حذار من سجون ينمو فيها الإرهاب!
معن حميّة
اشتهر معتقل «غوانتانامو» بعدما تسرّبت من داخله، صور عن عمليات تعذيب تمارَس بحق المعتقلين، وشكلت تلك الصور صدمة للرأي العام، وقامت وسائل الإعلام المختلفة لا سيما الأميركية منها، ببث تقارير وإعداد وثائقيات حول عمليات التعذيب، وكان لافتاً، أنّ معظم التقارير حملت عناوين «عمليات تعذيب بحق إسلاميين»!
وفي حين يؤكد المتابعون أنّ معتقل «غوانتانامو» شكّل معسكر تدريب للإرهابيين والمتطرفين على كلّ أشكال وصنوف الحقد والقسوة والعنف والتعذيب، وأنّ بث ونشر صور التعذيب إنما يندرج ضمن استراتيجية خلق بيئة حاضنة لهؤلاء، فإنّ آخرين اعتبروه بمثابة عمليات تعذيب ضدّ عناصر إسلامية غير إرهابية، وهذا ما روّج له فيلم «الطريق الى غوانتانامو»، وما روّجت له قناة «الجزيرة» من خلال عشرات التقرير، ومن خلال مقابلة أجرتها مع مصوّرها سامي الحاج الذي كان في عداد معتقلي «غوانتانامو».
الصور المسرّبة من «غوانتانامو»، وعلى رغم ما أحدثته من ردود أفعال، لم تتضح حقائق جلية حولها، ولم تعرف طبيعتها، وماهية أهدافها. ولعلّ المحلل السابق في شؤون الإرهاب في وكالة الاستخبارات الأميركية فيليب جيرالدي كان الأصدق حين جزم بأنّ «الحقيقة حول تعذيب المعتقلين في غوانتانامو لن نعرفها أبداً»، لافتاً في حديث إعلامي عام 2012 إلى أنّ «بعض الذين أطلق سراحهم من غوانتانامو انضمّوا إلى جماعات إرهابية».
ما جزم به جيرالدي ليس بعيداً عن الواقع، فقادة المجموعات الإرهابية المنتشرون في أصقاع العالم، والذين ظهر منهم الكثير في سورية والعراق، كانوا معتقلين من قبل دول غربية وعربية وإقليمية، وقد أدينوا بتهم متعدّدة أبرزها تهمة الإرهاب، وخرجوا من المعتقلات والسجون إما لانتهاء فترة الحكم، أو في ظروف وصفقات معينة.
وإلى جانب معتقل «غوانتنامو» ظهرت فضائح تعذيب في سجون عدة، منها سجن «أبو غريب»، في حين كان سجن «بوكا» في منطقة أم قصر العراقية، يعدّ من أخطر «السجون» فهو كناية عن خيم منصوبة، ويحوي أعداداً كبيرة من الإرهابيين. والواضح أنّ هذا المعتقل جرى اعتماده لغسل أدمغة «نزلائه»، في اتجاهات معينة ولغايات معروفة. وليس خافياً أنّ خليفة تنظيم «داعش» أبو بكر البغدادي، كان من بين نزلاء السجن المذكور، وودّع سجانيه على نية اللقاء في نيويورك!
كما هو معروف فإنّ السجون الآنفة الذكر كانت تحت سلطة الولايات المتحدة الأميركية وإدارتها المباشرة، علماً أنّ الولايات المتحدة حريصة كلّ الحرص على «نصاعة» سجلها إزاء حقوق الإنسان، بالتالي من الصعب جداً أن تتهاون مع تسريبات مصوّرة تشوّه صورة الولايات المتحدة. لا بل من الصعب أن تمرّر أية مشاهد مصوّرة من داخل سجون تشرف هي عليها، إلا إذا كان هناك قرار يسمح بالتسريب لتحقيق أهداف تصبّ في خانة الأمن القومي الأميركي.
والسؤال هل أنّ المجموعات الإرهابية التي تقاتل في سورية والعراق تشكل تهديداً للأمن القومي الأميركي، ولأمن الكيان الصهيوني؟
على أرض الواقع، ما تقوم به المجموعات الإرهابية يشكل تهديداً لأمن واستقرار دول المنطقة المستهدفة بالإرهاب، والخطر الذي يمثله هذا الإرهاب واقع حكماً على شعوب المنطقة، قبل أن تصل تشظياته إلى الغرب. لكنه آنياً يخدم واشنطن، وواضح أنّ هذا الإرهاب ينسّق مع العدو الصهيوني، ما يؤكد أنّ للمجموعات الإرهابية المتطرفة وظيفة محدّدة ومعروفة، تخدم مصلحة الولايات المتحدة.
جميعنا يذكر كيف أنّ الولايات المتحدة الأميركية هي التي تعمّدت تظهير عمليات التعذيب بحق من اعتقلتهم لأنهم إرهابيون، وهي التي سمحت بأن يتشكل رأي عام يبدي تعاطفاً غير مسبوق مع مجموعات مدانة بارتكاب أعمال إرهابية!
إرهابيون كثر خرجوا من «غوانتانامو» و«بوكا» ومن سجون تركية وعربية، هم اليوم من يقتلون ويذبحون ويرتكبون الموبقات ضدّ الآمنين.
إرهابيون كثر وجدوا حواضن شعبية، لأنّ الإعلام الأميركي والصهيوني والعربي المتأسرل صوّرهم ضحايا تعذيب، في حين كانوا يحضّرون وحوشاً للفتك بالإنسانية.
مشهدية قساوة التعذيب في «غوانتانامو»، قد لا تماثلها مشهدية. لكن الأهمّ أن يدرك الجميع أنّ «المعذبين» في السجون، هم من يعذبون شعبنا في سورية والعراق بإرهابهم وإجرامهم ووحشيتهم.
حذار من سجون ينمو فيها الإرهاب من دون حسيب أو رقيب… ومن صور تعذيب تسرّب بهدف استعطاف الناس وبهدف تشكيل أدوات ضغط لإطلاق متهمين بالإرهاب.
حذار من الإفراط في المشاعر الإنسانية على خلفية مشاهد تعذيب، صُوّرت على نية التخطيط لإرهاب بحق الإنسان والإنسانية.
مدير الدائرة الإعلامية في الحزب السوري القومي الاجتماعي