ثقوا بالجيش العربي السوري

د. إبراهيم علوش

ليس الجيش العربي السوري على وشك الانهيار، على رغم ما تروّجه الدعاية المضادة للدولة السورية. كل ما في الأمر أن القيادة العسكرية السورية أعادت التموضع في مناطق عدة بناءً على حسابات عسكرية محض، في معركة طويلة الأمد ذات امتدادات إقليمية ودولية، ربما على حساب اعتبارات إعلامية وسياسية أصابت بعض أنصار سورية والمقاومة بشيء من الحيرة والإحباط، بخاصة بعد التقدم الملموس الذي حققه الجيش السوري منذ عامين تقريباً حين شكلت معركة القصير نقطة تحول استراتيجية ليس فقط لربط حمص بدمشق، أو إيقاف تدفق التكفيريين من وإلى لبنان، بل في عموم سورية إذ شكلت القصير نقطة تحول معنوية انتقل فيها الجيش العربي السوري إلى حالة الهجوم الشامل.

أسهم تطوران جوهريان بعدها بإعادة الجيش العربي السوري إلى حالة الدفاع في الأطراف، مع بقائه في حالة الهجوم في القلب، وهما: 1 سيطرة داعش على الموصل في صيف عام 2014 واستيلاؤه على معدات عسكرية بمليارات الدولارات تم استخدام بعضها فوراً في سورية، فالتطورات الميدانية والسياسية في العراق انعكست سلباً على سورية. 2 تبدل الطاقم الحاكم في المملكة العربية السعودية في بداية عام 2015، وانتقال المملكة من التحالف مع مصر في مواجهة تركيا وقطر وحركة «الإخوان المسلمين» في الحيز الإسلامي السني في الإقليم إلى سياسة التقارب مع تركيا وقطر و»الإخوان»، في مواجهة ما اعتبرته السعودية انفراجاً أو تقارباً أميركياً – إيرانياً، وهو ما انعكس على الداخل السوري من جهة تركيا ومن جهة الأردن على شكل تقدم للعصابات المسلحة، المؤتلفة في «جيش الفتح» الآن، في شمال سورية وجنوبها.

هنا لا بد من ملاحظة أمرين، أولهما أن «قوات التحالف» التي يفترض أن حكومة الولايات المتحدة تقودها ضد داعش ركزت ضرباتها و»غطاءها الجوي» على منع داعش من التمدد في حيز «الكيان الكردي» الذي ترتسم حدوده الميدانية اليوم، مع ترك داعش تملأ الحيز السني في غرب العراق وشرق سورية، في ما بات من الواضح أنه تنفيذٌ عمليٌ للمشروع الصهيوني لتفكيك سورية والعراق إلى دويلات، وقد شذت عن هذه القاعدة الحالة التي قامت فيها طائرات التحالف بضرب داعش خلال محاولته التقدم ضد مواقع النصرة في ريف حلب الأسبوع الفائت، كأن الولايات المتحدة تحاول دفع داعش دفعاً ضد الجيش العربي السوري!

الأمر الثاني هو أن التحالف الإقليمي السعودي القطري التركي – الإخواني يحظى بقواعد دعم لوجستي واستخباري في العمق التركي من جهة الشمال السوري، وفي العمق الأردني من جهة الجنوب، أي أن العصابات المسلحة في منطقة ريف حلب وإدلب واللاذقية، وبدرجة أقل بقليل في درعا والقنيطرة، تستطيع تلقي المدد المفتوح من مال وسلاح ورجال وإشراف وتوجيه استخباري، ما يعني أن المعركة على تلك الجبهات ستكون أكثر كلفةً بالنسبة للجيش العربي السوري. فليست العبرة هنا إن كان الجيش العربي السوري يستطيع تحرير منطقة أو الحفاظ عليها، بل بأي ثمن يستطيع ذلك؟ وإذا كان يستطيع دفع مثل ذلك الثمن على المدى القصير، هل يستطيع المواظبة على دفعه على المدى الطويل؟ أم أنه سيعرض نفسه لاستنزاف في الموارد البشرية، الأكثر تأهيلاً في الفن العسكري بخاصةً، قد يكشفه استراتيجياً على مستوى الحرب ولو ربح المعارك؟

نشير أيضاً إلى أن العصابات المسلحة والجهات الإقليمية والدولية الداعمة لها لا تهتم كثيراً بمصير عناصرها الذين ما برحت ترسلهم إلى حتفهم بعشرات الآلاف، لكن الجيش العربي السوري لا يفكر بالطريقة نفسها، ويعنيه أمر الجندي والمكلف والضابط، وربما يفكر في أن استشهاد عشرات الآلاف في محاولة أخذ مناطق طرفية مفتوحة على خطوط دعم خلفية للعصابات المسلحة، وفي السعي للحفاظ عليها، قد يكون أثره السلبي أكثر ضرراً بكثير من خسارة تلك المناطق نفسها، لا سيما إذا لم يتطوع شباب تلك المناطق بالآلاف وعشرات الآلاف للدفاع عنها.

ثمة اقتصاد في الموارد البشرية في منطق التراجعات الأخيرة للجيش العربي السوري، فهي لم تكن تراجعات جيش مهزوم، ولم تترك خلفها أكواماً من الجثث، بل كانت أقرب لانسحابات منظمة اتخذت بقرار في مناطق معينة اعتبر الدفاع عنها أكثر كلفةً من فائدة الاحتفاظ بها، من أجل إعادة التموضع في مناطق أكثر استراتيجيةً، أي تستحق دفع تكلفة أعلى في الدفاع عنها، أو أصعب منالاً على الطرف المهاجم.

من البديهي أن مثل هذا الاعبتار العسكري، العملي، الذي يركز على حفظ القوى لمعركة طويلة المدى، يتطلب دفع ثمن سياسي وإعلامي ومعنوي هو خسارة بعض المناطق الطرفية المفتوحة على خطوط إمداد خلفية للعصابات المسلحة، ما يستدعي التذكير أن الجيش العربي السوري ليس منهاراً، لأنه في حالة هجوم في القلمون، ولأنه في حالة ثبات وصمود أسطوري في مئات نقاط الاشتباك التي تتعرض لضغط يومي من قِبل العصابات المسلحة، من مطار الثعلة للحسكة لريف اللاذقية وإدلب، وعموماً على أنصار سورية أن لا يتوقعوا انتصارات متتالية لا تشوبها أي انتكاسات، ففي الحروب قد تحدث انتكاسة هنا أو اختراقٌ هناك، والحربُ كرٌ وفر، ففيها تقدمٌ وفيها تراجع، والأهم أن الظروف الإقليمية التي انعكست على سورية سلبياً ليست قدراً محتوماً لا يخضع للتغيير أو التبدل، بل هناك ظروف إقليمية ودولية أخرى تعاكسها، منها بروز تشققات في المعسكر الآخر، فالإدارة الأميركية باتت تتساءل عن مصير سورية «ما بعد الأسد»، وهي تدفع باتجاه التفاهم مع إيران على اتفاق نووي لا بد من أن تكون له مفاعيل إقليمية، كما أن لسورية حلفاء دوليين وإقليميين أثبتوا أنهم متمسكون بها ولم يتخلوا عنها، وهنالك أيضاً الموقف المصري الذي بات أقرب لسورية، لكن قبل كل ذلك، لا بد أن نضع ثقتنا في الجيش العربي السوري.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى