أردوغان بعد «تل أبيض» على طريق مرسي
يوسف المصري
يجري منذ أيام عدة تحت عيني الرئيس التركي رجب طيب أردوغان المهزوم انتخابياً، تنفيذ مشروع إنشاء منطقة كردية في سورية على طول حدود الأخيرة مع تركيا.
يواجه أردوغان بحسب تقارير صحافية من أنقرة ما يحصل بكثير من الدهشة والخشية من أن تكون واشنطن حليفته في الأطلسي، قد اقتنعت بأنه أي أردوغان انتهى كمرحلة سياسية داخل تركيا وكأحد مرتكزاتها في الشرق الأوسط، والمطلوب اليوم رمي التراب الكردي فوق جثته السياسية، سواء على لحده الذي يتبلور على حدود تركيا مع كلّ من سورية والعراق أو عبر صناديق الانتخابات التركية.
وهناك معلومات مصدرها فرنسا تسلط الضوء على هذا التطور انطلاقاً من المعلومات التالية:
أولاً: معركة تل أبيض التي خاضها الأكراد منذ أيام وانتهت بسيطرتهم عليها بدعم جوي كثيف من التحالف الدولي الذي تتزعّمه واشنطن، ليست معركة معزولة عن خطة أوسع تسعى إليها أميركا وهدفها إنشاء منطقة عازلة كردية بين مناطق «داعش» في سورية والحدود التركية.
تفصّل هذه المعلومات بالقول إن معبر تل أبيض يعتبر أحد معابر «داعش» المهمة مع تركيا، وبعد سيطرة الأكراد عليه فإنهم يؤمّنون الربط بين القامشلي وكوباني. ويبقى هناك معبر لـ«داعش» على الحدود مع تركيا من مدينة جرابلس، وهو سيكون الهدف الثاني للأكراد حيث سيعمدون إلى احتلاله بغطاء أميركي أيضاً.
ويتوقع أن يتمّ ذلك في الأيام المقبلة، الأمر الذي سيؤمّن للأكراد منطقة في سورية ممتدّة على طول الحدود مع تركيا. وستقوم هذه المنطقة بوظيفة عزل تركيا عن منطقة «داعش» في سورية، على غرار كردستان مع العراق.
تضيف هذه المعلومات أن حملة الأكراد العسكرية هذه سيكون لها استتباعات أيضاً نحو عفرين غرباً حتى المالكة شرقاً وعلى نحو يقفل كلّ الثغرات التي يوجد فيها لـ«داعش» منافذ عبر الحدود السورية مع تركيا. بمعنى آخر سيؤمّن هذا الأمر هدف إقامة منطقة عازلة تقطع طرق التواصل بين «داعش» وتركيا.
ثانياً: تكشفت هذه المعلومات أنّ أردوغان ومعه أوغلو المكلف بتشكيل حكومة جديدة ومن ورائهما حزب التنمية والعدالة، قطعوا في اليومين الأخيرين مسار اهتمامهم بالوضع الحكومي الداخلي التركي، ودعوا إلى اجتماع للحكومة التركية من أجل نقاش التطورات التي تحدث في تل أبيض وخلفياتها المتصلة بإنشاء منطقة كردية في سورية على الحدود مع تركيا.
تجدر الإشارة في هذا المجال إلى أن حكومة حزب التنمية والعدالة كانت حدّدت إقامة مثل هذه المنطقة على حدودها بمثابة خط أحمر لن تسمح به، واعتبرته تهديداً مباشراً للأمن القومي التركي.
والسؤال اليوم ماذا ستفعل أنقرة في مواجهة قيام واشنطن والأكراد السوريين بكسر خطها الأحمر هذا؟
ثالثاً: تركز هذه المعلومات على ملاحظة أن عملية تل أبيض التي يمضي الأكراد لاستكمالها باتجاه معبر جرابلس ومنطقة عفرين لإكمال الطوق الحدودي السوري الفاصل بين «داعش» وتركيا، بدأت بعد صدور نتائج الانتخابات التركية التي أظهرت هزيمة حزب التنمية والعدالة بفعل ذهاب الأصوات الكردية للمرة الأولى لمصلحة إيصال كتلة نيابية كردية كبيرة نسبياً.
وبحسب هذه المعلومات فإنّ هذه النتائج كانت إيذاناً للأكراد السوريين لكي يبدأوا عملية كسر خط أردوغان في سورية والخاص بمنع نشوء منطقة كردية خالصة على حدوده. ويبدو أن هذا التوقيت كان مقصوداً لأنه يتضمّن في ثناياه تطوّراً هاماً ومفاده أن أردوغان لم يعد ملك تركيا الأول والأخير بل أصبح بطة عرجاء، وذلك في مقابل أن أكراد تركيا باتوا معارضة وازنة داخل البرلمان الكردي وعاملاً مؤثراً في العملية الخاصة بتشكيل الحكومة الجديدة.
تضيف هذه المعلومات أن أردوغان بدأ يدفع ثمن مغامرته السورية، وأنه ماض للالتحاق بمربع الأزمة عينه الذي يوجد فيه محمد مرسي الآن، وذلك انطلاقاً من عدة اعتبارات أبرزها: أنه بعد نشوء المنطقة الكردية السورية على الحدود مع تركيا، فإنّ الجيش التركي سيعود للساحة السياسية انطلاقاً من أن أردوغان ارتكب أخطاء سياسية تضرّ بالأمن القومي التركي. وعليه فإنّ المطلوب محاسبته سياسياً والتدرّج من ثم لمثوله أمام القضاء بغية محاكمة كلّ عهده.
إضافة إلى أن حزب الشعوب الديمقراطي الكردي سيرفع من سقفه السياسي في وجه سياسة أردوغان ضدّ سورية، مطالباً بإجراء محاسبة لها انطلاقاً من أنها تدعم «داعش» ضد الأكراد في العراق وسورية.
باختصار يمكن القول إن واشنطن تأخذ أردوغان إلى لحظة يصبح فيها قابعاً بين مطرقة الجيش وسندان الأكراد. ومن المتوقع أن يحاول أردوغان الإفلات من هذا المأزق عبر الدعوة إلى تشكيل حكومة الأقلية، وهو إجراء يتيحه له الدستور التركي وهدفه الدعوة إلى انتخابات جديدة في تركيا بعد ستة أشهر. ولكن ما يفوت فطنة أردوغان أنه لو حصلت الانتخابات بعد ستة أشهر فإنّ النتيجة لن تتغيّر، وستظهر نتائجها أن الحبل الكردي لا يزال ملتفاً حول عنقه.