مرويّات تاريخيّة
لبيب ناصيف
أسس الرفيق سعيد تقي الدين، سنة ترؤسه جمعية خريجي الجامعة الأميركية عام 1954، «لجنة كل مواطن خفير» لكشف جواسيس «إسرائيل» وفضح المتعاملين معها من رجال سياسة وأعمال ومهن حرة وغيرها. وحققت اللجنة الكثير في هذا المجال على تواضع إمكاناتها، وكانت تزود الأجهزة الأمنية في لبنان والشام بالتقارير والوثائق المتعلقة بالجواسيس والمتعاملين، فضلاً عن الناحية الإعلامية التي تولاها الرفيق سعيد في الإذاعة اللبنانية 1 وعبر مؤتمرات ومقابلات صحافية، إلى افتتاحيات نشرها في «البناء» الدمشقية و»الزوابع» و»صدى لبنان» 2 البيروتيتين .
في مقالته «متى تبدأ الأعمال» 3 يشرح الرفيق سعيد تقي الدين عن أعمال «لجنة كل مواطن خفير» وصولاً إلى القول :
« وجاءت حادثة سمير مسلم، وخلاصتها أن هذا الفتى كان في وكالة الإغاثة حيث تعرّف إلى زمرة ترأسها سيدة، عشقته وهي جاسوسة «إسرائيلية» شهيرة، وراح الفتى، بعد أن استيقظ ضميره، يزودني بالأخبار التي كنا نرسلها إلى المسؤولين في دمشق ولبنان، ومرة باغتته المرأة يفحص بعض الصور والوثائق ومن المحتمل أن يكونوا قد كشفوا علاقته بي. وجاء من رمى به في المستشفى الأميركي مسموماً. بعد ساعات مات» .
في مقالة له في مجلة «الصياد» 4 بتاريخ 26 أيار 1955 تحت عنوان «هل أنا قاتل سمير مسلم» يقول الرفيق سعيد تقي الدين:
«بعد أن تقرأ هذه السطور قد تنتهي إلى الاعتقاد أن سمير مسلم قتل، وأني أنا قاتله.
وقد تكون مخطئاً أو مصيباً.
ولئن كنت حقاً قاتل سمير مسلم، فما أنا شاعر بوخز الضمير، إن الهدف الكبير يخلق «وحشية» في التفكير، وفي الصراع لا بد من ضحايا. إن مكافحة اليهودية ليس رقصة «تانغو» ولا لعبة «باصرة» أو «غميضة». فالكفاح يعني القتال. والقتال يعني الموت. إذن ليمت ألف سمير مسلم في هذه المعركة. وسمير مسلم هو ثاني ضحية تعرّفت إليها في نضالنا ضد اليهود. ذات عشية جاءني خليل دياب 5 ، وهو خفير جمركي وفي يده جريدة «الرواد» وهي تصدر بعد الظهر. قال لي: «اقرأ، إن اليهود اغتالوا فلاناً في القرية الفلانية. أنا الذي قتلته. لقد كان يتعامل مع اليهود. فردعته ووعظته وأرشدته. فانقطع. هددوه فشددت من عزمه، والآن اقرأ. لقد قتلوه» .
لنسم الأمور بأسمائها. سمير مسلم كان عضواً في الحزب السوري القومي الاجتماعي. هكذا نشأت علاقتي معه».
ولأنه كذلك اندفع الرفيق سمير مسلم مخاطراً بحياته، واستمر رغم إدراكه أن أمره قد انكشف، لا همّ له إلا كشف المزيد عن شبكة الجاسوسية، وعن المتعاملين معها من رجالات في الحكم والعمل العام في لبنان.
« وفي فترة ما أراد «الجماعة» أن يتخلصوا من سمير، فجاءني يقول: أنهم دعوه إلى النزول إلى «إسرائيل» وكنت أنا دفعته إلى العمل مع الصهاينة. ولكن أمر النزول إلى «إسرائيل» أقلقه. وقال: إن لم أنزل أساؤوا الظن بي، وإن نزلت قتلوني لا محالة. قلت له: اترك لبنان بضعة شهور. هكذا تأمن شرهم. أجاب: «والله ما بترك لبنان ولا بتركهم. بدي العن أبوهم وإطلع منهم شرد مرد». قلت: إن كنت لا تزال مصراً على النزول إلى «إسرائيل» وأحسست هناك بخطر عليك فقل لليهود أن تقاريرك عندي، وأنك إن غبت أكثر من خمسة أيام نشرناها.
وسجلت لسمير حديثاً طويلاً على شريط. وبعد خمسة أيام عاد من «إسرائيل» وأعطاني تقريراً. صبرك، رويداً، سأخبرك بعد قليل أين هي هذه التقارير وأين الشريط « 6 .
ويخبرنا الرفيق سعيد أين هي التقارير في المقاطع الأخيرة من مقالته في «الصياد» فيقول: «إنها في حوزة الجيش الشامي. كنت بعد دراستها أرسلها إلى مركز الحزب في دمشق، والرسالتان اللتان بقيتا في حوزتي بقيتا بصدفة. لقد استولى الجيش الشامي على هذه الرسائل كما استولى على أوراق الحزب».
في مقالة أخرى للرفيق سعيد تقي الدين في جريدة «صدى لبنان» بتاريخ 7 أيار 1955 يقول: «أن بين الوثائق التي ضبطتها السلطة في دمشق من بيت الزعيم سعاده ومكاتب الحزب لا أقل من عشرين تقريراً كتبها سمير مسلم، مكتوبة بخط يده وموقعة بتوقيعه، وهذه الرسائل تفضح شخصيات كبيرة، وتدل على حلقات جاسوسية لها علاقة بالتجسس والنشاط الصهيوني. وفي ما يلي قائمة ببعض التقارير والوثائق التي ضبطتها سلطات الشام :
اكثر من عشرين تقريراً بخط سمير مسلم عن الجاسوسية الصهيونية وصورة فوتوستاتية عن شك بستة وأربعين ألف ليرة سحب من أحد مصارف بيروت في إحدى المناسبات المهمة.
شريط مسجل عليه أخبار، بصوت سمير مسلم .
تقارير من رفقاء عن أعمال شراء أراض لحساب جهات مشبوهة.
خرائط عن «إسرائيل» ومشاريعها، لا قدرة للسلطات للحصول عليها، وكانت نسخ منها ترسل إلى بعض الجيوش العربية .
تقارير عن جاسوس يهودي شيوعي في بيروت، وصورته، واتصالاته .
تاريخ حياة أحمد عسه واتصالاته بالصهيونيين وصورة فوتوغرافية مجالساً أحد جواسيس اليهود في بيروت .
هوامـش
1. حصلت «لجنة كل مواطن خفير» على ربع ساعة من الإذاعة اللبنانية امتدت بعدئذ إلى نصف ساعة.
2. صدرت «البناء» في دمشق أولاً ثم أعادت الصدور في بيروت .
«الزوابع» جريدة قومية اجتماعية أسبوعية كانت تصدر في أواسط الخمسينات .
«صدى لبنان» متوقفة حالياً عن الصدور. صاحبها نقيب أصحاب الصحف الرفيق محمد بعلبكي.
3. نشرها في كتاب «أنا والتنين» ص 164-183 .
4. نشرت في كتاب «كل مواطن خفير» الصادر عن دار «فجر النهضة»، للرفيق جان داية .
5. القيادي القومي الاجتماعي الراحل.
6. من مقالته في مجلة «الصياد» بتاريخ 26 أيار 1955 .
ولد الرفيق سمير رزق مسلم في بلدة جديدة مرجعيون عام 1933 .
والدته فكتوريا.
انتمى إلى الحزب في أوائل الخمسينات في منفذية الطلبة ثم التحق بمديرية التضامن «الجميزة».
يقول الرفيق المهندس جورج حنحن: تعرفت إلى الرفيق سمير مسلم في منفذية الطلبة. كان حزبياً مندفعاً، ثورياً، فوضوياً بعض الأحيان، طيب المعشر وجريئاً. صدف أن كنا مرة نتمشى في ساحة البرج ومعنا رفيق ثالث خليل فاخوري، من راشيا الفخار فقبض علينا رجال التحري من دون أي سبب وكان الوقت ظهراً. بعد ساعات من استجوابنا حول انتمائنا إلى الحزب، وهل نقوم بأنشطة حزبية وعسكرية، أطلق سراحي وبقي الشهيد سمير والرفيق خليل رهن الاعتقال، بعد أيام استشهد الرفيق سمير.
بقي الرفيق سمير عازباً .
من أعمامه: الرفيق فيليب مسلم الذي كان منح رتبة الأمانة وتولى مسؤوليات محلية ومركزية منها رئيس مكتب عبر الحدود وعميد دون مصلحة، قصاص معروف وشاعر بالإنكليزية، غادر بعد الثورة الانقلابية إلى عمان في الأردن ثم إلى الريو دي جانيرو في البرازيل حيث وافته المنية. والرفيق فؤاد مسلم، المناضل في فلسطين ولبنان .
استشهد في 10 نيسان عام 1955 .
كانت العميلة «الإسرائيلية»، جولييت خوري معروفة أيضاً بـ جوليا من جديدة مرجعيون متأهلة من العميل المعروف كامل حسين. وكامل هذا كان أرداه الضابط الشامي أكرم طبارة في أحد مقاهي نبع الحاصباني عندما لم يتمكن من اختطافه .
أثار إلقاء قبض السلطات اللبنانية على الضابط أكرم طبارة أزمة بين الدولتين اللبنانية والشامية . ووضع المحامون القوميون الاجتماعيون مطالعة بإيعاز من سعاده تفيد بأنه لم يكن جائزاً للسلطات اللبنانية إلقاء القبض على الضابط السوري أكرم طبارة الذي قتل الجاسوس الخطير والمعروف.
من الرفقاء الذين نشطوا في «لجنة كل مواطن خفير» الرفيق المناضل إبراهيم ناصر أبو نبيل وقد أشارت إلى ذلك عمدة الإذاعة في الحزب في البيان الذي أصدرته غداة وفاته ونشرته الصحف بتاريخ 12 10 1994 .
الشهداء الخطيب وتوفيق والأتاسي وحاج يعقوب
كان مقرراً للواء المشاة الأول من الجيش النظامي الشامي أن يتحرك يوم الخامس عشر من أيار 1948 من جنوب لبنان في اتجاه المالكية ومنطقة الجليل. في اليوم نفسه تلقى قائده العقيد عبد الوهاب الحكيم أمراً بالعودة إلى الأراضي الشامية والتحرك من ثم جنوباً عبر هضبة الجولان، والدخول إلى فلسطين من جنوب بحيرة طبرية في اتجاه بلدة سمخ التي كان طرد سكانها قد طردوا منها بقوة السلاح.
صباح 15 أيار هاجمت كتيبتان من الجيش الشامي القوات «الإسرائيلية» إنما قوبل هجومها بنيران غزيرة إذ كانت قوات العدو أقامت موقعاً حصيناً دفاعياً قرب سمخ .
صباح اليوم التالي قصفت الطائرات الشامية سمخ والمستعمرات في الحولة، بالإضافة إلى القصف المدفعي كما تصدت قوة من الجيش الشامي لوحدات «إسرائيلية» قادمة لنجدة موقع سمخ في حين قامت سرية من الجيش معززة بالعربات المدرعة بالتقدم نحو مستعمرتي مسعده وشعار هاجولان.
في صبيحة 18 أيار شنّ اللواء الأول هجوماً جديداً على الموقع «الإسرائيلي» المحصن قرب سمخ، فانسحب المدافعون عنه نحو مستعمرة دغانيا، وفي صباح اليوم نفسه دخله السوريون.
اعتقدت القيادة «الإسرائيلية» أن ذلك هو اتجاه الهجوم السوري الرئيسي فدفعت إلى المنطقة تعزيزات جديدة وحشدت مختلف القوات المتوافرة عندها، حتى الحرس المحلّي للمستعمرات.
طلبت القوات العراقية من القوات الشامية القيام بهجوم خداعي باتجاه مستعمرة دغانيا لحماية الجانب العراقي الأيمن عند تنفيذ القوات العراقية هجومها غرباً نحو طولكرم. وتلبية للطلب العراقي شن اللواء الأول الشامي في الساعة 4,30 صباح 20 أيار هجوماً على مستعمرتي دغانيا-آ و ب. وحدد اللواء مهمة احتلال الجسر الكائن على نهر الأردن شمالي دغانيا آ لإحباط هجوم «إسرائيلي» من طبرية على خطوط المواصلات العراقية .
انطلقت القوات الشامية نحو هدفها تتقدمها الدبابات والعربات المدرعة. وسرعان ما اخترقت دفاعات دغانيا آ. ولكن قوات المشاة الشامية لم تتمكن من مجاراة الدبابات في سرعة التقدم، ما أتاح الفرصة للمدافعين لاستخدام قنابل المولوتوف والمدافع المضادة للدبابات والنجاح في صدّ الهجوم المدرع الشامي وتدمير عدة آليات في الوقت الذي تعرضت فيه المشاة لنيران الأسلحة الخفيفة فتوقفت في بيّارة ليمون على مسافة بضع مئات من الأمتار عن المستعمرة، وانسحبت الدبابات وفشل الهجوم.
عند ذلك وجهت القوات الشامية اهتمامها إلى دغانيا ب، وتقدمت نحوها ثماني دبابات تحت حماية نيران الهاونات، ووصلت حتى مسافة 150 متراً من دفاعات المستعمرة حيث توقفت لتغطي بنيرانها تقدم المشاة. لكن هذه لم تكن كافية أو مجهزة للتغلب على نيران المدافعين. وبعد محاولتين فاشلتين لخرق الدفاع انسحبت إلى الوراء. وبعد ظهر اليوم نفسه وصلت إلى المستعمرة تعزيزات جديدة من صنوف الأسلحة المختلفة، خاصة المدفعية التي فتحت نيرانها بغزارة على القوات الشامية وأجبرتها على التراجع.
حاولت القوات «الإسرائيلية» أخذ زمام المبادرة فشنّت هجوماً ليلياً على المواقع الشامية في منطقة جسر بنات يعقوب، ولكنها صُدًّت بنيران غزيرة. ثم ساد الهدوء المنطقة .
في معركة دغانيا أ استشهد بتاريخ 20 5 العريف الرفيق محمد شريف توفيق، وفي معركة دغانيا ب استشهد بتاريخ 21 5 الوكيل الأول الرفيق فارس حمود الخطيب.
يصف الجانب اليهودي معركة سمخ بالقول: « لقد ذقنا الأهوال في خنادقنا، فكانت الأبنية تتهاوى والاستحكامات تدمر، وقد قطعت النجدات فانسحبنا تاركين وراءنا عدداً من القتلى بينهم ثلاثة من القادة أحدهم قائد الحامية، ومن استطاع منا النجاة لا يستطيع أن يذكر كيف نجا.
اشترك في معركة سمخ فوجان يقود الفوج الأول الرئيس أمير شلاش وهو رفيق ومن بين أوائل العسكريين في الحزب .
«كتاب الحرب العربية «الإسرائيلية» 1948-1949 وتأسيس «إسرائيل» للدكتور فلاح خالد علي
سمـخ
قرية سورية فلسطينية على الشاطئ الجنوبي لبحيرة طبرية إلى الشرق قليلاً من مخرج نهر الأردن منها. تبعد عن مدينة طبرية نحو 11 كلم وتعد من أكبر القرى مساحة في قضاء طبرية وأكثرها عدد سكان.
وسمخ موقع مهم على الشاطئ الجنوبي لبحيرة طبرية، فهي مركز مواصلات رئيسي يصل بين شرقي نهر الأردن وغربه، وبين المناطق الواقعة حول بحيرة طبرية وغور الأردن في الجنوب.
قامت سمخ في بداية القرن التاسع عشر على أثار بلدة قديمة وكانت معظم بيوتها مبنية من الطين، وبعضها من الحجر الأسود البازلت الذي يكثر في المنطقة المجاورة لسمخ في الجولان. وتنخفض سمخ 200 متر عن سطح البحر.
دمر الصهيونيون سمخ وأخرجوا سكانها منها عام 1948 وأقاموا مكانها في العام نفسه مستعمرة سموها
«تسيمخ».
مشمار هايردن
في صباح 6 حزيران قام اللواء الثاني الشامي بهجوم مفاجئ، عابراً نهر الأردن بهدف احتلال مستعمرة مشمار هايردن وإقامة رأس جسر على الضفة الغربية لجسر بنات يعقوب، ومن ثم تأمين الاتصال بالقوات اللبنانية وقوات جيش الإنقاذ في منطقة المالكية، لكن الرمايات «الإسرائيلية» أحبطت عملية العبور. في الوقت ذاته تحركت كتيبة معززة من الجيش الشامي بقيادة المقدم سامي الحناوي، من بانياس في اتجاه مستعمرة دان، لكنها توقفت بدورها بسبب غزارة نيران العدو الذي قام، إثر هجمات الجيش الشامي، بحشد مزيد من قواته على مقربة من مشمار هايردن.
في 10 حزيران شنّ الجيش الشامي هجوماً منسقاً ونجح لواء المشاة الثاني في خرق دفاعات العدو «الإسرائيلي»، واحتل ثلاث نقاط محصنة محيطة بمشمار هايردن، وتابع ضغطه على القوات «الإسرائيلية»، فيما نجحت المدرعات السورية في عبور النهر وتمكنت بالتعاون الوثيق مع المشاة من التغلب على المواقع المعادية المتقدمة، حيث دارت رحى معركة عنيفة انتهت بسقوط مشمار هايردن بعيد ظهر اليوم نفسه .
في هذه المعركة استشهد الرفيقان الملازم أول فتحي الأتاسي والجندي عزيز سليمان محمد.
اعتبر اليهود سقوط مستعمرة مشمار هايردن كعوش كارثة موجعة، لذلك عهدت القيادة العامة للقوات «الإسرائيلية» إلى «مردخاي ماكليف» أن يقوم بمحاصرة القوات الشامية المرابطة في تلك المستعمرة الواقعة على الضفة الغربية لنهر الأردن جنوب بحيرة طبريا، وعلى الطريق المؤدي إلى جسر بنات يعقوب .
ليلة 9 10 تموز كانت القوات العدوة على أتم الاستعداد للهجوم في أربعة أرتال، وقد دارت معارك طاحنة تكبد فيها الفريقان الخسائر.
في صباح يوم الثاني عشر من تموز تمكن الجيش الشامي من دحر قوات العدو وإجبارها على الانسحاب والتراجع إلى مستعمرة «حولتا» وكيبوتس دردرة، حيث تعقبها ودارت معركة عنيفة عند «بيارة الخوري» وأخرى عند قرية «ياردة» وخسر اليهود في هذه المعارك عدداً كبيراً من القتلى والجرحى.
بقي الجيش الشامي مسيطراً على هذا القطاع إلى أن بدأت مفاوضات الهدنة مع الجانب اليهودي في 5 نيسان 1949 وانتهت في 20 تموز 1949 فأعيد في الشهر نفسه أسرى «مشمار هايردن» إلى «إسرائيل»، وفي الثاني والعشرين من تشرين الثاني 1949 جلا الجيش الشامي عن مشمار هايردن كعوش والمواقع التي كانت بيديه .
استشهد في معارك مشمار هايردن، الثانية، الملازم أول الرفيق عبد القادر حاج يعقوب.
يروي الرفيق أنور فهد في كتابه «أيام في الذاكرة» أنه كان والرفيق سماح طليع في عداد فوج المشاة الخامس الذي اشترك بتحرير مستعمرة مشمار هايردن التي استشهد فيها أيضاً الملازم أول نصرالله نادري .
ويقول أنه بعد تحرير المستعمرة أطلق عليها اسم «فتح الله» إذ اشتق فتح من اسم الرفيق فتحي الأتاسي والله من اسم الشهيد نصرالله، ويضيف أن الشهيد فتحي الأتاسي كان من أعضاء منفذية حمص، والشهيد حاج يعقوب من أصل شركسي وكان تعرّف إليه أثناء خدمته في كتيبة المدرعات الأولى.
يورد اللواء محمد معروف في كتابه «أيام عشتها»، في الصفحة 46، ما يلي:
« أثناء الدورة كنت ألتقي الرئيس عدنان المالكي والملازم فتحي الأتاسي، وكلاهما من أفضل ضباط الجيش وطنية وشجاعة وإقداماً. كنا نتداول في الشأن العام وفي عودة فرنسا عن وعودها باستقلال سورية ولبنان، وكل من المالكي والأتاسي استشهد لاحقاً، رحمهما الله، الأول اتهم الحزب السوري القومي بمقتله، والثاني استشهد في «كعوش» في حرب سنة 1948 إذ كان احتل مع سريته الخطوط الأمامية من المستعمرة، رحم الله فتحي الأتاسي فقد كان من الضباط السوريين الشجعان، وقد جمعتنا الأيام بعد الاستقلال في فوج واحد في اللاذقية بقيادة أديب الشيشكلي» .
الشهيد الملازم أول فتحي الأتاسي
والده محمد إبراهيم الأتاسي .
ولد في مدينة حمص عام 1914 .
سمي فتحي تيمناً بأمل فتح قناة السويس عندما كان والده إماماً لطابور عسكري مرابط في غزة .
تلقى دروسه في اليسوعية، والتجهيز، ثم نال شهادة الباكالوريا من دمشق.
انتمى إلى الحزب يوم كان في سلك الجندية عام 1944 .
دخل المدرسة الحربية في 10 أيلول عام 1938 وتخرج منها عام 1940 برتبة مرشح ضابط.
رفع إلى رتبة ملازم في 15 شباط 1942 ثم لرتبة ملازم أول في الأول من كانون الثاني عام 1945.
في أيام العدوان الفرنسي كان ضابطاً في قطعات حلب، وقبض عليه من قبل الفرنسيين وسجن مدة عشرة أيام بتهمة تحريض الضباط والجنود للالتحاق بالقوات الوطنية، ثم عين ضابطاً للعشائر في دير الزور، وبعدها نقل إلى طرطوس.
أوفد في بعثة إلى إنكلترا عام 1947 لدراسة تنظيم المستودعات والتجهيزات.
التحق بجيش الإنقاذ وكان يرابط بجهات صفد، واتهم مع رفاق له بالقيام بانقلاب في الشام، وعلى أثر ذلك نقل إلى دمشق ووضع في سرية الميرة 1 .
عندما تقرر الهجوم على مستعمرة «كعوش» كان في عداد الفدائيين المغاوير الذين وقع عليهم الاختيار فالتحق في الجيش، وكأنه في موعد مع القدر. فيوم وصوله إلى جبهة الحرب حصل الهجوم على مستعمرة «كعوش» فأصيب بجرح خطر، ونقل فوراً إلى دمشق، غير أنه لفظ أنفاسه مستشهداً وهو في الطريق بسبب نزف دمه .
كان استشهاده في العاشر من حزيران 1948 .
الشهيد الملازم أول عبد القادر حاج يعقوب
ولد الرفيق الشهيد في مدينة القنيطرة عام 1904 .
انتمى إلى الحزب يوم كان في سلك الجندية عام 1944 .
دخل الجيش جندياً في الأول من أيار عام 1926 .
رفع إلى رتبة عريف في أول تموز 1927 ثم إلى رتبة رقيب في أول تموز 1928، فإلى رتبة رقيب أول في أول آذار عام 1932 ثم إلى رتبة وكيل في الأول من شهر تشرين ثاني عام 1935، وإلى رتبة وكيل أول في الأول من نيسان 1939، وإلى ملازم غير نظامي في أول تشرين ثاني عام 1944، وإلى رتبة ملازم أول في أول آذار عام 1948، أي قبل استشهاده بنيف وثلاثة أشهر.
كان الرفيق الراحل فؤاد مسوح 2 بين الرفقاء الذين شاركوا في العمليات الحربية التي جرت في فلسطين عام 1948 خاصة في القطاع الأوسط جسر بنات يعقوب بما فيها «معركة مشمار هايردن» وأصيب في معركة تل أبو الريش في 16 تموز 1948 .
عنه أصدر الرئيس أسعد إسماعيل آمر الفوج الخامس في عمليات مشمار وضواحيها هذه الشهادة بتاريخ 21 12 1948 :
« وكيل جريء شجاع قام بواجبه تحت قيادتي في جبهة مشمار خير قيام وبرز في ليل 13 14 تموز 1948 إذ ثبت لوحده على جناح الدفاع الجنوبي ثباتاً عجيباً استحق عليه إعجابي وتقديري إذ كنت ذهبت ليلاً إلى مقر الفئة فلقيته الوحيد وكلفته بالثبات فأذعن واحتفظ بمراكزه رغم الهجوم الساحق.
رتيب يعتمد عليه في الشدائد مطيع مخلص لرؤسائه وطني أدى واجبه حيال فلسطين خير أداء يستحق التشجيع والترفيع أطلب ترشيحه لرتبة أعلى مكافأة له على أعماله وبسالته».
– تولى الرفيق مسوح مسؤوليات محلية منها مدير مديرية الحرية في منفذية مرمريتا، وناظر تدريب المنفذية
وكان بين الرفقاء الذين تخلوا عن الجيش الفرنسي وانخرطوا في الجيش الوطني وقاتلوا بقيادة الرفيق غسان جديد. تعرض للاعتقال وللسجن مراراً، أنشأ عائلة قومية اجتماعية تضمّ الرفيقة بشرى مسوح منصور التي انتخبت عام 2002 عضواً في مجلس الشعب عن منطقة حمص .
هوامش
1. الميرة: نظام يتعلق بتجارة المحاصيل الزراعية، كان موجوداً أيام الحكم العثماني واعتمدته سلطات الانتداب الفرنسي. منعت بموجبه المواطنين من بيع محاصل القمح وأنواع الحبوب كافة في الأسواق العامة وحصرت حق بيعه بها .
2. والد الامينة الجزيلة الاحترام بشرى مسوح.
رئيس لجنة تاريخ الحزب