الفنانة التشكيلية ديمة مقصود: أجد نفسي بلوحة فيها وجه أنثى أو جسدها عندما أريد البوح أكثر

بشرى سليمان

حلّقت اللوحة بالفنانة التشكيلية ديمة مقصود إلى أماكن مختلفة وإلى فضاءات أخرى. فاللوحة بالنسبة إليها تحمل في طيّاتها الكثير من المغامرة، فهي ميدان للفن والجمال واكتشاف اللون، وتساعد في خلق مساحات واسعة للخيال والأفكار.

وتمرّ اللوحة الفنية بمراحل مختلفة عند الفنانة مقصود، لكنها دائماً تخضع لمنهج التجريب والبحث الفني. فهي في كل يوم تقوم بمجموعة من الأبحاث والدراسات وكل لوحة تعتبر بحثاً مستقلاً بحدّ ذاته تسطّر فيها مشاعر وحالات اجتماعية عاشتها أو عاشها بعض من حولها تترجم بلوحتها.

وقالت مقصود: «ألجأ إلى التعبيرية لأرسم المرأة بشخوص مختلفة ومتنوّعة ومتعدّدة، فالمرأة في لوحاتي غاضبة وحزينة. وفي أحيان تكبر على ألمها أو تتمرّد على واقعها. ومرّات تتخلى عن كثير من مكنوناتها النفسية».

وتشير مقصود إلى أن معاناة المرأة وآلامها وواقعها وصراعها في مجتمعها تتكرر بشكل كبير في لوحاتها لان المرأة محور مهم في كل المجتمعات وبالأخص مجتمعاتنا العربية التي فرضت عليها أعباء إضافية وقيوداً وعادات وتقاليد. وعلى رغم أن مقصود ترسم الطبيعة في أحيان اخرى، إلا أنها حين تريد أن تتحدث أو تبوح أكثر، تجد نفسها بلوحة فيها وجه أنثى أو جسد امرأة.

والفنانة مقصود كسرت القيود الكثيرة التي يلتزم بها واقعها ومجتمعها الذي تعيش فيه. فهي ترسم الأنثى المتحررة التي تريد أن تخلق مجتمعاً آخر يتوافق مع تطورها وحبها الشديد للحرية التي تعني التحرر من القيود، والحلم بمجتمع يؤمن بالفرد المبدع، ويؤمن بعقل الجماعة الحرّ النيّر والخيّر.

وتقول مقصود إنها استعانت بعلوم الطاقة والروحانيات ومدلولاتها في صناعة وتلوين اللوحة لذلك لا تستطيع ان تصنع لوحة لا تحتوي على مجموعة كبيرة من الالوان. فاللون البنفسجي مثلاً لون الروح وسموّها، واللون الفيروزي لون طاقة الحبّ والقلب، وتضع هالات في المساحات التي لم ترسم بها لتضيف فيها لوناً يدلّ على طاقة روحية معينة، كما نجد في لوحتها إسقاطات لفُسَح صوفية بالتزامن مع جوانب مادية.

وحول ممارستها فنها في ظل الوضع الحالي تقول: جاء فنّي مرافقاً لتغيّرات سياسية كبيرة بالمنطقة، وولد مع الازمات، وكان وليد لحظة غضب. وأنا أبني ثقافة الحياة على نظريات الموت الكثيرة. وما أريد قوله عن الحرب والأزمة رسمته في اللوحة. والحل هو الهروب إلى الفن لأتمرّد على واقعي وأصرخ في لوحتي عبر ألوان وشخوص.

وتابعت: «تلك هي نتائج الحروب قد تؤثر على مجتمعات معينة فتتولد حركات ثقافية وفنية كأنواع جديدة من الموسيقى والفن التشكيلي تتناسب مع ظروفها التي جاءت منها. وأنا الآن أرسم في ظل الحرب على سورية وكأني مراسلة صحافية حربية.

والفنانة ديمة مقصود غزيرة الانتاج، لكنها قليلة المعارض. فهي تعلن عن انتهاء مرحلة أو حقبة فنية معينة بمعرض فردي يحمل عنواناً يدلّ على ماهية هذه المرحلة ويتوّجها، ويعلن انتهاءها. وقد ينتقل المعرض من مكان إلى آخر. وهذا ما تنتهجه في عملها الفني لأن آخر ما يهمها رسم شخصية واحدة تكررها في جميع المعارض.

والفنانة مقصود ترسم بالاكريليك والباستيل الزيتي، لكنها تميل أكثر إلى الرسم بالأكريليك لأنه يجف سريعاً، ويتطلب إنهاء اللوحة بسرعة، وهي تحب إنهاء لوحتها ورؤيتها خلال فترة قصيرة لأن إحساس الفنان يختلف من يوم إلى آخر. وطالما تعيش مقصود حالة معينة، فإنها تسقط إحساسها على اللوحة لأنّ مشروعها في داخلها جاهز، ولكنه يحتاج إلى إطلاق العنان.

ونساؤها في اللوحة بائسات، فلم تستطع حتى الآن رسم الابتسامة عند الانثى لأنها بحسب تعبيرها تصوّر الواقع وتنقل ما تراه في المجتمع بصدق فهي ترسم بحالة اللاشعور وبنفسيتها وعقليتها الروحية. وتطمح إلى أن يأتي يوم ترسم وجوهاً لنساء مبتسمات وضاحكات، وعند ذلك تكون قد انتقلت بفنّها إلى مرحلة أخرى.

وتتحدث مقصود عن تقلص النشاط الفني المحلي حالياً بسبب الظروف والحرب على سورية لأن الفن التشكيلي تأثر بالحرب والازمة كحال غيره من أنواع الفنون الأخرى. كما بات يعتبر بالنسبة إلى الشريحة الواسعة من الناس رفاهية. ووضع الفنان أصبح صعباً جداً من الناحية المادية، واللوحة أصبحت مكلفة جدّاً ولا تتوفر المواد الأولية اللازمة لصناعة فنّه، وإن توفرت فهي غالية الثمن أو بنوعية وكمية محدودة، وهناك قلة ممن يهتمون باقتناء اللوحة. إلّا أن مقصود تؤكد أن الفنان السوري لا يستسلم ولا يقنط، فهو يرسم ويبدع ويقيم المعارض.

على رغم أنّ الفنانة مقصود تستخدم المدرسة التعبيرية، فهي تقوم بكسر القواعد الفنية التي ترسمها في هذه المدرسة، وهي من خلال كسرها القواعد الفنية في بعض الاماكن كأنها تعود إلى الحركة الدادائية ـ «حركة فنية ترفض الحرب» ـ وتعتبر نفسها رائدة هذه الحركة بسورية وتشرح الواقع بكسرها هذه القواعد.

وحول رأيها بصالات العرض في محافظة اللاذقية أوضحت مقصود أن جميع الاماكن ملك للفنان، ويجب الا يقتصر عرض الفنان للوحاته في الصالات، إنما في جميع الأماكن. حتى في الشارع يجد الفنان من يتابع لوحاته ويقرأها ويحللها ويقدّم الدعم المعنوي للفنان.

يذكر أن الفنانة ديمة مقصود من مواليد عام 1977 في مدينة جبلة، خرّيجة علم نفس في جامعة دمشق، وشاركت بمعارض جماعية داخل سورية وخارجها وأقامت معرضاً فردياً، واقتنت وزارة الثقافة اللبنانية عملاً فنياً لها على هامش مشاركة فنية في لبنان، وهي خرّيجة «معهد وليد عزت للفنون التطبيقية» في دمشق ـ اختصاص الخزف.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى