لا بدّ من سحب ورقة «الحرب» من يد أردوغان!

ياوز آجار ـ صحيفة «تركيا اليوم»

إن مخاطرة الإنسان بنفسه تزداد بالتناسب مع التهديد الذي يواجهه، أو الجائزة التي تنتظره. وفي سياقنا الخاص، فإنه من الممكن أن نعرف، من خلال مخاطرة رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان بنفسه إلى هذه الدرجة، مدى التهديد الذي يواجهه بسبب مزاعم الفساد الكبرى. ولا شكّ أن الجميع يلاحظ كيف أنّ مزاعم الفساد قد قلبت الموازين السياسية في البلاد، وأحدثت خللاً بارزاً في التوازن الفكري والعاطفي لدى أردوغان، إلى جانب كثير من أعضاء حكومته.


فبعد أن كال أردوغان والإعلام الموالي له اتهاماتٍ وافتراءاتٍ لا تُعدّ ولا تحصى ولا تخطر على بال أحد لـ«حركة الخدمة» ولمحمد فتح الله غولن، طيلة أربعة شهور، بدأ في الآونة الأخيرة يتحدّث عن أمور يحار المرء أمامها ولا يصدّق أذنه. إذ أعلن أردوغان أنه لن يسمح لملاعب البلاد أن تفتح أبوابها لاستضافة أولمبياد اللغة التركية العالمية الذي تنظّمه «حركة الخدمة» على مدار كل عام. بأيّ حق يقول ذلك؟ هل ملاعب البلاد ملك خاص لأردوغان؟ إن هذه الملاعب قد أنشئت بالضرائب التي يدفعها جميع المواطنين، بما فيهم أبناء «حركة الخدمة». ولكن أردوغان لا يفكّر في مثل هذه الأمور أبداً. وعندما سمعت هذا القول من أردوغان، قلت في نفسي إن الأوكسجين لو كان في حوزته لما أعطاه لأبناء «حركة الخدمة»! وما إن مضى يوم أو يومان على تلك الخواطر النفسية حتى فاجأنا أردوغان بقوله: «بعد اليوم ليس لهم حتى الماء!»، إن دلّ هذا على شيء فإنه يدل على عمق الحفرة التي وقع فيها أردوغان وحكومته عقب ظهور فضيحة الفساد!

أردوغان لا يضحّي بأبناء شريحة كبيرة من المجتمع حركة الخدمة فقط في سبيل التخلّص من التهديد المحدق به، المتمثل في سقوط سلطته، بل لا يتورّع عن المخاطر بتركيا كلها، بعد أن لجأ إلى كل الطرق والوسائل للدفاع عن نفسه والهجوم على من اتخذه وأعلنه خصماً وعدواً، من دون مبالاة بأنها مشروعة أو غير مشروعة.. المهم بالنسبة إليه أن يحقّق الأهداف المرجوّة أيّاً كانت الوسيلة.

ولا شكّ أن إسقاط الطائرة الحربية السورية من قبل الدفاعات الجوية التركية يوم الأحد المنصرم زاد من مخاوف مَنْ يعرف سعي أردوغان إلى توظيف كل حادثة بحيث تصبّ في مصلحته. وهنا أعيد إلى أذهانكم ما قاله عبد اللطيف شنار الذي كان أحد المؤسسين الأربعة لحزب العدالة والتنمية ثم انفصل عنه عام 2007: «رافقت أردوغان على مدار خمس سنوات منذ تأسيس الحزب، فلاحظت أن لديه نزعة كبيرة إلى النقود والأموال… إن احتمالية مَنتجة المكالمات الصوتية التي جرت بين أردوغان وابنه حول إخفاء النقود والأموال صفر ذلك لأن أردوغان قال إنهم تنصّتوا حتى على هاتفي الخاص بي ، الأمر الذي يعني اعتراف أردوغان بصحة ما يرد في تلك المكالمات. إنه شخص يقدم نفسه على كل شيء، لذلك فإنه قد يجرّ البلاد إلى حرب أهلية أو إلى حرب دامية لكي يحفظ سلطته في البلاد».

إضافة إلى ذلك، فإن زعيم حزب الشعب الجمهوري المعارض كمال كيليجدار أوغلو ادّعى قبل أيام أن أردوغان قد يلجأ إلى إقحام الجيش التركي إلى داخل الأراضي السورية قبيل الانتخابات البلدية المقبلة بسبب أزمة منطقة قلعة «جعبر» التي تعتبر «مرتبطة بتركيا وتابعة لها»، ووجّه نداءً إلى رئيس الأركان التركي من أجل التوخي والحذر في الإقدام على مثل تلك الخطوة، محذرًا من إقحام الجيش في مغامرة خطيرة، خصوصاً «في ظل وجود رئيس وزراء مشبوه كأردوغان».

فهذه التصريحات تشير إلى أن أردوغان قد يفعل كل شيء حتى لا يمثل أمام القانون للمحاكمة على المزاعم الواردة في قضية الفساد، بما فيه إعلان حرب على سورية. وإن هذه الاحتمالية تزداد إذا علمنا أن استطلاعات الرأي العام تظهر أن أردوغان لن يحصل على نسبة عالية من الأصوات خلال الانتخابات البلدية المقبلة كما هو الحال في الانتخابات السابقة، وأن المادة الـ53 من الدستور التركي تنصّ على إمكانية تأجيل الانتخابات لمدة سنة في حال الحرب. وتتفاقم الخطورة إذا تذكّرنا أن أردوغان يعتزم على تبرئة نفسه من تهم الفساد إذا ما حصل على ما يرضيه من الأصوات 40 في المئة في الانتخابات من جانب، واعتبار هذا الفوز «صلاحية» منحها إياه الشعب التركي لكي يجتثّ «حركة الخدمة» من جذورها من جانب آخر، على حدّ تعبير أردوغان.

نخلص ممّا سلف ذكره إلى ضرورة سحب كلّ الأوراق التي يحوزها أردوغان، خصوصاً ورقة «الحرب»، التي قد يوظّفها في عسكرة الأجواء والإطاحة بصناديق الاقتراع لكي لا يخوض غمار الانتخابات في ظلّ المزاعم الواردة في قضايا الفساد التي طاولت حتى نفسه وأفراد أسرته، بل لكي يستطيع الهروب من المثول أمام القانون.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى