«النصرة» تخسر فرص تسويقها بهزيمة القلمون فتنصرف لتخديم «إسرائيل» جنبلاط يتخلى… وأرسلان يتجلى: التوقيت والسويداء يفسّران المجزرة
كتب المحرر السياسي
التحضيرات المتسارعة لافتتاح مؤتمر جنيف للحوار اليمني، ومعها التطورات الجارية عسكرياً في العراق، ومسارات حرب القلمون المتجهة نحو المزيد من الهزائم في صفوف «داعش»، تراجعت كعناوين أمام تقدّم مجزرة ريف إدلب التي ارتكبها مسلحو «جبهة النصرة» بحق عشرات أبناء بلدة قلب لوزة من طائفة الموحدين الدروز، وردود الأفعال المتتالية على المجزرة من جهة والمعاني التي كشفتها من جهة أخرى.
ملفان أساسيان وضعتهما المجزرة تحت المجهر، هما مستقبل السعي التركي الفرنسي السعودي القطري الحائز على تغطية وقبول أميركيين، لتسويق «جبهة النصرة» كشريك في الحلّ السياسي في سورية، بديلاً من معارضة معتدلة غير موجودة، وبديلاً عسكرياً قادراً على إلحاق الهزيمة بتنظيم «داعش» من جهة، ومن جهة أخرى، مستقبل الرهان الذي خاضه النائب وليد جنبلاط لتوظيف «جبهة النصرة» كقوة إسناد لإمساكه بقيادة دروز سورية بصفته الصديق والحليف الذي قدّم الكثير لـ«النصرة» وسيحصد النتائج في مكاسب لأبناء الطائفة الغاضبين من علاقته بها، والذين يجب أن يكتشفوا أنّ «النصرة» أقوى مما يظنون، وأنّ ما منع سكاكينها عن رقابهم كانت ما انتقدوه عليه واعتبروه سلوكاً مشيناً بحقهم في فترات سابقة.
جاءت مجزرة إدلب تطوي كلّ مسعى لبحث وضع «النصرة» كقوة معتدلة، يعدّ وزير الخارجية الفرنسية لوران فابيوس لتبييض ملفاتها في الاجتماعات الأوروبية الديبلوماسية، بعدما حملت نتائج حرب القلمون ما يسقط كلّ صفات الإبهار القتالي التي توقعها حلفاء «النصرة» منها في وجه حزب الله، لتتوّج كوارث «النصرة» بما شهدته تركيا بعد الانتخابات التي حملت الهزيمة المدوّية لحزب العدالة والتنمية وزعيمه رجب أردوغان، وما ترتب عليها من انكفاء تركي نحو الداخل وعجز عن المزيد من التورّط في سورية، بينما العيون التركية الداخلية مفتوحة لتسجل كلّ سانحة وتحاسب على كلّ تجاوز، والأجهزة الأمنية والعسكرية تتجرأ على رفض الأوامر والإيحاءات غير المتوافقة مع لوائح العمل المؤسساتية والتي كانت تضطر إلى التغاضي عنها بقوة الثبات في السلطة التي تنعّم بها أردوغان وحزبه، وتبدو الآن قد أوشكت على النهاية.
سقط مشروع تسويق «النصرة» وسقطت فرص خوضها حروباً جديدة، فكانت النتيجة العودة إلى الحجم الحقيقي مجرّد أداة لتخديم مشروع «إسرائيل»، ترتكب المجازر المروّعة لتقدّم «إسرائيل» يد العون المزعومة.
في المقابل سقطت الفرصة الجنبلاطية الموعودة، فـ»النصرة» تُهزم أمام حزب الله، وتقتل الدروز الذين وعدهم جنبلاط بالحماية، وفي لحظة التخلي يصف ما جرى بـ«الحادث الفردي» ويعد بحلحلة سياسية عبر الاتصالات التي أجراها قبل أن يخرج إلى وسائل الإعلام وكانت اتصالاته مع القيادة القطرية كراع أخير لـ«لنصرة»، قائلاً: «أنقذوني من هذه الورطة، أريد كبش محرقة من الذين ارتكبوا المجرزة، يجري إعدامه في ساحة البلدة لطي صفحة الدم، فقد دفعت ثمناً باهظاً للدفاع عن النصرة، وبات الدروز ينظرون لي كخائن لدمائهم»، كما قال مصدر عربي يتابع الاتصالات القطرية مع «جبهة النصرة»، مضيفاً أنّ الجواب القطري جاء مخيّباً لآمال جنبلاط مساء أمس، ومضمونه أن لا تحقيق ولا محاكمة وأنّ أقصى ما تقبله «النصرة» يتمثل بالسماح لقطر بتخصيص مبلغ لكلّ من ذوي الضحايا، يقوم مندوب قطري بتوزيعها على الأهالي برفقة ممثل لـ«النصرة». التخلي الجنبلاطي قابله التجلي عند النائب طلال أرسلان، الذي قال، إنّ توقيت المجزرة وما يجري حول السويداء جنوب سورية يكفيان لتفسير ما جرى في مجزرة قلب لوزة، فاليد «الإسرائيلية» كافية لتفسير الأمر.
مجزرة قلب لوزة تعرّي جنبلاط
يؤكد الإرهابيون في الدليل الحسّي القاطع أنهم ماضون في جرائهم وفي الإبادة الجماعية، ولا يثنيهم عن ذلك تملق أو تواطؤ أو تسلل السياسيين، كما لا يثنيهم تعهّد أو وعد بضمانات. وتشكل مجزرة قلب لوزة في إدلب بمفاعيلها، بداية صفعة لرئيس اللقاء الديمقراطي النائب وليد جنبلاط الذي اعتبر «أنّ النصرة ليست ارهابية، وبدت ردود فعله غير مسؤولة وغير مسبوقة في عالم التوصيف الإجرامي، اذ اعتبر مقتل 40 شخصاً حادثاً فردياًَ، والأغرب أن يتعهد معالجة الموضوع لدى الجهات الاقليمية.
وسألت مصادر مراقبة: «ماذا فعل الحلف التركي الاردني سابقاً حتى ينفع لاحقاً؟ هل بمقدور رعاة الإرهاب أن يعيدوا الأرواح للجثث الهامدة؟ لقد عرّت مجزرة قلب لوزة جنبلاط وفضحت خياراته على نقيض ما كان عليه سياسيون «دروز» آخرون الذين تصرّفوا بواقعية وشجاعة، فهم سمّوا الأشياء بأسمائها، مؤكدين انّ الدولة السورية ومحور المقاومة هما الضمانة في وجه التكفيريين».
حزام أمني
وفي سياق متصل، يعتبر العميد المتقاعد أمين حطيط لـ«البناء» أن «جبهة النصرة التي تعمل في خدمة «اسرائيل» تخطط لإحداث الرعب في نفوس الدروز وإظهارهم أنهم في حاجة الى حماية لن تؤمّنها سورية أو محور المقاومة بينما «اسرائيل» جاهزة لتأمين هذه الحماية، ما يعني الوقوع في الفخ «الإسرائيلي» وإنشاء حزام أمني يتعهد الدروز لحمايتها، وربط دروز السويداء – بدروز الجولان، بدروز الجليل، ليصبح الجولان بعد ذلك في خبر كان».
وأكدت مصادر مطلعة لـ«البناء»، «أن الدروز في سورية لن يسمحوا بنجاح هذه الخطة «الإسرائيلية» حتى ولو دعمها وحاول التسويق لها سياسيون في لبنان أو خارجه».
وكانت الفاعليات السياسية والروحية الدرزية استنفرت أمس. بعضها لجأ الى تجميل الصورة والتخفيف من وطأة المجزرة، فيما اعتبرت أخرى «أن هناك مؤامرة إعلامية لتضليل الوقائع في ما يخص ما يحصل في جبل العرب».
وأكد شيخ عقل الطائفة الدرزية نعيم حسن خلال ترؤسه المجلس المذهبي «أن الوقوف أمام المسؤوليات التاريخية بروح عالية، يقطع جميع السبل على «إسرائيل» التي تبقى المستفيد الأول من تفتيت المنطقة وتحويلها الى كيانات مذهبية متنازعة».
وجدد جنبلاط بعد الاجتماع تبرير جريمة «النصرة» بتأكيده «أن ما جرى في جبل السماق كان حادثاً فردياً، لافتاً إلى أنه سيعالجه بالسياسة وأي «هيجان» يعرّض دروز سورية للأخطار.
وكان جنبلاط أوفد الوزير وائل ابو فاعور وتيمور جنبلاط، الى تركيا والأردن، في مسعى مع الدول الاقليمية للضغط على «النصرة» الكف عن تهديد الدروز والتعرض لهم.
في مقابل ذلك، سأل رئيس الحزب الديمقراطي اللبناني النائب طلال ارسلان خلال مؤتمر صحافي: «لماذا حصلت هذه الجريمة في هذا الوقت بالذات وما هو الهدف منها»؟
ورأى أرسلان ان «كل تحريض مذهبي أو طائفي من خلفية مذهبية أو طائفية هو تحريض لسفك دماء الدروز والمسلمين»، معتبراً أن هناك «مؤامرة إعلامية لتضليل الوقائع في ما يخص ما يحصل في جبل العرب وسورية والمنطقة، وقال: «من يعتدي على جبل العرب سوف تكون مقبرته في جبل العرب، والدروز ليسوا مختلفين مع أحد في السويداء»، مضيفاً: «فعلاً الأعراب أشدّ كفراً ونفاقاً لأنه بالمال العربي تدمّر سورية ويقتل الدروز».
«النصرة» في مجدل عنجر والبقاع الغربي
أمنياً، واصل الجيش السوري وحزب الله تقدمهما في جرد الجراجير وسيطرا على قرنة شعاب النصوب، قرنة ابو حرب، قرنة سمعان، كما تقدما باتجاه قرنة شميس الحصان جنوب غربي جرد الجراجير.
وأفشل الجيش السوري محاولة تسلل مجموعة ارهابية من وادي خالد الى ريف تلكلخ ما أدى الىى مقتل عدد من أفراد المجموعة وفر آخرون باتجاه الاراضي اللبنانية.
وأشار مصدر عسكري لـ«البناء» الى «أن المسلحين يحاولون فتح جبهة في الشمال عبر التسلل الى تلكلخ لمساندة المقاتلين في جبهة القلمون بعد الهزيمة التي تلقوها وإرباك القوى الخلفية للجيش السوري والمقاومة، موضحاً «أن فريق 14 آذار لا يزال يراهن على إعادة فتح جبهة تلكلخ حمص لتتلاقى مع جبهة تدمر- القلمون لمعرفتهم بوجود خلايا ارهابية نائمة في المنطقة».
ولفت الى «أن الجيش السوري والمقاومة يعملان على وصل جرود فليطا بجرود عرسال، من خلال سيطرتهما على التلال الاستراتيجية لا سيما قرنة شميس الحصان جنوب غربي جرد الجراجير التي يبلغ ارتفاعها 2400 متر التي كانت ممراً واسعاً لمجموعات «النصرة» والتي تقع على خط التماس بين تنظيمي «داعش» و«النصرة».
وأشار إلى «أن المعركة مع داعش ستستكمل بعد تأمين الخطوط الخلفية للقلمون والاستفادة من القوى المقاتلة لنقلها إلى جبهات أخرى».
وأوقف الجيش اللبناني في منطقة عرسال، المدعو أحمد عبدالله الأطرش المطلوب بجرم القيام بأعمال ارهابية، كما داهم مخيماً للاجئين السوريين قرب مفرق الروضة المرج في البقاع، تزامناً مع مداهمة لمخيم آخر في بلدة عنجر بحثاً عن مطلوبين مرتبطين بالمجموعات المسلحة.
وأفاد مصدر عسكري «البناء»، «أن الأطرش ينتمي الى مجموعة سامي الاطرش و«أبو عبد الله العراقي»، وكان يتولى الإشراف على تفخيخ السيارات وإرسالها الى المناطق اللبنانية، لا سيما تفخيخ سيارات الهرمل الثلاث».
ولفت المصدر إلى «أن المداهمات تأتي ضمن الوقاية الأمنية التي تقوم بها استخبارات الجيش في البقاع الغربي – مجدل عنجر حيث تتواجد مجموعات تنتمي الى جبهة النصرة»، وكشف «أن المقاتلين الذين يقاتلون في القلمون وجرود عرسال يتسللون الى مخيمات النازحين المنتشرة في البقاع الغربي ويبيتون في الليل مع عائلاتهم»، مؤكداً «وجود خلايا إرهابية نائمة في تلك المنطقة حيث تشاهد حركة غريبة على طريق سعدنايل- تعلبايا – بر الياس».
خلايا إرهابية واستهداف الـ»يونيفيل»
في سياق آخر، أبلغت قوات الطوارئ الدولية الأجهزة الأمنية اللبنانية مخاوفها من تعرضها لعمليات إرهابية بسبب تلقيها معلومات في هذا الشأن عن قيام خلايا تكفيرية بالتحضير لعملية أرهابية تستهدف القوات الدولية.
وفي هذا الإطار، علمت «البناء»، «أن مخابرات الجيش بدأت تكثف دورياتها بسيارات مدنية على طول الشاطئ الممتد من الناقورة حتى خلدة لحماية مواكب القوات الدولية».
الوضع الحكومي مجمّد
سياسياً، لا يزال الوضع الحكومي مجمداً، والاتصالات لا توحي بالتفاؤل بعقد جلسة لمجلس الوزراء الخميس المقبل. ولفتت مصادر نيابية في التيار الوطني الحر إلى «أن رئيس المجلس النيابي نبيه بري عاد ليرفع السقف مجدداً»، مشيرة إلى كلامه «أن التمديد لمدير عام الأمن الداخلي لمدة سنتين سينطبق على قيادة الجيش، إذ إنّ التمديد لقهوجي سيَحصل في حال لم يتمّ التعيين في أوانه»، وغامزة من لقائه العماد جان قهوجي امس والوزير سمير مقبل أول امس».
ولفتت المصادر الى «أن التيار الوطني الحر بدأ بطرح ملف تعيين قائد الجيش قبل شهر أيلول لكي لا نصل إلى ما وصلنا اليه في التمديد للمدير العام للامن الداخلي»، فهناك تمديد أول للعماد قهوجي حصل في عام 2013 ونخشى أن نكون أمام تمديد ثانٍ».
وقالت المصادر: «هناك قوانين ترعى عمل المؤسسات، فلماذا لا نطبقها»؟ مبدية أسفها «لشخصنة ملف التعيينات العسكرية من أجل التلكؤ عن الالتزام بالقانون»، ومشددة على «أن لا جلسات ذات انتاجية لمجلس الوزراء قبل بت ملف التعيينات العسكرية».
إلى ذلك، اكتفت مصادر التيار الوطني الحر بالتعليق على الاتصال الذي أجراه السفير السعودي علي عواض عسيري بالعماد عون، بأنه للتهنئة بالحوار مع القوات»، داعية إلى «عدم تحميل هذا الاتصال أكثر مما يحتمل».