الدولة السورية… معجزة أم ماذا؟

حميدي العبدالله

تعرّضت سورية في السنوات الثلاث الماضية لحملة سياسية وإعلامية قلّ نظيرها في تاريخ المنطقة، مدعومة بأعمال عسكرية غطت غالبية المساحة الجغرافية لسورية، وغالبية المناطق الآهلة بالسكان، ولا سيما المناطق التي تحتضن مؤسسات كثيرة للدولة.

وتوقع كثيرون، وافترض آخرون، أنّ هذه الحملة التي بلغت من الشراسة مستوىً لم تشهده أيّ دولة في العالم، سوف تؤثر في تركيبة الدولة السورية ومستوى تماسكها، وسيقود ذلك إلى تدمير أركانها، خاصة المؤسسات غير الأمنية وغير العسكرية التي عادت معايير اصطفاء عناصرها ومادة جهازها البشري مهنية لا معايير سياسية. رغم سيطرة المجموعات المسلحة في مراحل من الأزمة على أجزاء واسعة من ثلاث مدن تشكل كبرى المدن السورية، هي دمشق وحلب وحمص، فالمدن الثلاث هذه تحتضن الجزء الأكبر من مؤسسات الدولة المدنية، إلاّ أنّ جهاز الدولة السورية، وبخاصة الجهاز المدني، حافظ على تماسك لا نظير لـه في التاريخ، إذ أشارت معطيات إحصائية رسمية عرَضها رئيس الوزراء السوري في جلسة مجلس الشعب الأحد الفائت إلى أنّ عدد الذين صُرفوا من الخدمة في جهاز الدولة بلغ نحو سبعة آلاف موظف من أصل 2.5 مليون موظف هم قوام جهاز الدولة السورية المدني. وأكد أنّ هؤلاء صُرفوا من الخدمة لأنهم اقترفوا واحداً من ذنبين، الأول أنهم تركوا سورية ولجأوا إلى دول الجوار، وظلوا يقبضون رواتبهم عن طريق البطاقات الإلكترونية من دون أن يمارسوا عملهم، والثاني أنّ بعضهم حمل السلاح وقاتل إلى جانب المجموعات المسلحة. ولم يحدّد رئيس الحكومة عدد الذين أقاموا في دول الجوار من أصل سبعة آلاف، أو عدد الذين حملوا السلاح، لكن من الواضح أنّ من حمل السلاح لا يصل إلى سبعة آلاف، هم مجموع المفصولين، وبالتالي من لجأ إلى دول الجوار لا يعني تخلّيه عن الدولة، والوقوف ضدّها مثل الذي حمل السلاح، بل هرب بعائلته لأنّ منطقته غير آمنة، أو قلق على أسرته بسبب الوضع المضطرب، وهذا يؤكد أنّ نسبة الذين وقفوا ضدّ الدولة هم أقلّ من سبعة آلاف من مجموع الذين فصلوا.

هذه المعطيات تؤكد حقيقة أنّ الدولة السورية صمدت وتماسكت في مواجهة أعنف وأشرس حملة تستهدف أي دولة في العالم، ولم يسجل التاريخ صمود مؤسسات الدولة وتماسكها في أي منطقة من العالم تعرّضت لما تعرّضت لـه سورية في السنوات الثلاث الماضية، فما هي الأسباب الأساسية التي تفسّر هذا الصمود غير المسبوق في تاريخ الدول؟

السبب الأول، صحة خيارات وسياسات النظام القائم في سورية الذي شكل ويشكل مضمون الدولة السورية وقيادتها على امتداد أكثر من أربعة عقود، صحة الخيارات الوطنية، والخيارات الاقتصادية الاجتماعية.

السبب الثاني، ولاء موظفي الدولة الوطني، ولكن هذا الولاء ما كان ممكناً لولا صحة خيارات النظام على مستوى السياستين الداخلية والخارجية، فالولاء لا يكون ولا يتوافر لو تعاكست سياسات النظام وخياراته مع إرادة الشعب أو على الأقلّ غالبية هذا الشعب.

السبب الثالث، هامشية أو على الأقلّ محدودية الشرائح المجتمعية التي شاركت في الحراك المناهض للدولة السورية، فلو أن غالبية الشعب السوري هي التي ثارت ضدّ النظام لتأثرت مؤسسات الدولة، ولا سيما المؤسسات المدنية، في ضوء حجم الحملات الإعلامية والتضليل السياسي، والإغراءات التي قدمت، وبخاصة لكبار الموظفين في الدولة، فالدولة تتشكل عادة من موظفين ينتمون إلى جميع شرائح المجتمع السوري، وتحديداً أجهزتها المدنية، إذ لا تحتاج إلى قيود ومعايير صارمة لدى اختيار الموظفين والعاملين في السلك الحكومي. ولذلك لم يهتز ولاء الغالبية واقتصر الفرار، سواء لأسباب سياسية انشقاق أو أمنية النزوح إلى دول الجوار ، باستثناء قلة قليلة جداً من الموظفين لا تذكر على الإطلاق.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى