فشل أردوغان: خبر جيّد لأوروبا والولايات المتحدة
عامر نعيم الياس
258 مقعداً، كانت كافية لوقف طموحات السلطان العثماني. نجح الناخب التركي في وقف البرنامج الأوتوقراطي لرئيس الدولة رجب طيّب أردوغان، هو خبرٌ جيد لتركيا والشرق الأوسط. لكن ماذا عن أوروبا والولايات المتحدة؟
تقع تركيا بين القارة العجوز وآسيا، هي بوابة الشرق بالنسبة إلى أوروبا وطريق العبور من الشرق وإليه، هذا ما عكسه على الأقل ملف عبور الإرهاب الدولي ومن أوروبا تحديداً إلى سورية والعراق عبر تركيا. البلد الذي يبلغ عدد سكانه 75 مليوناً، اتجه في الآونة الأخيرة وتحديداً منذ عام 2006 نحو تمكين الوجود الإسلامي في تركيا نهجاً وحكماً. فالأسلمة انتشرت في كافة المفاصل، وازداد عدد طلاب المعاهد الدينية بنسب تتجاوز 500 في المئة عمّا كان عليه عند تسلّم «العدالة والتنمية» الحكم عام 2002. والخطاب القائم على الاستقطاب أدّى إلى تململ شريحة واسعة من بلد تحكمه توازنات قومية طائفية سياسية لا يستهان بها، تضرب عرض الحائط مبدأ الأقلية والأكثرية السائد في منطقتنا. فالعلويون الترك يشكلون حوالى 15 في المئة من مجمل السكان، والأكراد النسبة ذاتها، أما التيار العلماني وسط الطائفة السنية والمتحالف تاريخياً مع الغرب والمنضوي تحت راية الأطلسي ممثلاً بالأحزاب العلمانية والمؤسستين العسكرية والأمنية، فهو الآخر له وزنه، ما سبق من تململ كان من شأنه أن ينعكس سلباً على أمن الجيش الثاني واستقلاله في منظومة الأطلسي، وبالتالي تلقائياً على أمن أوروبا واستقرارها.
إن التوجه نحو الاستبداد في هضبة الأناضول وإقامة نظام ذي توجهات وميول إسلامية قوية في خاصرة أوروبا، كان من شأنه أن يزعزع أمن القارة استناداً إلى طبيعة النظام الحاكم أولاً، ودوره عابر الحدود، خصوصاً الحدود الأوروبية ثانياً. فأحياء النزعة التركستانية الطورانية من كازاخستان إلى بلغاريا ودول البلقان تحدٍّ معقد يواجه أوروبا، فضلاً عن عودة التوتر بين تركيا «العدالة والتنمية» وكلٍّ من اليونان وأرمينيا على خلفية السياسات التركية العثمانية شكلاً ومضموناً. جملة أمور تدفعنا إلى القول إن نتائج الانتخابات التركية الأخيرة التي شكّلت صفعة لأردوغان وأوقفت حلمه العثماني ومشروعه الإخواني. هذه النتائج تمثل خبراً جيّداً لأوروبا بقدر ما هي خبرٌ جيدٌ لتركيا.
إن ردود الفعل حول نتائج الانتخابات التركية لا تقف عند حدود أوروبا. فالخلاف الأميركي ـ التركي حول سورية، والاستراتيجية الواجب اتّباعها لمحاربة «داعش»، دفعت الرئيس الأميركي بارك أوباما ولو متأخراً للتصريح في قمة الدول السبع الكبرى غامزاً من نتائج الانتخابات التركية الأخيرة التي كبّلت أردوغان. إذ طالب تركيا «بتشديد إجراءاتها على الحدود بمواجهة تدفق المقاتلين الأجانب» طالباً «تعاون أنقرة بشكلٍ أفضل بهذا الخصوص»، هنا يضع أوباما إصبعه على أحد التداعيات المباشرة لفوز أردوغان الممسوخ في الانتخابات والذي يتعلق بسورية والعراق والانخراط العسكري التركي المباشر في لعبة دعم التنظيمات القاعدية المتطرفة وتمويلها بحجة الخطاب المذهبي أولاً، والاستراتيجية المستقلة لأنقرة في سورية ثانياً.
نتائج الانتخابات البرلمانية التركية تفتح الباب أمام مرحلةٍ جديدةٍ مأمولة من التعاون بين الاتحاد الأوروبي وأنقرة، وبين حلف شمال الأطلسي وأنقرة على قاعد الالتزام أكثر بالسياسات الغربية في المنطقة، بعد خسارة أردوغان لرهانه في الداخل ودخول شركاء جدد للرقابة على حكم «حزب العدالة والتنمية» بعد شطب ورقة الانتقال من نظام برلماني إلى نظام رئاسي كان سيمنح أردوغان قدرةً كبيرة على مناكفة الاتحاد الأوروبي وحلف الأطلسي.
كاتب ومترجم سوري