صفحة الدراسات في «البناء»، أنشئت لتكون مساحة للأبحاث العلمية المتعلقة بشتى المواضيع ذات الصلة في قضايا الأمة والعالم العربي.

صفحة الدراسات في «البناء»، أنشئت لتكون مساحة للأبحاث العلمية المتعلقة بشتى المواضيع ذات الصلة في قضايا الأمة والعالم العربي.

وهي إذ تتسع لمثل هذه الدراسات تبقى مجالاً مفتوحاً للحوار وطرح الإشكاليات الفكرية والسياسية وغيرها، تنشيطاً لدور الثقافة في الصيرورة الاجتماعية. علماً أن الآراء التي ترد على مساحة الصفحة تعبر عن رأي أصحابها وليست بالضرورة مطابقة لقناعات الصحيفة.

إلا أنه انطلاقاً من القناعة الراسخة بضرورة خلق حوار فكري حول القضايا والإشكاليات كافة وما أكثرها، والتي تفرض نفسها على صاحب القرار والمثقف وقادة الرأي والمواطن في أي موقع كان، كانت صفحة الدراسات في «البناء» هي الترجمة العملية لهذه القناعة. آملين أن تشكل هذه الصفحة مساحة فكرية ـ سياسية تعنى بهموم الوطن والمواطن، تدرس الحاضر لترسم المستقبل.

السرية المصرفية قانون 3 أيلول 1956

إعداد: د. نسيب أبو ضرغم

نظراً إلى أن قانون السرية المصرفية، ومن الوجهة الموضوعية والتاريخية، أحدث انقلاباً نوعياً في المسار الاقتصادي ـ المالي في لبنان، كونه شكّل من المصارف اللبنانية قدرة جاذبة للرساميل الخائفة والهاربة من بلدانها، بحيث كوّنت الكتلة النقدية المتسللة من البلدان المجاورة إلى كنف السرية المصرفية في لبنان، قوة سيولة دعمت دور القطاع الخاص في حركة وإنتاجية الدولة اللبنانية فإننا نقارب على حلقتين هذا القانون مع الملاحظات الواجبة عليه بمنهجية مقارنة، لما يشكله كما أسلفنا من أهمية على الصعيد المالي ـ الاقتصادي.

للسرية المصرفية جذور قديمة في الحياة المالية، فمنذ البدء كان الكهنة ورجال الدين يمارسون الأنشطة المصرفية في هياكلهم، وكانت للسرية المصرفية مسحة ألوهية بفعل ذلك.

ومع الزمن، تطور الأمر حتى أخذ أشخاص آخرون يمارسون هذا الأمر ومنهم التجار مثلاً لما كان يتمتع به هؤلاء من ثقة ممنوحة لشخصهم، بحيث أصبح النشاط المصرفي مرهوناً ببعض مهن هؤلاء التجار ويستمد قوته من وجودهم. وقد وصل في زمن الإغريق والرومان إلى أن يصبح الوجود المصرفي ذا استقلالية وذا كيان خاص به.

لا بد في هذه المقدمة من الإشارة إلى السرية بمعناها الشامل أي السرية المهنية، ذلك أنه ينبغي وجود سرية مهنية كلما فرضت القوانين أو العادات على أصحاب مهنة أو وظيفة موجب حفظ السر، في ما خصّ جميع الأمور التي تتصل بهم بحكم مهنتهم أو وظيفتهم والتي تفرض على الزبون البوح له بأسرار القضية التي لو باح بها لغيره من الأشخاص لتعرض لمخاطر مهمة.

هذا ما سمي بالمعنى الواسع لسر المهنة والذي كرسته النصوص التشريعية بالنسبة لبعض المهن في لبنان كنص المادة 579 عقوبات، أو في فرنسا كنص المادة 378 عقوبات.

التكتم المصرفي بمعناه الواسع يندرج تحت لواء سر المهنة وتحديداً الموجب الملقى على عاتق المصرف بعدم إفشاء الأسرار المصرفية التي آلت إليه بحكم وظيفته المتعلقة بزبائنه، وهذا الموجب فرضته نصوص عامة بالإضافة إلى تقاليد وأعراف.

أما السرية المصرفية بمعناها الضيق فهي الموجب الملقى على عاتق المصرف بعدم إفشاء الأسرار التي حازها بفعل وظيفته، ولكن بموجب نصوص قانونية صريحة، تفرض التكتم وتعاقب على الإفشاء.

إذاً السرية المصرفية سر خاص يستند إلى قانون خاص ولا يستند إلى تشريع عام.

لا بد من الإشارة إلى أن السرية المصرفية ليست من صلب عمل المصرف ولم تفرض بالنظام العام، كما فرضت طبيعياً على مهنة الطبيب، بل جاءت برغبة المشترع الخاصة والتي اعتبرت أن السرية المصرفية تفيد سبباً في الازدهار المالي والاقتصادي.

لذا ينبغي في دراسة السرية المصرفية بمعناها الضيق أن نلجأ إلى استعراض النظرية العامة للسرية كما طبقت في البلدان الأخرى أي في القانون المقارن حتى نخلص إلى دراستها في القانون اللبناني مع الإشارة إلى الظروف التاريخية والاقتصادية والسياسية التي ساهمت في وضع قانون السرية المصرفية في لبنان.

صحيح أن السرية المصرفية في لبنان دخلت حيّز التطبيق بموجب القانون الصادر في 3/9/1956 إلا أن هذا لا يعني أن لبنان كان السباق في تطبيق السرية المصرفية، ذلك أن ثمة من سبقه إلى ذلك في فرنسا وسويسرا.

السرية المصرفية في القانون السويسري:

إن الأهمية القصوى التي بلغتها السرية المصرفية في سويسرا، لا تعود إلى وجود نص خاص بها كما هي الحال في لبنان، فقد ارتكزت إلى ركيزة قانونية وحيدة هي نص المادة 47 فقرة ب من القانون الاتحادي السويسري المتعلق بالمصارف وصناديق الادخار تاريخ 08/11/1934.

«كل شخص بصفته عضواً في مصرف، أو مستخدماً في مصرف، أو مدققاً أو مساعد مدقق، أو عضواً في لجنة المصارف، يخالف عن قصد موجب التكتم الملزم به عملاً بهذا القانون، أو سر المهنة، أو يحرض على ارتكاب هذه الجريمة، أو يحاول التحريض عليها، وإذا لم ينتج الفعل عن تقصير، لا تتجاوز العقوبة العشرة آلاف فرنك».

والجدير ذكره أن هذا النص يندرج في سلسلة نصوص متعلقة بسر المهنة بشكل عام. فهو لا ينظم بشكل وافٍ كل التفاصيل التي يطرحها تطبيق السر المصرفي، لذلك فتح الباب أمام الفقه والاجتهاد لتطوير هذا النظام وفق المتطلبات.

سمات قانون السرية المصرفية في سويسرا:

افتقاد القانون لتحديد موجب السر.

خلو القانون من نص يعفي أصحاب المصارف والعاملين فيها من موجب أداء الشهادة أمام المحاكم.

خلو القانون من نص يعفي أصحاب المصارف من اطلاع السلطات العسكرية والقضائية والمالية على حسابات الزبائن.

في ما يتعلق بالاجتهاد، فإن المادة وأمينها والمحاكم درجا على السماح للصيرفي بالتمنع عن القيام بواجبه إذا طلب إليه ذلك بداعي الوظيفة.

يستنتج، أن النقص التشريعي حول السرية المصرفية في سويسرا ليس له أي أهمية من الناحية العملية، لا بل يمكننا افتراض العكس، نظراً إلى النتيجة التي سلفها تطبيق هذا النظام، إذ إن الإرادة في المحافظة على نظام السرية المصرفية جعلت المعنيين ينكبّون على ملء الثغرات الموجودة في القانون بحسب التطور الاقتصادي المستمر. الكامل في قانون التجارة -عمليات المصارف- د. الياس ناصيف، منشورات البحر المتوسط منشورات عويدات- ص 267.

السرية المصرفية في فرنسا:

شهد موجب التكتم في فرنسا تاريخاً طويلاً تعود جذوره التشريعية إلى القرن السابع عشر حيث كانت بمثابة سلسلة قرارات ومراسيم ونظم تشريعية مبعثرة، لم يكن هذفها الرئيسي تنظيم السر المصرفي في معناه الضيق، وبقدر ما كانت لحماية «سرية أعمال الصرافة والبنوك» بوجه عام.

أهم القرارات المتعلقة بالسرية المصرفية:

نص صدر عن مجلس الملك بتاريخ 02/04/1639 بصدد بورصة باريس، موضوعه تغيير تسمية «سماسرة الصرف» بـ «وكلاء الصرف».

تنظيم تشرين الأول 1706 والذي عبّر في مادته الثامنة عن السرية المطلوبة من مصالح الصرف بشكل واضح.

قرار صادر عن مجلس شورى الدولة سنة 1720.

قرار صادر عن مجلس شورى الدولة سنة 1724. القراران أوجبا على الصراف ضرورة حفظ الأسرار المتعلقة بمعاملاته مع الوسطاء وأصحاب المصارف.

التشريع الحديث:

إن التشريع الفرنسي الحديث قد أوجب احترام السر المصرفي على قاعدتين:

الأولى: تعود إلى التقاليد والتي تترجم بضرورة التكتم بشكل عام، بحيث يشكل خرق هذه القاعدة تعريض صاحب المخالفة إلى عقوبة مدنية فقط.

الثانية: تعود إلى أحكام المادة 378 من قانون العقوبات الفرنسي التي تنص على إنزال عقوبات جزائية بحق من أقدم على إفشاء سر المهنة من دون مسوغ قانوني.

نص المادة 378 عقوبات فرنسي:

إن الأطباء والجراحين وضباط الصحة والصيادلة والقابلات وجميع الأشخاص المؤتمنين على الأسرار بموجب وضعهم أو مهنتهم التي هي خارج الحالات التي يلزمهم أو يحميهم منها القانون، يقدمون على إفشاء هذه الأسرار، يعاقبون بالحبس من شهر إلى ستة أشهر وبغرامة تتراوح بين 500 و3000 فرنك».

يتبيّن، من نص المادة 378 عقوبات فرنسي، أن السرية المصرفية في القانون الفرنسي تدخل ضمن إطار النص العام الذي يتحدث عن سر المهنة ككل وليس بشكل مخصص.

أيضاً هناك صفة النسبية التي سمحت بها المادة المذكورة حينما نصت «par etat ou proffesion ou par functions tomparaires ou permanantes, des secrets q on leur confie» أي… «جميع الأشخاص المؤتمنين على الأسرار بموجب وصفهم أو مهنتهم…» لأنه من يتحكم عادة في التطبيق بحسب المادة المذكورة هو مستلزمات ومقتضيات المهنة بحسب ظروفها، فيما ما يعتبر سراً بالنسبة إلى الطبيب ليس هو كذلك بالنسبة إلى الكاهن وكذلك الصيرفي.

ونظراً لافتقار التشريع الفرنسي إلى نص يتعلق بالسرية المصرفية نرى أن سريان السر المصرفي غير متوفر تجاه القضاء أو الدوائر المالية عكس ما هي عليه الحال في لبنان.

السرية المصرفية في لبنان

السرية المصرفية قبل قانون 03/ أيلول/ 1956

قبل قانون 03/ أيلول/ 1956 لم يكن ثمة نص قانوني يوجب على المصرف حفظ السر في الأمور التي كانت تتصل بنشاطه، فلا المصرف ولا الموظفون ملزمون قانوناً بالمحافظة على سر المهنة، بل كان سر المهنة يجري استناداً إلى العادات المتبعة في المصارف، والتي كانت تعتبر نفسها أمينة على كتمان العمليات التي تقوم بها.

المسؤولية المدنية: على رغم أن المصرف لم يكن مجبراً على التكتم، إلا أن موجباً قانونياً كان يلقى عليه، هو الموجب التعاقدي، بحيث إذا تمت المخالفة من قبل المصرف جاز للزبون المطالبة بالعطل والضرر وفقاً للمادة 252 من قانون الموجبات والعقود.

الجدير ذكره، أن مبدأ المسؤولية المقرر في هذه المادة لا يفرّق بين إفشاء السر عن قصد أو عمد أو نتيجة إهمال أو قلة احتراز.

أما تقدير التعويض هو الذي كان يوجب التفريق، لأن المادة 262 موجبات وعقود نصت على أن المخالف يدفع فقط الضرر الممكن توقعه عن عقد الاتفاق إذا كانت المخالفة عن حسن نية. بينما يجب أن يشمل التعويض الأضرار المباشرة وغير المباشرة في حال الخداع.

المسؤولية الجزائية: كرست المادة 579 عقوبات مسؤوليةً جزائية على «من كان بحكم حرفته أو وظيفته أو مهنته أو فنّه، على علم بسرٍّ أفشاه من دون سبب شرعي، أو استعمله لمنفعته الخاصة أو لمنفعة آخر، عوقب بالحبس سنة على الأكثر وبغرامة لا تتجاوز مئتي ليرة إذا كان الفعل من شأنه أن يسبب ضرراً ولو معنوياً».

إن الجرم الذي أشارت إليه المادة 579 عقوبات له الصفة القصدية، بمعنى أن العقوبة لا تترتب على المرتكب بموجب هذه المادة إلا إذا توفر لديه العلم والقصد والإرادة، وبذلك يكون من أفشى السر عرضاً أو عن إهمال أو قلة احتراز غير واقع في نطاق الملاحقة القضائية.

لذلك جرى العلم والاجتهاد على عدم الموافقة على تطبيق المادة 579 عقوبات على الأشخاص الذين يمكن اعتبارهم مجبرين على حفظ السر، ومن بينهم صاحب المصرف.

ج- موجب حفظ السر: قبل قانون 03/ أيلول/ 1956 لم يكن صاحب المصرف ملزماً بحفظ السر سر المهنة كما كان إفشاء السر موجباً بحكم القانون مثلاً.

الحجز لدى شخص ثالث: نصت المادة 637 أصول محاكمات مدنية على وجوب أن يرسل كل شخص تبلّغ ورقة الحجز، إلى دائرة الإجراء كتاباً مضموناً مصحوباً بسند إيصال مشتملاً على تصريح يدل على حقيقة المبلغ الموجود في ذمته للمحجوز له. وهذا كان يطبّق على صاحب المصرف المدين أيضاً.

في قضايا الضرائب:

المادة 93 من قانون ضريبة الدخل تاريخ 04/12/1944 تنص على أن «لا يجوز لأحد ولا للدوائر الرسمية والهيئات العامة، والمؤسسات ذات الامتياز… أن تحتج بسر المهنة، إذا طلب منها موظفو المالية المختصون الاطلاع على أي مستند أو قيد يتعلق بفرض الضرائب المحدثة».

المادة 95 من القانون ذاته تنص على أن «كل صيرفي أو وكيل أملاك أو أموال أو تاجر يتعاطى دفع واردات الرساميل المنقولة، وكذلك كل شركة وتاجر، باطلاع موظفي المالية المتخصصين، لدى الطلب، على كل السجلات والمستندات الحسابية، وعلى كل ما من شأنه أن يثبت صحة التصريح المقدم من أي مكلف كان».

المادة 25 من قانون ضريبة الإرث تاريخ 21/12/1951 تفرض على كل شخص مدين لتركة، وعلى كل شخص مستودع أو واضع اليد على شيء منها، أن يقدم خلال أسبوعين من تاريخ علمه بوفاة صاحب التركة أو إعلامه بها تصريحاً يبيّن فيه ما عليه من ديون نحو المتوفى أو ما في حوزته من أموال التركة.

أولاً- في المحاكم الجزائية: لم يكن المصرف معفى أمام المحاكم الجزائية من الإدلاء بشهادته ومعلوماته بكل ما يتعلق بعمليات أحد الزبائن عندما كان يطلب إليه ذلك ومن دون العودة إلى موافقة الزبون، وذلك وفق أحكام المادة 407 من قانون العقوبات اللبناني.

ثانياً- أمام المحاكم المدنية والتجارية: أمام هذه المحاكم، وعلى رغم أنه كان معترفاً به الجميع أن صاحب المصرف غير مجبر على كتمان السر، إلا أنه كان بالتطبيق يعفى من الإدلاء بشهادته في ما يتعلق بعمليات زبائنه، إلا إذا أجاز له الزبون ذلك.

يتضح أنه قبل قانون 03/ أيلول/ 1956 لم يكن يوجد سر مصرفي بالمعنى الصحيح، ولم يكن أصحاب المصارف ملزمين بأي موجب خاص للمحافظة على سر المهنة، بل كان الموجب الملقى على عاتقهم يرتكز إلى العادات المتبعة في المصارف.

قانون 03/ أيلول/ 1956

مقدمة حول الظروف السياسية والاقتصادية والمالية:

حدث أن شهد العالم العربي، بخاصة سورية والعراق ومصر، أحداثاً سياسية دراماتيكية، تمثلت بحصول انقلابات عسكرية ذات نزعة ثورية اشتراكية.

حدث ذلك في مصر عام 1952 ما دفع إلى ولادة حركات وأنشطة سياسية، في دول أخرى، تحاكي ما جرى في مصر في ذلك العام. الأمر الذي دفع بأصحاب الرساميل الخاصة، بخاصة في سورية، إلى البحث عن ملجأ آمن لرساميلهم المعرّضة للتأميم في حال حصول انقلابات عسكرية شبيهة بالانقلاب المصري.

بدأت هذه الرساميل تتجه نحو المصارف اللبنانية. حينذاك، رأى المشترع اللبناني أن يعمد إلى وضع قانون يشجع تدفق هذه الرساميل إلى المصارف اللبنانية وذلك بفرض السرية المصرفية على الأرصدة المودعة كافة.

أثير الجدال حول هذا الموضوع زهاء سنة، وبالنتجية توصل المجلس النيابي إلى إقرار قانون السرية المصرفية في لبنان بتاريخ 03/09/1956.

هذه الخطوة دفعت بمعظم الرساميل إلى المصارف اللبنانية التي ضاقت بها، ما دفع إلى تأسيس مصارف إضافية أمنت لهذه الرساميل الملجأ الآمن بشكل مطلق.

والحقيقة أن السرية المصرفية التي طبّقت بموجب قانون 03/09/1956 كانت أكثر أنواع السرية المصرفية المطبقة في العالم شمولاً وإطلاقاً، بحيث أن هذه القانون قد ألزم المصارف بكتمان السر لمصلحة الزبائن بصورة مطلقة.

راجع حكم محكمة بداية بيروت التجارية، رقم 134 تاريخ 28/02/1974 حاتم 152- ص 63 .

يقتضي بحث السرية المصرفية في لبنان دراسة:

أولاً: موجب حفظ السر

ثانياً: مسألة الخروج من هذا الموجب

أولاً: موجب حفظ السر:

البحث الأول: إن الطرفين المعنيين بموجب حفظ السر هما: – النبذة الأولى: المصرف، النبذة الثانية: الزبون

النبذة الأولى: المصرف

أخضعت المادة الأولى من قانون السرية المصرفية لسر المهنة «المصارف المؤسسة في لبنان على شكل شركات مغفلة والمصارف التي هي فروع لشركات أجنبية، شرط أن تحصل هذه المصارف اللبنانية على موافقة خاصة يعطيها وزير المال لهذه الغاية» مع استثناء مصرف التسليف الزراعي والصناعي والعقاري.

يتبيّن أن المادة الأولى المذكورة أعلاه قد فرضت من ناحية أن:

مصرف مؤسس في لبنان كشركة مغفلة أو فرع لشركة أجنبية

قبل إقرار قانون السرية المصرفية ونفاذه في لبنان، كانت المصارف تؤسس كشركات تجارية، ولا تخضع بترخيصها لأي شكليات خاصة، فيما كانت الرقابة عليها منعدمة. لذلك فرض القانون على المصرف الراغب بالاستفادة من أحكام قانون السرية المصرفي، أن يكون مؤسساً على شكل شركة مغفلة.

وتشجيعاً لذلك، فقد سمح القانون لهذه المصارف بـ:

فتح حسابات ودائع مرقمة وتأجير خزائن حديدية مرقمة.

فتج حسابات مشتركة لزبائنها.

موافقة خاصة يعطيها وزير المال.

كما أشارت المادة الأولى من قانون السرية المصرفية على كل مصرف مؤسس في لبنان على شركة مغفلة أو فرع لشركة أجنبية ويريد الاستفادة من نظام سرية المصارف أن يستحصل على موافقة وزير المال وذلك عن طريق استدعاء يوجه إلى الوزير، الذي كان يتمتع سابقاً بسلطة استنسابية لإعطاء الترخيص أو رفضه.

لم يشر القانون إلى إمكان الطعن بقرار وزير المال القاضي برفض الترخيص للمصرف إلا أن الفقه أقر بذلك أمام مجلس شورى الدولة. 1 وذلك على قاعدة تجاوز حد السلطة وفقاً لأحكام القانون العام.

سابقاً كانت السلطة المانحة للموافقة على استفادة المصرف من نظام سرية المصارف الحق في سحب موافقتها، كما كان للمصرف المستفيد من ذات النظام طلب الانسحاب منه شرط إعلام وزارة المالية والزرائن. بعد صدور التشريعات المتعددة التي نظمت القطاع المصرفي لم يعد ممكناً لأي مصرف الخروج من نظام السرية المصرفية.

الفقرة الثانية: الأشخاص الملزمون بحفظ السر: م 2 من قانون 03/09/1956 حصرت الأشخاص الملزمين بحفظ السر، وهم:

مديرو ومستخدمو المصارف.

كل من له اطلاع بحكم وظيفته أو صفته بأي طريقة كانت على الفواتير والمعاملات والمراسلات، المصرفية حتى الحاجب.

أعضاء مجلس الإدارة.

موظفو المراقبة.

المستشارون القانونيون والماليون.

محامو المصارف.

الخبراء.

القضاة الذين تسنّى لهم الاطلاع، بحكم وظيفتهم، على العمليات المصرفية.

الأشخاص المذكورون في بعض القوانين اللاحقة:

قانون النقد والتسليف الأشخاص الذين ينتمون أو كانوا منتمين إلى المصرف المركزي .

م- 151.

148 فقرة 2- نقد وتسليف.

جميع موظفي دائرة الرقابة على المصارف.

المادة 155 نقد وتسليف,

المحكومون والمحكم الإضافي الذين يكلفون بتقدير العناصر التي تتألف منها موجودات المصرف.

ج المادة 195 نقد وتسليف.

1 موظفو المراقبة التابعين للمصرف المركزي.

2 القانون المتعلق بإخضاع المصارف التي تتوقف عن الدفع لأحكام خاصة

أ المادة 16 من القانون أعلاه.

المدير المؤقت ورئيس لجنة الإدارة.

القانون المتعلق بتعديل وإكمال التشريع المتعلق بالمصارف وإنشاء مؤسسة مختلطة لضمانة الودائع المصرفية.

م. 8 من القانون أعلاه أعضاء لجنة الرقابة على المصارف.

النبذة الثانية: الزبون

لا القانون اللبناني ولا القانون الفرنسي حدد مفهوم الزبون LE CLIENT حيث ترك الأمر للفقه والاجتهاد.

فقرة أولى: مفهوم الزبون في فرنسا: لقد رسا مفهوم الزبون في فرنسا على الحكم الصادر بتاريخ 07/ شباط /1962 1 عن محكمة النقد الفرنسية. حيث اعتبر أن الزبون «هو من يكون معروفاً بصورة مباشرة أو غير مباشرة من المصرف وأن هذه المعرفة يمكن أن تنتج من عملية تحقق بسيطة من هوية طالب فتح الحساب يستتبع ذلك بالضرورة وجود علاقات سابقة ودائمة» 2 .

فقرة ثانية: مفهوم الزبون في لبنان: انتقل الأمر من المفهوم الضيق لمعنى الزبون إلى المفهوم الواسع عبر حكم صادر عن القاضي المنفرد الجزائي في بيروت رقم 501 تاريخ 23 تشرين الثاني 1971 وقد أشار إلى أنه يكفي أن يقوم شخص بالاتصال بالمصرف مباشرةً ولو لعملية واحدة ولو لم يختر هذا المصرف بالذات لاعتباره زبوناً عكس مفهوم الضيق الذي أكد وجوب استمرارية الاتصال والاختيار .

«زبون المصرف هو الشخص الذي يتعامل معه بملء إرادتهم حتى لأول مرة». 1

المعيار المقترح: اللجوء الإداري لخدمات المصرف. L adhesion volontaire a l operation bancaire

يقوم هذا المعيار على ركيزتين:

الأولى: موافقة المصرف على العملية وعلى الشخص الذي يقوم بها.

الثانية: استعانة الشخص الإرادية بخدمات المصرف.

وذلك لا يعتبر السارق زبوناً لأن لا موافقة للمصرف على عمله.

وكذلك يعتبر ساحب الشيك، على مصرف ما من دون أن يكون له أي مؤونة، زبوناً، لأن المصرف في الأساس لم يوافق عليه كزبون.

ج- كذلك الأشخاص الذين يتقدمون من المصرف من دون أن يختاروه كقابضي الحوادث.

أما الزبون الذي يسحب شيكاً على مصرف له فيه مؤونة، وإن كانت غير كافية لقيمة الشك المسحوب، يعتبر زبوناً.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى