الانتخابات التركية على ماذا تؤشر… وماذا تستوجب؟

محمد شريف الجيوسي

من المؤكد أن نتائج الانتخابات التركية الأخيرة مهمة وخطيرة، ولن تمرّ هكذا من دون تداعيات محلية وإقليمية.

فعلى صعيد الداخل ثمة سيناريوهات عديدة للخطوة التالية، أولها تشكيل حكومة ائتلافية، بأكثر من صيغة، كتشكيل حكومة ائتلافية من حزب العدالة والحزبين الآخرين، حزب الشعب الجمهوري والحركة القومية، أو بين حزب العدالة وبين أحد الحزبين يستبعد كلياً تشكيل حكومة ائتلافية تضم حزب العدالة وحزب الشعوب الكردي .

والخيار الثاني لتشكيل حكومة ائتلافية من الأحزاب الـ 3 الأخرى من دون حزب العدالة، ويضم الشعب الديمقراطي والحركة القومية وحزب الشعوب. مع ملاحظة أن بين حزب الشعوب والحركة القومية تباعد لجهة أن الحركة القومية ترفض حلاً للمسألة الكردية في تركيا قد يقود إلى انفصال. ومثل هذا الخيار قد يكسب حزب العدالة فرصة الانتقال للمعارضة، وتحميل الأحزاب الثلاثة، مسؤولية التحلل من الأثقال التي ارتكبها على مدى 13 سنة.

السيناريو الثاني، تشكيل حكومة أقلية انتقالية من حزب العدالة، وانتقال هذه الأحزاب إلى المعارضة، للسنتين المقبلتين، ما يتيح للنواب المنتخبين التمتع بلقب النائب. تجرى بعدها انتخابات، وتستطيع هذه الأحزاب خلال هذه الفترة فرض سياساتها على حكومة الأقلية، باعتبار أن الأحزاب الـ 3 تمتلك الأكثرية النيابية، وأهم هذه السياسات إفشال مشروع أردوغان بتعديل الدستور والتحول إلى النظام الرئاسي بصلاحيات واسعة.

السيناريو الثالث الانقلاب على نتائج الانتخابات، عسكرياً، ومثل هذا حدث في تاريخ تركيا الحديث غير مرة.

السيناريو الرابع، الإعداد لانتخابات نيابية جديدة، ففي حال لم يتمكن مرشح حزب العدالة من تشكيل حكومة جديدة خلال 45 يوماً، توكل مهمة تشكيلها لحزب الشعب الجمهوري، وفي حال عدم تمكنه خلال الفترة الدستورية، يتم اللجوء إلى انتخابات جديدة، ولا تبدي المؤشرات أن أي انتخابات جديدة ستعيد لحزب العدالة مكانته السابقة.

ومن هنا، فقد تنقلب تركيا إلى ما هو أسوأ من تشكيل حكومة أقلية أو حل البرلمان والحكومة إلى قيام انقلاب عسكري أو انزلاقها إلى حالة من الفراغ فالفوضى فالحرب الأهلية.

لكن السؤال من الذي سيقود انقلاباً في تركيا، بعد أن أخون أردوغان الجيش إلى حد، وتخلص من العديد من القادة العسكريين العلمانيين بذرائع عديدة.

والسؤال أيضاً، من هو المهيأ لقيادة تركيا إلى الفوضى، بعد أن احتضن أردوغان العصابات الإرهابية.

السيناريو الخامس، أن يتمكن أردوغان من شراء 30 نائباً من ضعاف الإرادة بالمال والحقائب الوزارية وغير ذلك من الامتيازات، وهذا ليس بعيداً عليه فقد سبق أن انقلب على معلمه أربكان وتمكن من تقزيمه وإنهاء مستقبله السياسي.

السيناريو السادس، أن تتمكن الأحزاب الثلاثة من استمالة بعض نواب حزب العدالة، بالانضمام إليها أو بالانشقاق عن أردوغان وتشكيل حزب جديد، بعد أن بدأت على هذه الحزب علامات الشيخوخة المبكرة، والخرف السلطاني العثماني، وفساد المال واضطهاد رجال القضاء والتدخل في شؤون الآخرين، ما انعكس على البلاد بحالة من العزلة والكراهية.

لقد حققت تركيا في سني أردوغان الأولى مكاسب اقتصادية كبيرة، كان لسورية فضل كبير فيها، حيث أتاحت للصناعات التركية مزايا أثرت سلباً في الصناعات السورية، وعلى رصيد الدولة الشعبي بين الصناعيين، كما أتاح الانفتاح السوري لتركيا العبور إلى أسواق جديدة كالأردن ولبنان ودول شبه الجزيرة العربية. وكانت سورية تهدف في ذلك إلى إبعاد تركيا عن النيتو والاتحاد الأوروبي.

لكن تركيا تآمرت على سورية وعلى العراق وتدخلت في ليبيا ومصر، فأغلق الباب السوري والعراقي في وجهها إضافة إلى إيران ومصر، وصعدت سياساتها العدوانية خلافاتها التاريخية مع روسيا وأرمينيا واليونان. ولم تكسب الاتحاد الأوروبي، وأبقت على صداقاتها مع الكيان الصهيوني وأميركا وقطر. وهكذا رأينا تركيا من أكثر الدول كراهية إلى جانب الولايات المتحدة، ما أضر بمصالح المواطن التركي، وانعكست نتائج تلك السياسة على الانتخابات الأخيرة بشكل واضح.

ومن المؤكد أيضاً أن نتائج الانتخابات ستنعكس بصيغ ما على سياسات تركيا الخارجية، أياً كانت السيناريوهات التي ستتبع وتباينات هذا الانعكاس وصيغه، فالمشتغلون ضد سورية والعراق وأعداء إيران بقدر ما ساءهم فشل أردوغان، بقدر ما سيحاولن امتصاص الضربة، وعدم المراهنة على تركيا وتحجيم تأثيراتها السلبية المنتظرة، بما في ذلك إحداث انقلاب عسكري أو استمالة أطراف في المعادلة السياسية الفاعلة، أو جرها إلى الفوضى التي تضمن استمرار دورها التخريبي في المنطقة ليس فقط ضد سورية والعراق، بل وضد مصر وليبيا واليمن.

من هنا، لا تنبغي المراهنة كثيراً على نتائج الانتخابات على رغم أنها تبدو كزلزال في الحياة السياسية في تركيا، بل كونها كذلك سيستنفر أبالسة السياسة في الإقليم وخارجه لتعويم النتائج الإيجابية للانتخابات، وصولاً إلى كسر حدة إيجابياتها، ومن بعد وقف تأثيراتها التي يمكن أن تضعف المعسكر المعادي لمحور المقاومة في المنطقة.

وعليه فالموقف الصحيح يستوجب أولاً الاعتماد على الذات المتساوقة مع محور المقاومة وإدراك أن صمود سورية هو من أسباب التحول الانتخابي في تركيا، ولو أن سورية سقطت، لحقق أردوغان مكاسب جديدة على خصومه لكن فشل برنامجه العدواني، جعل غالبية المواطنين في تركيا تعيد حساباتها.

ومن هنا أيضاً، ينبغي تعزيز أفضل العلاقات مع المعارضات التركية، وطمانة الشعب بأن مصالحهم ستكون في مأمن أكثر من دون أردوغان ومن دون حزب العدالة العنصري المذهبي التابع.

كما ينبغي التوضيح أن مكان ومكانة تركيا ليست في حلف النيتو العدواني وإنما في إطار مشرق منفتح متنور متعاون متعدد وقوي.

ولن تكون تركيا في مأمن من الحروب الأهلية وخصومات الجوار، إلا بتعزيز دولتها المدنية العلمانية بعيداً من التعصبات المذهبية والطائفية والإثنية، لتعيش بسلامٍ في الداخل وسلمٍ مع دول الجوار على اختلافها.

m.sh.jayousi hotmail.com

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى