدوج، لأنّ التورّط في حروب المنطقة مضاعف من جانبهم ويتكفل بصناعة عداوات ومشاريع انتقام ممتدّة من ليبيا إلى تونس ومصر وسواها، بعد أن عبثوا بمصائر هذه الدول وتسبّبوا بإراقة أنهار من الدماء فيها، ومن جهة مقابلة يتحسّس القطريون رقابهم من انتقام سعودي يرونه قريباً، بعدما بالغت قطر في الادّعاء والاستفزاز.
الأثر الأكبر لزلزال تركيا أصاب «جبهة النصرة» التي لم تكن بحاجة لضربة ثانية على الرأس بهذا الحجم وهي تتلقى ضربة قاتلة في جرود القلمون وجرود عرسال، فـ»النصرة» وضعت كلّ بيضها في السلة التركية، بعد تراجع «إسرائيل» أمام ميزان الردع المفروض من المقاومة بعد عملية مزارع شبعا، كملاذ حدودي جغرافي قادر على توفير دور الحاضنة التي لا يفيد المال القطري في توفيرها بسقوط الدور التركي، و»النصرة» تواجه معضلة وجودية مع هذا التغيير، فهي محاصرة في جنوب سورية وغربها على جبهتي القنيطرة والقلمون، وها هو متنفّسها الشمالي الذي كانت تتباهي به قبل أسابيع قليلة وتستعرض إنجازاتها في جسر الشغور وإدلب، يتعرّض للسقوط المدوّي بتقدّم فرضية إقفال الحدود التركية في أيّ لحظة، مراضاة لمزاج داخلي غاضب يحتاج أردوغان وحزبه إلى رشوته بجملة إجراءات تجميلية من هذا النوع، طالما أنّ ما حدث يطوي فرصة الرهان على مواصلة اللعبة ذاتها وبالشروط ذاتها، بالنسبة لتركيا.
في هذا المناخ خرج قائد «النصرة» في القلمون أبو مالك التلي يعلن عرسال منطقة عسكرية ويبلغ فاعلياتها أنّ قواته ستعلن تدابير استثنائية للتحقق من عدم وجود اختراقات تهدّد أمنها، وأنّ من ضمن هذه الإجراءات نشر بعض الحواجز ومداهمة عدد من المنازل، وإعلان حظر التجوّل ليلاً، وفي تعبير عن حال الذعر واليأس التي يعيشها التلي، قال في بيان إنّ الدخول إلى عرسال سيتمّ على أجساد مقاتليه وهو ما ردّده قبل معارك يبرود التي سقطت بيد المقاومة خلال ست ساعات، ولم يتردّد التلي في تقديم العسكريين المخطوفين كرهائن يرتبط مصيرهم بأمنه الشخصي، فنقل عنه مقرّبون منه على صفحات التواصل أنه يضمن أمن العسكريين المخطوفين كما يضمن أمنه، وهو يصطحبهم معه أينما ذهب، موجهاً الرسائل لأهالي العسكريين بأنّ مصير أبنائهم مرتبط بأمنه الشخصي.
على جبهات القتال، لم يلتفت مقاتلو المقاومة والجيش السوري في جرود القلمون إلى ما وراءهم وتابعوا حربهم التي أعلن السيد حسن نصرالله أنها بلا سقف ولا مدى محدّد، وقالت مصادر في المقاومة إنّ الحرب مع «النصرة» انتهت عملياً، وإنّ الحرب بدأت مع «داعش» وهي مستمرة بمواجهات جرود راس بعلبك، وستستمرّ حتى تطهير كلّ المنطقة من وجود «داعش» كما طهرت من وجود «النصرة»، باعتبار عرسال مسؤولية وعهدة الجيش اللبناني.
يجري كلّ ذلك ولبنان بلا حكومة، بعدما أدّى قيام وزير الداخلية بتمديد ولاية مدير عام قوى الأمن الداخلي اللواء إبراهيم بصبوص لسنتين إلى وضع التيار الوطني الحر تهديده برفض بحث أيّ بند على جدول أعمال الحكومة حتى البت بالتعيينات الأمنية والعسكرية موضع التنفيذ، ومع استمرار الإجازة المرضية للحكومة جدّد التيار شعاره، الأولوية للتعيين وإلا لا جدول أعمال للحكومة.
جثث «داعش» في قبضة المقاومة
واصلت المقاومة والجيش السوري تقدمهما في جرود عرسال، فصدّت المقاومة هجوماً لمجموعات مسلحة تابعة لتنظيم «داعش»، حيث باء الهجوم بالفشل، وأفادت قناة المنار أن المقاومة استهدفت تجمعاً للمسلحين شرق جرود عرسال أسفر عن مقتل وأسر عدد كبير بينهم عدد لا يستهان به من جنسيات غير سورية، ومنهم أبرز قادة «داعش» في القلمون السعودي وليد عبد المحسن العمري، كما فجرت عبوات ناسفة بمسلحي «داعش» كان «حزب الله» قد زرعها في وقتٍ سابق شرق جرود رأس بعلبك حيث تمكن من أسر 14 جثة منهم.
وقال مصدر ميداني مطلع على سير العمليات لـ«البناء» إن «المعركة الآن على تماس مع داعش التي حاولت شن هجوم مضاد إلا أن المقاومة كانت بالمرصاد.
وتوقع المصدر تحرير كل الجرود قبل شهر رمضان ليقف رجال المقاومة على أبواب عرسال، لكنه نفى أي توجه عند الأمين العام لحزب الله السيد نصرالله وقيادة المقاومة بدخول عرسال».
وحذر المصدر من أنه «إذا لم يدخل الجيش إلى عرسال فهناك مجموعات من عرسال مرتبطة مع المقاومة ستفاجئ الجميع بوجودها وتعيد عرسال المختطفة من الإرهابيين إلى أهلها».
وأكد أن «المعركة مع النصرة انتهت وتصريحات مسؤول النصرة في القلمون أبو مالك التلي هدفها استدراج أهالي العسكريين كسلاحٍ أخير لديه في محاولة منه لإيجاد مخرج له ولجماعته وكلامه لا يقدم ولا يؤخر في سير المعارك لأنه ساقط عسكرياً وكلامه بمثابة نعي النصرة لنفسها».
كما أكد أن «المعركة مع داعش بدأت وهناك قرار من السيد نصرالله بتطهير كامل الجرود وعدم السماح بتواجد أي إرهابي، لافتاً إلى أن الجرود متصلة بقارة والنبك ورنكوس وطريق حمص دمشق والسلسلة الشرقية اللبنانية، والمعارك مستمرة حتى تحرير الجرود التي يسيطر عليها «داعش»، متوقعاً إنهاء العمليات مع «داعش» خلال أسبوع لأن التنظيمين متعادلان بالقوة إلا أن «داعش» في الفترة الأخيرة استعدت للحرب لكن الآن بدأت عملية استنزافها وستنعى نفسها قريباً كما نعت «النصرة» نفسها.
وجزم المصدر بأن «العسكريين المخطوفين موجودون داخل عرسال ولا مأوى لهم في الجرود، فضلاً عن وجود عدد كبير من المقاتلين وقيادات ورموز إرهابية كبيرة موجودة في البلدة».
ولفت إلى أن «الجيش موجود في شمال شرقي عرسال – رأس بعلبك ويقوم بدوره في الرصد ومدفعيته تعمل باستمرار، مشيراً إلى أنه سيتم وصل نقاط تواجد الجيش مع نقاط تواجد المقاومة بعد تنظيف بعض الأودية الفاصلة بينهما».
وأوضح مصدر عسكري لـ«البناء» أن «العملية العسكرية للمقاومة أنجزت بنجاح تام حتى الآن وتم قطع الطريق على الفتنة في البقاع كما كان يخطط البعض، مؤكداً أن المقاومة لم تحتج إلى العشائر التي تعتبر قوة احتياطية ستدخل المعركة إذا طلب منها، وإذا الدولة لم تدخل إلى عرسال وتعتقل المطلوبين الذين قتلوا المواطنين وجنود الجيش ستقوم بمنع المساعدات التي تصل بالشاحنات إلى الإرهابيين في عرسال تحت حجة المخيمات من خلال حصار عرسال من زحلة إلى اللبوة».
«الإصلاح والتغيير»: التعيين أولاً
داخلياً، بقي موضوع الحكومة في طليعة الاهتمامات السياسية وقد جرت اتصالات بعيداً عن الأضواء بين عين التينة وكليمنصو كما بين السراي الحكومية والأطراف المعنية لحلحلة الخلاف داخل الحكومة بحسب ما نقل زوار عين التينة عن الرئيس نبيه بري.
وأمس كرر تكتل «التغيير والإصلاح» موقفه من الحكومة إلا أنه أوضح في بيان تلاه الوزير السابق سليم جريصاتي بعد اجتماعه الأسبوعي في الرابية أنه مع انعقاد جلسات حكومية شرط عدم مخالفة الدستور، وأضاف: «ندعو إلى انعقاد الحكومة كي تمارس صلاحياتها الدستورية وكي لا تنكفئ أو تسمح لوزراء فيها باختزال صلاحياتها»، وأشار إلى أن مكونات تكتل التغيير والإصلاح و«الحليف المقاوم» أربعة.
وأشار مصدر قيادي في التيار الوطني الحر لـ«البناء» إلى أن «التيار لن يعطل الحكومة بل يطالبها بالاجتماع للبت بملف التعيينات الأمنية، واتهم فريق 14 آذار وتيار المستقبل تحديداً بأنهم هم الذين يعطلون البلد والمؤسسات ومستمرون بذلك بناء على الأمر الإقليمي. واستغرب كيف يتخذ وزير الداخلية نهاد المشنوق قراراً بالتمديد للمدير العام للأمن الداخلي اللواء إبراهيم بصبوص مدة سنتين، وقال: كنا نعتقد أنه سيمدد له بضعة أشهر حتى أيلول لإجراء سلة تعيينات كاملة وإذ بالمشنوق الذي كنا نجد فيه رجل دولة يقوم وبطريقة لا علاقة لها برجل دولة بهذا الأمر المخالف للقانون الذي ينص بوضوح على أنه عند بلوغ أي ضابط سن التقاعد يحل مكانه الضابط الأقدم رتبة».
وأضاف المصدر: «لن نسمح بتمرير أي قرار داخل الحكومة إذا لم تضع ملف التعيينات الأمنية بنداً أول على جدول الأعمال ولن نقبل أن يحصل في هذا الملف كما حصل في ملف قانون الانتخاب».
وقال: «موقفنا هذا ليس رداً على التمديد لبصبوص بل لحث الجميع على ضرورة التعيين في كل المراكز الأمنية وإذا أصروا على عدم إجراء التعيينات ستشل الحكومة ولن يمر أي قرار مهما كان موضوعه وهم من سيدفع ثمن التداعيات وليس نحن. نشهد مسيرة انحدارية وتخريب للمؤسسات، فهم مددوا للمجلس النيابي مرتين في ظل وجود رئيس للجمهورية ومددوا للقيادات الأمنية المرة الأولى في ظل رئيس أيضاً والآن يريدون التمديد لهم مرة أخرى ويرفضون البحث بقانون انتخاب».
وأوضح: «نتخوف من مجيء رئيس كميشال سليمان أشباه رجال الجمهورية الذي ترك الجمهورية مجمدة مشلولة ودخل في صراع سياسي معنا، ولولا أن وافق عليه عون لما وصل إلى بعبدا وعندما أصبح رئيساً قال له عون نحن القوة الضاربة لك لكي ترفع من قيمة رئيس الجمهورية لكن للأسف كان لديه دفتر شروط عمل على تنفيذه حتى وصل به الأمر إلى أن تحولت معادلة الجيش والشعب والمقاومة الذهبية إلى معادلة خشبية آملاً بالتمديد له في الرئاسة».
وحذر المصدر من محاولات تشكيل جبهة مسيحية وازنة داخل مجلس الوزراء لتكون بديلة عن وزراء التيار الوطني الحر، معتبراً ذلك تغييراً للقاعدة المتبعة منذ إنهاء العهد الرئاسي التي تقول إن أي قرار يحتاج إلى توقيع 24 وزيراً في ظل غياب رئيس الجمهورية».
وأكد المصدر أن «العلاقة بين رئيس المجلس النيابي نبيه بري والعماد عون استراتيجية ولا غبار عليها، لكن هناك خلافاً في التفاصيل كأي خلاف يقع داخل الفريق الواحد، ونحن لن نطلب منه خوض معركتنا لكن نتمنى أن يضغط معنا لعقلنة فريق 14 آذار الذين يغتصبون السلطة وحقوق المسيحيين وتعطيل مشاركتهم الحقيقية بالحكم».
وأكد المصدر ثقة التيار الوطني الحر بالحلفاء، في دعم موقفنا في مجلس الوزراء ولن يمرروا أي قرار قبل البت بالتعيينات الأمنية».