هل المعارضة السورية خارج نطاق التغطية
جمال الكندي
انتهى أخيراً في العاصمة المصرية اجتماع المعارضة السورية، وهذا الاجتماع ليس الأول من نوعه، فقد سبقته اجتماعات عدة كان الغرض منها توحيد صف المعارضة أمام الحكومة السورية والذهاب إلى جنيف3 وفق أجندة واحدة. إنها محاولة من المعارضة السورية في اجتماع القاهرة للخروج من العباءة الخارجية سواء كانت تركية أو خليجية والظهور بأنها معارضة وطنية لا تأتمر بأوامر أحد، وان منطلقاتها سورية بحتة، واجتماع القاهرة هو منبرها لإظهار ذلك، مع ملاحظة وجود بعض الشخصيات المعارضة التي ما زلت تعول على الخارج، وهذا يظهر في بعض أدبياتها السياسية المتكررة بشأن الحكومة السورية والتي تتماشى مع النغمة التركية والخليجية.
إن التغيرات الكبيرة في الساحة السياسية التركية بعد الانتخابات البرلمانية الأخيرة والتي أصابت حزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا الداعم للمعارضة السياسية والعسكرية في سورية بانتكاسة كبيرة بعدم حصوله على الغالبية البرلمانية المطلوبة لتشكيل حكومة ذات لون واحد كفيلة بإخراج هذا الحزب من صناعة السياسة الخارجية لتركيا، وهذا بدوره سوف ينعكس سلباً على الدعم اللامحدود الذي تقدمه الحكومة التركية للمسلحي المعارضة السورية والدعم السياسي للائتلاف السوري المعارض.
لذلك، فإن اجتماع المعارضة السورية في القاهرة محاولة من المجتمعين الابتعاد قدر الإستطاعة من نفوذ محركي الأزمة السورية وبخاصة تركيا، وبعض دول الخليج، ورسم خريطة جديدة للمعارضة تظهر فيه وجهاً آخر مغاير للائتلاف السوري المعارض من خلال الخروج بها من دائرة سيطرة المال الخليجي والنفوذ التركي فهل تحقق ذلك في اجتماع القاهرة.
المراقب لمخرجات هذا الاجتماع، يدرك أنها هي نفسها مطالب الائتلاف السوري المعارض مع بعض الزخرفات الكلامية من باب أنها وطنية وتتكلم باسم الشعب السوري، والعجيب بأن المجتمعين في القاهرة يريد دمج الجيش العربي السوري إلى تلك المجاميع المسلحة التي صرنا لا نقدر نحصي عددها ومسمياتها، والتي تتجاذبها الأطراف الخارجية بحسب أجندة كل دولة ومطامعها في سورية، أليس من المنطق أن تدعو معارضة القاهرة المسلحين إلى أن يلقوا أسلحتهم وينخرطوا مع الجيش السوري للدفاع عن الوطن ضد إرهاب «داعش» و»النصرة؟ والغريب «أن المجتمعين في القاهرة يطلبون من المسلحين غير السوريين الخروج من سورية، فهل داعش والنصرة لما دخلا سورية استأذنا المعارضة؟ وهل خروجهم سيكون بهذه السهولة؟
التباين ما زال واضحاً بين الذين اجتمعوا في القاهرة والحكومة السورية، لذا نرى هذا الاختلاف في مواقف المعارضة السورية تجاه الحكومة السورية، فما زلنا نسمع من المعارضة أن راس الهرم السياسي في سورية ليس له مكان في سورية الجديدة، وهو كلام متكرر يصدر في بعض الأحيان من بعض الساسة الأميركيين وبحسب الموقف السياسي وتقلده ببغاواتهم في المنطقة. إن الحكومة السورية وجيشها الوطني وعلى مدار اربع سنوات حملا على عاتقهما لواء محاربة التنظيمات المتطرفة في سورية، وهذا الجيش يأتمر بأوامر قائده الأعلى وهو الرئيس بشار الأسد، فكيف يقبل الشعب السوري إسقاط رئيس مقاوم ثبت في بلده ولم يهرب كغيره من الروساء؟
وهنا يأتي السؤال المحير والصعب والذي أطرحه على المعارضة السورية، هل هي خارج نطاق التغطية الميدانية لمجريات الحرب في سورية؟ هل خريطة سيطرة الجماعات المسلحة في سورية لم تصلها بعد؟ ألا تعلم من يقاتل هذه التنظيمات الرديكالية التكفيرية والتي لا تقبل بشيء اسمه الدولة الوطنية؟ وهل هذه المعارضة المجتمعة في القاهرة تمون على هذه التنظيمات المسلحة من جبهة «النصرة» و»داعش» وجيش علوش وجيش الفتح الأردغاني وغيرها من الفصائل المسلحة؟ وهل هذه الجماعات المسلحة تتوافق مع أجندة المجتمعين في القاهرة؟
إن الخيار الأول اليوم في سورية، هو محاربة هذا الإرهاب الأسود الذي يضرب المناطق الشمالية والجنوبية والشرقية فيها، وتتقاسم هذه المناطق تنظيمات تكفيرية لا تهتم وتعول على ما تقوله المعارضة السياسية في أي اجتماع من اجتماعاتها، ووسط هذا الإرهاب نرى بعض متكلمي المعارضة يدعون إلى حل سياسي مع هذا الوجود التكفيري في سورية وأن الدولة لا بد أن تغير استراتجيتها العسكرية إلى تبني الحل السلمي مع هذه المجاميع المسلحة وهو المضحك في الأمر، فهل باستطاعة المعارضة إقناع داعش والنصرة وأخواتهما بإلقاء السلاح والتفاوض مع الحكومة وفق نظرية الديمقراطية الغربية المتمثلة في الأحزاب السياسية والانتخابات البرلمانية؟ طبعاً الجواب تعرفه المعارضة جيداً ولا نحتاج إلى بيانه.
إن الجيش السوري يقاتل وعلى مدار هذه السنوات الأربع مجموعات تحاول وبدعم من الغرب إرجاع سورية إلى عصور ما قبل التاريخ، وتفتيت هذا الجيش الوطني لحساب العدو الصهيوني الداعم لهذه الجماعات في الجنوب السوري، فعلى المعارضة السورية الوطنية قبل طرح أفكار سياسية جديدة الوقوف مع الجيش الوطني السوري ومساعدة الحكومة السورية في القضاء على الإرهاب الذي يسيطر على مساحات كبير في الجغرافية السورية والدعوة إلى إسقاط الحكومة السورية يعني ليبيا وصومال جديدة في المنطقة، وهذا ما تسعى إليه القوى التي تدعم هذه التنظيمات الظلامية في سورية.
المطلوب من المعارضة الوطنية السورية، أن يكون بندها الأول محاربة هذا الإرهاب والقضاء على أسباب وجوده في سورية، وضمان سيادة الدولة السورية، وطرح مبدأ التشاركية مع الحكومة السورية وليس إسقاط الحكومة، وذلك من أجل أن تبقى اللحمة الوطنية السورية حكومةً ومعارضة وشعباً وجيشاً موحدةً وثابتةً وقوية أمام كل أعاصير الإرهاب، وبعد ذلك تتشارك المعارضة مع الحكومة في إدارة سورية وفق رؤية وطنية شاملة يحددها الشعب السوري وحده فقط.
أرجو أن تعود شبكة التغطية الميدانية للمعارضة السورية وتكون واضحة من دون تشويش وتقرأ من خلالها الواقع الميداني الجديد، وتضع نفسها في المكان الصحيح بعيداً من المساومات الخارجية التي أطالت في عمر الأزمة السورية.
abojmlah gmail.com