الانقسامات السياسية تلوّث البيئة

إنعام خرّوبي

في خضمّ الخلافات والانقسامات السياسية حول مجمل الملفات العالقة في البلاد، تبقى الملفات البيئية الملحة خارج إطار البحث حتى إشعار آخر، ورغم أنّ الموضوع البيئي ليس منفصلاً عن يوميات المواطن، وهو مرتبط ارتباطاً وثيقاً بطعامه والمياه التي يشربها والأماكن التي يسكنها ويرتادها، إلا أنّه يبقى هامشياً بالنسبة إلى الطبقة السياسية الحاكمة، وحتى عندما تثار قضايا متعلقة بالتلوّث أوالمكبّات أوالمطامر والمقالع والكسارات والسدود والغابات بين حين وآخر من قبل جهة سياسية معينة، تحت شعار الحفاظ على البيئة، نجد أنّ هذا الطرح يأتي في سياق الاستثمار السياسي والانتخابي وما يلبث هذا الطرح أن ينكفئ حالما تتحقق الغاية المرجوة منه.

مرّ يوم البيئة العالمي كعادته كلّ عام، مرور الكرام، ولم يتعدّ كونه يوماً للبيانات الصحافية التنظيرية والمحاضرات من دون أن يتقدّم لبنان، قيد أنملة، في إطار الحفاظ على ما تبقى من بيئته المنتهكة من العدو والمواطنين وأطماع السياسيين الذين جمع بعضهم ثروات طائلة على حسابها، ناهيك عن النمو الاستهلاكي الذي أدّى إلى المزيد من إنتاج النفايات واستهلاك المياه وتدهور الوضع البيئي.

وبحسب تقديرات البنك الدولي، تجاوزت كلفة التدهور البيئي في لبنان 800 مليون يورو في السنة، بحيث تمثل كلفة تلوّث المياه خسارة قدرها 1.08 في المئة من الناتج المحلي، تليها 0.7 في المئة لتلوّث الهواء، و0.69 في المئة لتلوّث المناطق الساحلية والمناطق التراثية، و0.61 في المئة لتلوّث التربة والبراري.

أما التلوّث البيئي الأخطر فهو التسرّب النفطي الذي حدث خلال حرب تموز 2006 عندما قصفت طائرات العدو «الإسرائيلي» خزانين في محطة كهرباء الجية، فكان أسوأ تسرّب للنفط شهده الحوض الشرقي للبحر الأبيض المتوسط، وورد أيضاً في سلسلة المجموعة البريطانية للنشر ضمن الـ 501 كارثة الأكثر تدميراً، وقد وافقت الجمعية العامة للأمم المتحدة في كانون الثاني 2014 على مشروع قرار، يطالب «إسرائيل» بدفع تعويض للبنان عن هذا التسّرب بقيمة 856.4 مليون دولار، ما اعتبر حينها انتصاراً للبيئة.

لبنان لم يعد قطعة من الجنة، كما تغنّى به الشعراء، إذ تنهش الكسارات جباله وتتعرّض أنهاره لشتى أنواع وأشكال التلوّث من كلّ حدب وصوب وهواؤه ملوّث بفعل المصانع والمعامل التي لا تراعي حرمة الطبيعة ولا صحة الإنسان، أما بالنسبة إلى الشواطئ والأملاك البحرية فحدّث ولا حرج بعد أن أصبحت إرثاً يتركه المتنفّذون لأولادهم وأحفادهم حتى أصبح ارتياد الشاطئ، الذي هو في الأساس ملك عام، أمراً ممنوعاً على المواطنين وخصوصاً في مدينة بيروت.

في هذا الإطار، أكدت رئيسة حزب الخضر ندى زعرور لـ«البناء» أنّ الحكومة «مقصّرة في شكل كبير في التعاطي مع القضايا البيئية، فنحن لم نبلغ سنّ الرشد بعد لمقاربة هذا الموضوع بشكل موضوعي يحمي البيئة من الانتهاكات التي تتعرّض لها. الكلّ يتذرّع بحجة الوضع السياسي في ظلّ شغور سدّة الرئاسة ومجلس نيابي ممدّد لنفسه، هناك تمديد لكلّ الأزمات ومنها أزمة النفايات مثلاً والتي لم تعد تحتمل».

وتطرّقت زعرور إلى موضوع تصدير النفايات كحلّ موقت كبديل لمطمر الناعمة، قائلة: «هذا الموضوع مرفوض تماماً من قبلنا، لأنه لا يمثل حلاً لأصل المشكلة، هم يتذرّعون بأنّ السبب هو أنهم يريدون إقفال مطمر الناعمة لذلك لا بدّ من التصدير، لكننا نسأل: أين سيتمّ تجميع هذه النفايات وفرزها وكبسها وتوضيبها؟ إنّ كلفة هذا الخيار تصل إلى 200 دولار للطنّ، أيّ أكثر بنحو 50 دولاراً من الكلفة الحالية للطمر، فهل تستطيع الدولة التي تعاني من عجز مالي أصلاً تحمّل هذه الكلفة؟ نحن نقترح أن يسلّم ملف النفايات للبلديات لامركزية النفايات أي أن تتولّى كلّ بلدية معالجة نفاياتها وفرزها قبل إرسالها إلى المطمر. كما أنّ هناك طرقاً كثيرة يمكن عبرها الاستفادة من النفايات وخصوصاً المنزلية، من بينها ترميم مواقع المقالع والكسارات».

واعتبرت أنّ «موضوع النازحين السوريين في لبنان الذي يعادل بحجمه ربع سكان لبنان ألقى بثقله على الوضع البيئي وعلى البنى التحتية المنهكة أصلاً والتي تحتاج إلى إعادة تأهيل»، مؤكدة «ضرورة السعي مع الجهات المانحة لإيجاد الحلول لهذه المشكلة».

وإذ لفتت إلى «أنّ وزارة البيئة تفتقد إلى موازنة مالية وموارد بشريّة من أجل ممارسة صلاحياتها»، تحدّثت زعرور عن غياب الثقافة البيئية عند المواطن اللبناني، لكنها أشارت في الوقت نفسه إلى ارتفاع نسبة الوعي «بدليل أننا لا نشهد إنشاء المزيد من المطامر في لبنان وهذا أمر جيد، ونأمل أن يطرح الوزراء ملف النفايات للبحث في جلسته المقبلة في حال عقدها».

ودعت إلى «وضع خطة طوارئ بيئية شفافة وواضحة للحدّ من المشاكل التي تنهك البيئة وتؤثر على الموارد الطبيعية من مياه وجبال وغابات، خطة تعتمد التنمية المستدامة وتأمين فرص عمل خضراء لتخفيض نسبة البطالة والحدّ من الهجرة».

الواقع البيئي في لبنان لا يقلّ مأساوية عن الواقع الصحي والإداري والخدماتي وغيرها من القطاعات، وهو انعكاس لسياسة المحاصصة وتأجيل الأزمات والملفات، أما وزارة البيئة فهي لا تمارس دورها الفعلي إلا في المناسبات والمواسم، في حين يلهث السياسيون خلف مصالحهم الصغيرة وغالباً ما يكونون شركاء في تدمير البيئة.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى