أهل الوفاء والعزم
العلامة الشيخ عفيف النابلسي
لا يمكن لبخيل النفس أن ينجح ويفوز، لا يمكن لمن يخاف الموت أن يتقدّم لملاقاة العدو. لا يمكن لمن غرق في السلطة أن يرابط على الثغور. بينما يرتبط النصر بالتضحية واستقرار الإيمان في القلب والإيثار والصبر على البلاءات وعدم استيحاش الطريق لقلة الناصر والمساند للحق، والصدق وكرم الأخلاق وسعة الأفق والرؤية. وهذا الذي يميّز رجال حزب الله عن أولئك الذين نفذ إليهم الشك واستولت عليهم الأوهام والخيالات الباطلة أو استحوذ عليهم الشيطان الأميركي أو «الإسرائيلي» أو الوهابي فأنساهم ذكر الله .
وبين اللبنانيين من هو يعمل في فريق الإضلال وتزييف الحقائق ويستخدم الدعاية المغرضة لرفع منسوب الخوف والهلع، أو كما فعل بعض السياسيين مع بداية الأزمة السورية دعوا إلى الغفلة ويحلفون على الكذب وهم يعلمون .
في الواقع هناك فرق واضح بين أهل الوفاء والعزم وبين القاعدين والمتلكئين، بين مَنْ يأخذ خيار المقاومة حرصاً على وجوده وكرامته، وبين من يجزع فيعمد إلى الانتحار أو الاستسلام المذلّ.
فمنذ بداية الأزمة السورية كان حزب الله واثقاً من أنّ مؤامرة كبرى تريد بالأمة شراً، مؤامرة شعارها المزيّف الثورة، وحقيقتها وجوهرها التقسيم والتمزيق وضرب كلّ روح مقاوِمة في الأمة، لتبقى «إسرائيل» هي صاحبة الأمر والنهي، ونبقى نحن في مستنقع الجهل وضيق الأفق وضيق العيش وضيق الفكر والثقافة.
حزب الله أخذ طريــق المقاومة لأنّه يملك الشجاعة والبصيرة، وكان يستشعر بالخطر الكبير الذي سيقع فيه الجميع إنْ لم يتحرك. لم يغمض عينه ناشداً الراحة، ولم يهرب من الوطن إلى المنفى، ولم يضعف أمام ضغــوطٍ حمقاء كتلــك التي يقوم بها سياسيّو الفنادق وزعماء القصور التاريخيــة. هو يعلم أنّ الدخول إلى سورية من أضخم التجارب التي عاينها منذ تأسيسه وأشدّها قسوة، ولكن المقاومة هي جهاد متواصل، وقضية كرامة ووجود، ومسار إيمان وتضحيــة، ونكران ذات من أجــل الأمة.
أما الآخرون وبعضهم بالأمس كان يبرّر المجازر التي تركبها «داعش» و«النصرة»، ويحاول التقرّب منهما ظناً منه أنه يمكن أن يتفادى هو وطائفته التهجير أو الموت.
مجزرة قلب لوزة في إدلب وما يحصل في السويداء، يؤكد أنّ طريق المستقبل والحياة مرتبطان بالمقاومة، بالمكابدة الملتهبة والنضال الواعي للإفلات من رحى الحسرة والعجز والانتظار اليومي لحمايات خارجية الكلّ يعلم أنها سراب بسراب.
الغرب لم يُعِد لنا أرضنا التي احتلها العدو «الإسرائيلي» ما يزيد على عشرين عاماً، وحتى الساعة لم يُعِد شبراً واحداً من أرض فلسطين السليبة، وأقام منذ سنة تحالفاً لاستعادة ما احتلته «داعش» من دون أن يسترجع متراً واحداً.
فالمرء لا يمكن أن يتوسّل بالمحتلّ ليُعيد له الأرض، ولا الجزار أن يوقف حزّ سكينه على رقبته، ولا المعتدي ليكــون صاحب ضمير وأخلاق وإنسانية.
هذا الزمن مرتبط بالرجال الرجال، وليس بالضعفاء. هذا الزمن أن يكون الإنسان فيه، عليه أن يكون قوياً. فطوبى للأقوياء. طوبى لشبابنا المقاومين الأبطال الذين يصنعون لنا كرامتنا ونصرنا الآتي.
العلامة الشيخ عفيف النابلسي