«النصرة» و«داعش» والدروز وحسابات أميركية «إسرائيلية»
ناصر قنديل
– في مراحل الصعود الأميركي كقوة توسّع ونفوذ كان تنظيم «القاعدة» قوة استنزاف للخصم الأبرز الاتحاد السوفياتي، تمهيداً للانقضاض عليه من دون احتساب تعويض بديل لـ«القاعدة» عن خدماتها، على رغم تصريحات قادة «القاعدة» أنهم أصحاب مشروع إسلامي يقاتل الشيوعية متحالفاً مع الغرب الليبرالي الذي لا يمسّ بالشعائر الإسلامية كما يفعل الشيوعيون، وفي المقابل سعت «إسرائيل» إلى اللعب على موقع الموحدين الدروز في لبنان وسورية أملاً باستخدامهم في مشروعها كأداة تفكيك للوحدة الوطنية للكيانين، وضرب مشروع نهضة يستعدّ لقتالها. وعلى رغم أنّ القادة الذين تقبّلوا الطرح «الإسرائيلي» كانوا يقولون إنهم سئموا أن تتحكم سائر المكوّنات الطائفية بمستقبلهم وأمنهم واستقرارهم، وإنهم يتحالفون مع أقلية دينية قلقة مثلهم تبحث عن كيان مستقلّ. لم يكن في حسابات «إسرائيل» لو نجحت أن تفكر في كيفية منح مكافآت للمشاركين في مشروعها للفتن الأهلية.
– وقع قادة «القاعدة» في الشرك الأميركي وارتضوا استعمالهم من الأميركيين، وانتهت حرب أفغانستان بهزيمة الاتحاد السوفياتي، وتصرّف الأميركيون كمنتصر ينهي معركة ويواصل حرباً، حتى انهار الاتحاد السوفياتي وتفكك، ولم تنل «القاعدة» أيّ مكافأة على دورها، بل سلّم الحكم في أفغانستان إلى من رأتهم واشنطن الأقرب إليها، بينما تنبّه قادة الموحدين الدروز في لبنان وسورية إلى خطر المشروع «الإسرائيلي»، ورفضوا التعامل معه وأوصدوا الأبواب في وجه المروّجين والرسل، وأصرّوا على التمسّك بدور ريادي في وطنيتهم وعروبتهم، وحتى عندما عصفت رياح الحرب الأهلية في لبنان وحاول البعض تسويق فكرة الدويلة الدرزية، كان التداخل الديموغرافي والجغرافي اللبناني السوري، ومعه الترابط السياسي والأمني والعسكري سبباً كافياً لسقوط المشروع.
– مع تراجع المشروعين الأميركي و«الإسرائيلي» وتآكل الطاقة الهجومية لدى كلّ منهما في العقد الأول من هذا القرن، والتوجه نحو سورية بكلّ ثقل القدرات السعودية والتركية ومعهما خطة أميركية «إسرائيلية» ترتضي مقايضة تسليم هذا الحلف مقدرات المنطقة كشريك ووكيل مقابل إلحاق الهزيمة بحلف المقاومة، المكوّن من مثلث إيران وسورية وحزب الله، لم يكن الفشل وارداً في الحساب، بسبب حجم ما رصد من إمكانات للفوز بهذه الحرب، لكن بعد الفشل، عاد الأميركيون إلى الرهان على تنظيم «القاعدة» كقوة استنزاف لتحقيق الأهداف تكراراً لما جرى في أفغانستان، وعاد «الإسرائيليون» لنظرية الاحتماء خلف الجدران، التي صارت ديموغرافية هذه المرة وليست مجرّد إسمنت مسلح كما هي الحال حول القدس.
– فشلت حروب الاستنزاف الأميركية بواسطة «القاعدة»، وفشلت خطط الحزام الأمني «الإسرائيلي» على الحدود سواء بواسطة «جبهة النصرة»، أو بواسطة العبث بالمكوّن الدرزي وتوظيفه، فالأميركي واجه صموداً لم يضعه في الحسبان للدولة السورية، وتمسّكاً من الحلفاء فاق التوقع، بينما اصطدمت «إسرائيل» بميزان الردع الذي نصبته المقاومة في وجهها، فارتدّ الأميركيون في ربع الساعة الأخير قبيل نهاية الزمن التفاوضي المتاح في الملف النووي الإيراني، وبعد الانتكاسات التركية والسعودية و«الإسرائيلية» كلّ في ملف وساحة، إلى التعاقد بالمفرّق مع فروع «القاعدة»، والعنوان: تسهيل تمدّد «النصرة» جنوب وشمال سورية مقابل قتال حزب الله وهزيمته في القلمون، والتعاقد مع «داعش» بتسهيل دخول قواته إلى الرمادي وتدمر مقابل وصول ما يلزم منهما إلى القلمون والتعهّد بقتال حزب الله، وفي المقابل قامت «إسرائيل» بعد التيقن من استحالة تغيير المعادلات بعرض إدارة العلاقة بين المكوّن الدرزي و«النصرة» لمصالحة وعدم تصادم مقابل تحييد السويداء في الجغرافيا السورية العسكرية والسياسية، والمقصود تعطيل حركة الجيش السوري فيها ومنها وإليها.
– فشل «داعش» بعد فشل «النصرة» في معارك القلمون، أسقط في يد أميركا مرة أخرى، وظهرت المقاومة هذه المرة كقوة دولية عظمى، وكان الفشل الأميركي المدوّي، وفي المقابل جاءت مجازر «النصرة» بحق الدروز الموحدين في قرية قلب لوزة في ريف إدلب من جهة، والغلبة الكاسحة للتيار الوحدوي بين الدروز من جهة أخرى، على رغم الدسائس «الإسرائيلية» والتحريض الجنبلاطي، لتحسم مرة أخرى هوية الجبل الذي يحمل اسم جبل العرب، والذي كان على الدوام صانع بطولات في حروب الاستقلال، ليسقط في يد «الإسرائيلي» و«النصرة» وينتصر الجبل لنفسه ووطنيته وعروبته ووحدة سورية ومكانة جيشها.