لماذا تنزعج روسيا من ترشيح العماد عون؟
ناصر قنديل
– عندما نقرأ في أكثر من مكان أنّ روسيا تبدي انزعاجها من مواصلة العماد ميشال عون ترشيحه الرئاسي، وعندما يطرح بعضهم الأمر على طريقة تصل حدّ تصوير العماد عون سبباً لعرقلة المسيرة الروسية في صوغ العالم الجديد، نتساءل هل انتهت الأزمات المفتوحة وتمّ إنضاج التسويات وصار العماد عون العقبة في وجه سلوكها طريق التنفيذ، وهل ربحت روسيا حرب أوكرانيا بصورة حاسمة وتكرّس الأمر في السياسة، ومعه ربحت الحرب على نشر الأسلحة الاستراتيجية في أوروبا، ودخلنا مرحلة التسويات المتفرّقة والمؤجّلة وأنجزت ولم يتبقَ إلا لبنان ويقف العماد عون عقبة في الطريق، أم ثمة فرضية أخرى وهي أنّ روسيا وحلفاءها قد هُزموا، وأنّ عليهم تجرّع نتائج الهزيمة وثمة بينهم من يرفض تطبيق شروط الإذعان، وفي مقدّمهم العماد عون، لنقص البراغماتية التي يتقنها الروس، ولذلك يسعون إلى تجنّب الأسوأ بإفهام الحلفاء أنّ الأمور ستسير إلى الأسوأ ما لم يستوعبوا الرسالة، فإما أنّ روسيا حصلت على كلّ ما تريد وصار عليها تلبية مقتضيات الحلول التسووية في الساحات، أو أنها هُزمت وُهزم حلفاؤها وصار عليهم تأدية مستحقات الاستسلام؟
– قد تكون هناك فرضية أخرى وهي أنّ العماد عون يعبّر عن هوية شراكة إقليمية دولية لروسيا، بينما تسمح لها الظروف بتسمية مرشح تحت عنوان أنه توافقي وهو مكسب خالص روسي، لا شراكة فيه مع مرجع إقليمي أو دولي آخر حتى بين الأصدقاء، وفي أرصدة الأرباح بين الحلفاء وتوزيعها كان لبنان حصة روسيا ولها تسمية رئيس من كنفها ليس العماد عون، إلا إذا افترضنا أنّ لا شيء تغيّر والمشهد كما نعرفه لا يزال في مرحلة التجاذبات التي ستصيغ التسويات، ولم يتبلور بعد لا ما يجعل روسيا تتصرف كمهزوم يسدّد فواتير الاستسلام، ولا ما يبرّر لروسيا التخلي عن الحلفاء بخلفية مصلحية فئوية لأنها نالت ما تريد في أمنها الإقليمي، وبالتالي يجب ان يكون ثمة ملف عاجل يضع لبنان على الطاولة بنداً طارئاً، بحيث أنّ الحلف الذي يمثله العماد عون ويعلن ترشيحه بدعم منه، يتسبّب بعناده على الترشيح الرئاسي لعون بتصعيد يستدرج الأذى الأمني لروسيا، فهل يترتب على وصول أيّ رئيس توافقي في لبنان كما يقول المتحدثون عن الانزعاج الروسي، إطاراً لأمن إقليمي شامل يتضمّن حلاً لقضية الشيشان المتدفقين إلى المنطقة بتمويل سعودي ليعودوا إلى روسيا سبباً للتفجير والتصعيد؟ أم أنّ رئيساً كالرئيس ميشال سليمان سيعني إطلاق يد شخصية مثل النائب خالد الضاهر لتقديم لبنان ساحة دعم لثوار الشيشان أسوة بإخوتهم السوريين، طالما لم تحسم أيّ من الملفات الأخرى، وخصوصاً سورية، والمطروح تسوية لبنانية منفصلة عن بحر الأزمات، أو يمكن أيضاً افتراض إطار آخر للانزعاج وهو أنّ وصول المرشح التوافقي سيجعل روسيا مفوّضاً حصرياً بالملف المسيحي المشرقي بين الدول العظمى، بينما سيحصل العكس بوصول العماد عون، بينما العكس هو الصحيح بصورة تشكل مبرّر الدعوة إلى الرئيس التوافقي كعامل شراكة دولية إقليمية، أو فرضية ثالثة، ورابعة وخامسة، من نوع أنّ السعودية تقدّم مشروعاً مقبولاً من روسيا في سورية، وتريد روسيا مساعدتها على توازن أرباح وخسائر فتناقش مع حلفائها سبل حفظ ماء وجه الرياض بتقديم جائزة ترضية لبنانية لا تؤذي برأيهم ثوابت الحلفاء، فتقول اختاروا رئيساً توافقياً في مقابل سحب ترشيح العماد عون الذي صار تعبيراً عن التحدّي؟
– المشكلة هي أنّ أصحاب نظرية الانزعاج الروسي يسوّقون نظريتهم بالتزامن مع تسويقهم التحليلات عن تبدّل في الموقف الروسي من الرئيس السوري بشار الأسد، ما يعني انه إذا كان علينا تصديق المروّجين أن نصرف النظر عن مقايضة معادلة روسيا تربح في سورية والسعودية لا تخسر في لبنان، واعتماد معادلة روسيا تخسر أمام السعودية 2-0، فهل هذه صورة تملك الصدقية، ثم يطالعنا تزامن ثانٍ وهو أنّ التسويق يترافق دائماً مع لقاءات عقدها مسؤول سعودي مع مسؤولين روس، وتزامن ثالث هو أن يكون اللقاء قد ضمّ أو حصل منفصلاً مع نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف، فنسأل لماذا يكون المصدر دائماً للمعلومات عن لسان بوغدانوف ومشاعره سعودياً أو حريرياً، ولماذا يجب أن يعبّر الروس عن امتعاضهم من حلفائهم، كما تقول الرواية، فقط أمام السعودية وجماعتها، السعودية التي قادت حرب الأسعار في سوق النفط للتسبّب بإفلاس روسيا، والتي موّلت تفجيرات الشيشان، كما قال الرئيس فلاديمير بوتين، مضيفاً انّ موسكو لن تنسى من تسبّب بالعبث بأمنها ومن سعى إلى تخريب اقتصادها، وستجعلهم يدفعون الثمن، ونتذكر عشية مؤتمر جنيف الثاني الخاص بسورية، وبعد زيارة بندر بن سلطان موسكو وكلّ ما قيل عن تبدّل في موقف روسيا نحو سورية أعقبه ظهور العكس وانتهى بعزل بندر، وبدء حرب أوكرانيا على روسيا، ونتذكر الكلام الذي سُوّق له على لسان بوغدانوف مراراً، حتى توّجَهُ كلام بوغدانوف نفسه بالقول إنّ الأميركيين فهموا أخيراً أن لا بديل عن الرئيس بشار الأسد في سورية، كأنّ الذين يقولون ما يقولون اليوم لن يتوقفوا عن القول حتى يخرج بوغدانوف ويقول إن لا بديل من ترشيح العماد عون للرئاسة في لبنان.
– صاحب الخبرية معلوم وهو خارج لبنان، ينقل كلاماً عما دار بين بوغدانوف ونائب وزير خارجية إيران حسين أمير عبداللهيان، ثم يضيف سنداً إلى كلامه لقاء الرئيس سعد الحريري مع بوغدانوف، ولقاءات بوغدانوف مع محمد بن سلمان للإيحاء بصفقة مضمونها مالي تريد زرع الشكوك بشخص بوغدانوف حتى في موسكو، وصاحب النظرية يلعب ضمن معادلة عدم النفي تصديق، وهو يعلم أنّ روسيا لا تملك أن تنفي دعمها للإسراع بإنجاز الاستحقاق الرئاسي، وهو ذات كلام أهمّ حلفاء العماد عون، السيد حسن نصر الله الذي يقول نحن قادرون أن ننتخب الرئيس اليوم فلماذا ننتظر؟ ومن حق اللبنانيين الإسراع في إنجاز الاستحقاق في أسرع وقت، ومن يدقق في الرواية سيجد أنّ الحديث عن الانزعاج من عناد العماد هو استنتاج المستمع إلى بوغدانوف الذي نسب إليه الرغبة بالإسراع في إنجاز الاستحقاق، واختيار بوغدانوف لأنه الرمز الديبلوماسي الروسي الذي يلعب في المنطقة الرمادية ضمن توزيع وظيفي للمهمات في قلب الفريق الروسي، والمنطق يقول إنّ روسيا، إذا كانت للعماد حظوظ رئاسية، ستكون أول الرابحين، فلبنان سيكون قلعة منيعة في وجه أيّ تسلل أو خدمات تقدّم للإرهاب وفرعه الشيشاني في طليعته، وكلّ ما يزعج روسيا في أمنها، وأنّ الرئاسة اللبنانية تكرّس الزعامة المسيحية المشرقية لعون في حال وصوله وليس لغيره من المرشحين التوافقيين، ومعه فقط لن يكون لروسيا شريك دولي معني بالمسيحيين ودور في هذا الملف، وفي حال وصلت الأمور إلى لحظات خط النهاية، وبدأت التسويات الكبرى، تعلم موسكو أنّ في لبنان ومن لبنان كان اللاعب الإقليمي الكبير الذي صنع الكثير وقدّم الكثير في المواجهات التي تأسّست التسويات عليها وهو حزب الله، وليست لديه ساحة يجمع فيها رصيد نقاطه غير لبنان، وأنّ ساحات تبادل المكاسب والأرباح بين الحلفاء ستجعل ملف الرئاسة اللبنانية ملفاً حصرياً بيد حزب الله من الزاوية الإقليمية والدولية، جوائز ترضية جبهة السعودية في حال وجودها، ستتمّ في غير لبنان وسورية، ومحورها خريطة سياسية أمنية اقتصادية خليجية جديدة تتولاها إيران والسعودية لا أكثر ولا أقل.
– يذكر أصحاب نظريات التسويق أنهم نقلوا عن بوغدانوف بعد لقائه السيد نصر الله أنه دعاه إلى الاستعداد لمرحلة ما بعد الأسد، وبعد شهور طوال جاء كلام بوغدانوف انه دعا الأميركيين أسياد المسوّقين إلى الاستعداد لمرحلة عنوانها لا بديل عن الأسد، والمفاجأة انهم قبلوا كما قال بوغدانوف علناً وليس في جلسة سرية جمعته بسعد الحريري، فلماذا يواصلون إحراج بوغدانوف حتى يخرج ويقول استعدّوا لمرحلة عنوانها عون رئيساً؟