هل ستغيّر الانتخابات التركية شيئاً ما؟
إعداد وترجمة: ليلى زيدان عبد الخالق
تبرهن الانتخابات التركية التي أجريت بداية حزيران الجاري، قوّة الديمقراطية التركية وعمقها. فقد رفض المقترعون الأتراك عدم ترشح الرئيس رجب طيب أردوغان للسلطة التنفيذية ما يشير في شكل قوي إلى قوة الأقليات الكردية الآخذة في النمو في البلاد.
غالباً ما تشدّد التعليقات التركية على الإسلاميين، الطموحات الأردوغانية، وطبيعة «حزب العدالة والتنمية»، فضلاً عن عدد من الفضائح السياسية التي حصلت في السنوات القليلة الماضية. والحقيقة أنّ عدداً من التغييرات الهامة في البلاد كانت تحصل من دون أن يلاحظها أحد نسبياً. فالتحولات الديمغرافية التركية ـ ارتفاع معدّلات الولادة الكردية في مقابل انخفاض تلك التركية ـ يوحي بتغيير جذريّ في مسار حليف الناتو. لكن ما الذي تعنيه كلّ هذه التغييرات لتركيا وللشرق الأوسط، وتحديداً لتلك الدول التي تضمّ أعداداً ضخمة من الأكراد كالعراق وسورية وإيران؟ ما التحدّيات والفرص التي تمنحها هذه التغييرات لصنّاع السياسة الأميركية على مدى السنوات المقبلة؟
بين أيدينا اليوم تقرير مؤلّف من مقالات عدّة، الأول يتحدّث عن تأثير الانتخابات التركية التي أجريت مؤخراً على الوضع الإقليمي، وعمّا يمكن أن تغيّره في تركيا والمنطقة. أما الثاني فيتناول هزيمة أردوغان، التي اعتبرها الكاتب هزيمة في معركة لا حرب. أما المقالات الأخيرة فاقتبسناها عن بعض الصحف التي صدرت صبيحة اليوم الثاني من إجراء الانتخابات التركية.
الانتخابات التركية وأرجحية التغيير
في حال فاتك هذا الحدث، فقد عقدت تركيا انتخاباتها في الأمس القريب، ويبدو أن مسار الاقتراع ارتفع إلى ذروته قياساً على الصدمة التي أحدثتها النتائج. كان هناك الكثير من التوقعات والأخبار المتناقلة، لكن أياً منها لم يكن ليصبّ في مصلحة أردوغان.
سدّد الأتراك ضربة قوية في الأسبوع الأول من الشهر الجاري، في مرمى الرئيس رجب طيب أردوغان ومرمى حزبه الحاكم «حزب العدالة والتنمية»، والذي نتج عن خسارة شعبيته الكبيرة في البرلمان. وللمرة الأولى في تاريخ البلاد، استطاع حزب يسيطر عليه الأكراد في الجمعية الوطنية الكبرى في أنقرة، تسجيل لحظة تطور جديدة في سجلّ تركيا الديمقراطية، كما في تحدي طموحات أردوغان بالتفرّد في الرئاسة. ويقول بولانت آليريزا: «إنه انفجار نووي في السياسة التركية»، وآليريزا خبير في الشؤون التركية في مركز الدراسات الدولية والاستراتيجية في واشنطن.
حسناً، ينزع هذا الانفجار النووي ناحية الغلوّ والمبالغة، غير أنه كان مفاجئاً حقاً. فلطالما سيطر «حزب العدالة والتنمية» على الأمة التركية بشكل حادّ وصلب، ما عرّض تركيا للمزيد من الانتقادات الدولية بسبب فشلهم في الوقوف جانب الأخيار في حربهم ضدّ «داعش». لكن، يبدو أيضاً تأثير بعض الضغوطات الداخلية. فحقيقة أن الأكراد ساهموا كثيراً في تغيير بنية القوى الداخلية واضحة للغاية، وقد يُضطرّ أردوغان إلى إعادة النظر في خياراته للمضيّ قدماً. لكن هل سيغيّر هذا شيئاً؟ يبدو جيم غيراثي غير متأكد، وهو الذي أمضى وقتاً طويلاً في تركيا، ويمتلك خبرة أعمق من خبرتي في هذا المجال.
إن الضربة التي تلقاها «حزب العدالة والتنمية» خبرٌ مفرح بلا شك، لكني عندما أعود إلى الفترة التي عشتها في أنقرة، وإلى بعض مواصفات الكعكة التي خبزها النظام السياسي ـ بغضّ النظر عن الحزب الذي كان يدير هذا العرض ـ نستنتج التالي: مستوى عالٍ من جنون العظمة جنّد كافة الدول ضدّ تركيا، حذرٌ من أعداء الداخل بشكل مستمرّ وباعتراف الجميع، أن هذا في غالب الأحيان: صحيح … وفي الوقت عينه، إظهار سذاجة واضحة إزاء جيران البلد، وتحديداً سورية وإيران، فضلاً عن الموقف من «إسرائيل»، والذي يشكل ـ في أفضل أحواله ـ نوعاً من الفصام، ومعاداةً مقزّزة للسامية في أسوأ الأحوال.
وبالعودة مرة أخرى إلى الفترة التي كنتُ فيها هناك، فإن القوة الوحيدة التي ظهر أنها تتحكم باستمرار في الحياة التركية، وتمتلك رؤية واضحة حيال القوى المزعزعة للاستقرار والأعداء الحقيقيين للبلاد ـ أي: ملالي إيران، الأسد، التطرف الإسلامي، والجماعات الإرهابية ـ هو الجيش التركي الذي يميل إلى أن يكون على علاقة ودّيّة وحارّة مع الجيش «الإسرائيلي» لناحية التدريبات المشتركة وغيرها.
ها أن كلّ هذا هو مجرد تعميمات وافتراضات حول الشعب التركي وحقيقة تعاطيه مع هذا الموضوع؟
تنبع معظم الصور النمطية من بذور الحقيقة، ففي الواقع، أنا أميل إلى التصديق بما قاله غيراثي في ذلك. فهو من عاش هناك وقاسمهم طعامهم لفترة غير قصيرة. لا يمكننا أن نضمن شيئاً في ما يتعلق بالأتراك باستثناء كرههم لليونانيين، لكن من الواضح أن أردوغان يترأس حقبة جديدة من القذارة والقبح، لا سيما عندما يتعلق الأمر بـ«إسرائيل».
كان أكثر ما يثير دهشتي في الملاحظات التي اقتبستها عن مشاهدات جيم، ما يرتبط بالجيش. فلم أكن أعلم ـ على سبيل المثال ـ أنهم كانوا على علاقات جيدة مع الجيش «الإسرائيلي»، ويُنظر إليهم على أنهم أخوة في السلاح. وهذا بالتأكيد تباين غير مريح مع رئيسهم، الذي يبدو أنه يفضل لو أن «إسرائيل» تنتقل إلى قارة أخرى. لكن ما الذي يستفيد منه الغرب حتى لو كان حقيقة؟ فتركيا ليست في وارد الانقلاب على الحكم واستبداله بآخر عسكري أسوة بما حصل في مصر. وحتى لو حصل ذلك، فسيكون مؤشراً للمزيد والمزيد من الفوضى في المنطقة. فليس من المرجح أن يذهب هذا الجيش إلى الحرب في سورية إذا ما كان «حزب العدالة والتنمية» الفاشل، إضافة إلى الجماعات المسلّحة المعارضة هناك، يتناحرون في ما بينهم على الجبهة الداخلية.
وعلى رغم ذلك، فإن هذا لا يزال سبباً للتفاؤل الحذر. فإذا ما استطاع الأكراد الأصليون الانتقال بنفوذهم إلى أروقة الحكم التركية، فقد نتلقى المزيد من المساعدة والتعاون من أحد القوى العسكرية الرائدة في المنطقة. وبالنظر إلى ما يقوم به «داعش»، فإننا نستطيع الحصول على كلّ المساعدات التي نطلبها.
أردوغان خسر معركة
كتب مصطفى أكيولنشر، في الخامس عشر من حزيران الجاري: كانت انتخابات السابع من حزيران الجاري بمثابة نسمة هواء منعشة لملايين الأتراك الذين كانوا قلقين من ميل الرئيس رجب طيب أردوغان المستمر إلى تعزيز سلطته. ولم يكونوا على خطأ على الإطلاق، فقد ألحقت صناديق الاقتراع الانتكاسة الكبرى الأولى بـ«حزب العدالة والتنمية» منذ 13 سنة. لقد خسر الحزب نحو عشرة في المئة من الأصوات التي كان قد حصل عليها عام 2011، والأهم من ذلك، خسر الأكثرية في مجلس النواب، ما سدّد ضربة قاضية لـ«النظام الرئاسي» الذي أراد أردوغان فرضه من خلال دستور مفصَّل على قياسه. علاوةً
على ذلك، شكّلت نتائج الانتخابات ضمانةً ضد هيمنة «حزب العدالة والتنمية» في الحكومة والتشريع والبيروقراطية، وربما حتى في الإعلام.
باختصار، بعد انتخابات 7 حزيران الجاري، تراجعت قدرة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان على تحقيق أحلامه السلطوية، لكن من السذاجة الاعتقاد بأنه تخلّى عنها.
احتفى عدد كبير من الأتراك العلمانيين والليبراليين بنتائج الانتخابات. وتوجّهت مقالات في وسائل الإعلام الغربية بالتهنئة إلى تركيا لأنها «أنقذت ديمقراطيتها». لكن ربما يجدر بنا أن نكون أكثر حذراً بعض الشيء، وألا نتسرّع في الانضمام إلى هذه النشوة العارمة. ربما يعتبر أردوغان أنه خسر للتوّ معركة، إنما لم يخسر الحرب. وقد يكون محقاً في ذلك.
لماذا؟ وضعت انتخابات السابع من حزيران حدّاً لهيمنة «حزب العدالة والتنمية»، لكنها أطلقت أيضاً حقبة من الالتباس. بما أنه لم يحصل أي حزب على الأكثرية في مجلس النواب، سيحاول القادة الآن تشكيل حكومات ائتلافية. لكن إذا فشلوا في ذلك أو شكّلوا حكومة ائتلافية غير مستقرة، سيتوجّه الأتراك إلى صناديق الاقتراع من جديد. وسيتمكّن «حزب العدالة والتنمية» عندئذٍ من أن يقول للناخبين: «أرأيتم؟ إذا لم تكن السلطة بكاملها في أيدينا، تغرق البلاد في الفوضى». والناخبون الأتراك الذين يتخوّفون من كلمة «ائتلاف» لما تثيره لديهم من ذكريات سيئة تعود إلى التسعينات من القرن الماضي، قد يقتنعون بهذه الحجّة.
إليكم خريطة الطريق التي تلوح في الأفق التركي: ينصّ الدستور التركي على أنه بعد تشكيل مجلس النواب ـ الذي يجب أن يتم بحلول 23-24 حزيران الجاري، عندما يقسم النواب الجدد اليمين ويشغلون مقاعدهم رسمياً ـ تُمنَح مهلة 45 يوماً لتشكيل الحكومة. ثم يُعيّن الرئيس عضواً من البرلمان هو عادةً زعيم الحزب الأكبر حجماً رئيساً للوزراء، فيشكّل حكومته، ويحصل على موافقة الرئيس، ثم على «تصويت بالثقة» من البرلمان. في الماضي القريب، استغرقت كل هذه الخطوات بضعة أيام فقط، لأن «حزب العدالة والتنمية» كان يتمتّع بأكثرية برلمانية وكان بإمكانه أن يمضي بالإجراءات من دون أيّ عراقيل. أما الآن، وبما أنه لم يحصل أي حزب على الأكثرية في البرلمان، فلا يمكن نيل الثقة إلا عندما يتّفق حزبان على الأقل على الحكومة الجديدة. ولا يمكن أن يحدث ذلك إلا من خلال تشكيل ائتلاف ـ أو «حكومة أقلية»، إذ يُقدّم حزبٌ دعمه للحكومة التي يشكّلها حزب آخر من دون الانضمام إليها، لكنه احتمال أقل ترجيحاً.
تحدّث أردوغان أمام الصحافة في 14 حزيران الجاري، وقال إنه سيطلب أولاً من رئيس «حزب العدالة والتنمية»، أحمد داود أوغلو، تشكيل الحكومة الجديدة، وفي حال فشل في ذلك، سيطلب من كمال كيليجدار أوغلو، زعيم «حزب الشعب الجمهوري» الذي يُعتبَر الحزب المعارض الأساسي في البلاد، تشكيل الحكومة. وفي حال فشل الاثنان في غضون 45 يوماً، لا مفر من التوجّه إلى صناديق الاقتراع من جديد عملاً بأحكام الدستور. لا أسمّيها انتخابات خاطفة، بل إعادة للانتخابات، كما قال أردوغان.
لطالما عارض أردوغان الانتخابات «الخاطفة» أو المبكرة على امتداد مسيرته السياسية. لذلك كان تركيزه على استخدام عبارة «إعادة الانتخابات» اختياراً واضحاً للكلمات. واللافت أنّ عدداً من التقارير عن أردوغان ودوائره الداخلية تشير إلى أن إعادة الانتخابات هي الخطة «ألِف» بالنسبة إلى الرئيس.
فبحسب مقال نشرته صحيفة «طرف» التركية في 12 حزيران الجاري بعنوان «خطة البلاط الأحدث»، تحمّس أردوغان لدعم إعادة الانتخابات بناءً على استطلاع أجرته شركة «إيبسوس» مباشرةً بعد الانتخابات. وقد أظهرت النتائج أنه في حال إجراء الانتخابات من جديد، يُتوقَّع أن يحصل «حزب العدالة والتنمية» على 45 في المئة من الأصوات بدلاً من نسبة الـ41 في المئة التي نالها في 7 حزيران الجاري. يبدو أن بعض الناخبين قرّروا «معاقبة» الحزب خلال الانتخابات، لكنهم قلقون الآن من أن يكونوا قد تسبّبوا بزعزعة الاستقرار في البلاد.
أكّد مصدر بارز في وسائل الإعلام الموالية لـ«حزب العدالة والتنمية»، وتجمعه روابط وثيقة بـ«البلاط»، لموقع «مونيتور»، أن هدف أردوغان فوز «حزب العدالة والتنمية» بأكثرية برلمانية في انتخابات مُعادة. لكن المصدر الذي طلب عدم الكشف عن هويته، أردف: «إنما عليه أن يتفادى أيضاً توليد انطباع بأنه يتسبّب بتعطيل تشكيل ائتلاف حكومي، ولذلك سيمنح الأمر بعض الوقت». تابع المصدر أنه في حال لم يحقّق «حزب العدالة والتنمية» أيّ فائدة من تكرار الانتخابات، فلا مشكلة هناك ـ فالأمور يمكن أن تسوء أكثر. لكن تكرار الانتخابات يمكن أن يعود بالمنفعة على «حزب العدالة والتنمية»، وأردوغان مستعد للقيام بهذه المجازفة.
هذا هو أيضاً رأي المعلّق السياسي ليفنت غولتيكين المعروف باطّلاعه الواسع على خبايا «حزب العدالة والتنمية». وقد اعتبر أن الحليف الأفضل لأردوغان هذه الأيام ربما يتمثّل في قادة المعارضة القصيري النظر الذين قد يفشلون في تشكيل حكومة ائتلافية، ما يدفع بالتالي الأتراك إلى التوق أكثر فأكثر إلى الاستقرار ـ وتحديداً الاستقرار في ظل «حزب العدالة والتنمية».
المعضلة الوحيدة التي لن يتمكّن أردوغان من إيجاد حل لها، أنه حتى لو فاز «حزب العدالة والتنمية» بأكثرية برلمانية في حال تكرار الانتخابات، تبدو الغالبية القصوى ثلاثة أخماس المقاعد الضرورية من أجل تعديل الدستور بعيدة المنال. ولذلك سيكون عليه العمل ضمن المنظومة الحالية، بدلاً من إنشاء «النظام الرئاسي». نتيجةً لذلك، يمكن أن يعزّز رئيس الوزراء أحمد داود أوغلو سلطته على الحزب، منتزعاً بعض الاستقلالية الذاتية من أردوغان.
الخيار الآخر الذي من شأنه أن يشعر الشرائح غير المؤيدة لـ«حزب العدالة والتنمية» في المجتمع التركي، بارتياح أكبر، عودة الرئيس السابق عبد الله غول إلى الحزب وترؤسه له، الأمر الذي سيؤدّي إلى إبعاد داود أوغلو، وحصر أردوغان ضمن حدوده الدستورية، وإعادة «حزب العدالة والتنمية» إلى المسار الأكثر اعتدالاً وإصلاحية الذي تبنّاه في سنواته الأولى. لعل الكتاب الجديد الذي وضعه أحمد سيفر، مستشار غول سابقاً، ولقي استحساناً واسعاً، إذ فضح من خلاله الخلافات في الآراء والتشنّجات بين أردوغان وغول، لهو مؤشّر إلى «عودة» غول.
لا شك أن انتخابات السابع من حزيران جعلت حياة أردوغان أكثر تعقيداً وحدّت من قدرته على تحقيق أحلامه السلطوية، لكن من السذاجة الاعتقاد بأنه تخلّى عنها.
الانتخابات تذلّ أردوغان
وجاء في مقال للكاتب كونستانز ليتش نشرته صحيفة «غارديان» البريطانية ثاني يوم إجراء الانتخابات، تحت عنوان «تركيا قد تواجه انتخابات أخرى مع إذلال الناخبين لأردوغان» أن الحديث عن حكومة ائتلاف سيهيمن على المشهد السياسي التركي خلال الاسابيع المقبلة وذلك بعدما أظهر الناخبون رفضهم خطط أردوغان لتغيير الدستور ومساعيه إلى توسيع نفوذه وهيمنته على السلطة ازدراءهم منها، في صفعة هي الأشد التي توجه إلى الرئيس التركي وحزبه الحاكم منذ تسلمه السلطة عام 2002.
ويحتاج حزب أردوغان إلى غالبية 367 مقعداً في البرلمان حتى يكون قادراً على فرض تغيير الدستور وهو الامر الذي فشل في تحقيقه مع حصوله فقط على 258 مقعداً، ما سيضطره للمرّة الاولى في تاريخه لتشكيل ائتلاف مع حزب أو اكثر في البرلمان وهو الأمر الذي رفضه حتى الآن «حزب الحركة القومية» المرشح الأقرب لمثل هذا الائتلاف والذي حصل على نسبة 16.55 في المئة من الاصوات و80 مقعداً في البرلمان.
وأعرب زعيم «الحركة القومية» «دولت باخشاي» عن استعداد حزبه لأن يكون حزب المعارضة الرئيس في مواجهة «حزب العدالة والتنمية» قائلاً: «ليس من حق أحد جرّ تركيا وراء أقلية حزب العدالة والتنمية».
فيما اعتبر صلاح الدين ديمرطاش زعيم «حزب الشعوب الديمقراطية» الذي حصل على نحو 12 في المئة من الاصوات أن نتائج الانتخابات تضع بوضوح حداً لخطط فرض الرئاسة الحصرية. وفي هذه اللحظة انتهى الجدل في شأن الرئاسة وفي شأن الدكتاتورية.
وفي مقال آخر لـ«غارديان»، حمل عنوان «الناخبون يعاقبون أردوغان على غطرسته وسلوكه الفظّ»، اعتبرت الصحيفة أن أردوغان الذي تشبث بمنصب رئيس الوزراء لثلاث فترات متوالية قبل أن يصبح رئيساً للبلاد يواجه الآن حقيقة بقائه كرئيس شرفي فقط لتركيا مع تمتع أحمد داود أوغلو رئيس الوزراء الحالي بالسلطة الفعلية.
وأضافت الصحيفة: «إن تباطؤ الاقتصاد التركي والبطالة وتراجع الحقوق المدنية والمخاوف من إعطاء أردوغان المزيد من السلطات تمكنه من التحول إلى دكتاتور مطلق كانت السبب في تراجع نسبة التصويت لحزبه».
وجاء خرقه للقانون المتعارف عليه باعتماد الرئيس الحيادية بين الأحزاب المختلفة في الانتخابات البرلمانية وشنه حملة دعم لحزبه وتوجيهه الاهانات والتهديدات والاتهامات إلى المعارضين والاعلام والاقليات الدينية والعرقية ليحول هذه الانتخابات إلى هزيمة شخصية له.
بدورها، أوردت صحيفة «ديلي تلغراف» مقالاً لمراسلتها في اسطنبول راضية أكوج حمل عنوان «أحلام أردوغان بالمزيد من السلطة تتبدد» قالت فيه «إن حزب العدالة والتنمية يطمح للحصول على 367 مقعداً من مجموع 550 مقعداً في البرلمان ليتمكن من تغيير الدستور والاحتفاظ بسيطرته المطلقة على البرلمان إلا أن نتيجة الـ41 في المئة فقط من الاصوات التي حصل عليها لن تخوّله الحصول سوى على 258 مقعداً ما سيضطره للبحث عن شريك في ائتلاف حكومي».
بدورها تحدثت صحيفة «فايننشال تايمز» البريطانية في مقال لديفيد غاردنر حمل عنوان «تركيا تقول لا لطموحات أردوغان المتوثبة» عن وجود وجهين على الأقل لأردوغان. فهو يطرح نفسه من ناحية على أنه السياسي المصلح وفي المقابل هو مشروع سلطان دكتاتور يطارده جنون العظمة والغطرسة ويعامل الشعب التركي كملكية خاصة له داعياً إياهم بـ«أمتي».
وتابعت الصحيفة: «على رغم أن أردوغان ليس مرشحاً، إلا أن الانتخابات كانت بشكل اساسي تدور حول ما إذا كان حزبه سيتمكن من الفوز بالغالبية البرلمانية الكافية لتغيير دستور تركيا من حكم برلماني إلى رئاسي يدار من القمة مانحاً أردوغان صلاحيات وسلطات تضاف إلى نفوذه وسلطاته الضخمة التي يتمتع بها الآن».
سقط وإن بقي في اللعبة
وقالت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية في عددها الصادر في الثامن من حزيران الجاري، إن الانتخابات التي أجريت في تركيا شكّلت انتكاسة قوية لحملة أردوغان الساعية إلى إحاطة نفسه بالمزيد من النفوذ كما شكلت التعنيف المفاجئ الاكبر لتاريخه المهني، مجهضة مسعاه في الحصول على غالبية تنفذ خططه باتجاه المزيد من المركزية في الحكم.
وقال هنري باركي المحلل السابق للشؤون التركية في وزارة الخارجية الأميركية إن نتائج الانتخابات تشكل هزيمة ضخمة لأردوغان. إنه كالملاكم الذي سقط وإن بقي في اللعبة. فيما قال ديمرطاش: «إن أولئك الذين كانوا يعتقدون أنفسهم الملّاك الحصريين لتركيا هزموا».
وكانت النتائج شبه النهائية التي أعلنت أمس قد أثبتت تراجع نسبة الدعم الشعبي لـ«حزب العدالة والتنمية» من نحو خمسين في المئة في الانتخابات السابقة إلى 40.79 في المئة، وحلّ «حزب الشعب الجمهوري» برئاسة كمال كيليتشدار أوغلو في المركز الثاني، وحصل على 25.1 في المئة، بينما حلّ «حزب الحركة القومية» برئاسة دولت باخشاي في المركز الثالث وحصل على 16.55 في المئة.
ونجح «حزب الشعوب الديمقراطية» برئاسة ديمرطاش في دخول البرلمان للمرة الأولى بعد تأسيسه بعدما تجاوز الحد الأدنى المطلوب للتمثيل فيه، إذ حصل على 12.6 في المئة من الأصوات.
ومن حيث عدد المقاعد النيابية البالغة 550 مقعداً، حصل «حزب العدالة والتنمية» على 258 مقعداً و«حزب الشعب الجمهوري» على 132، و«حزب الحركة القومية» على 80، و«حزب الشعوب الديمقراطية» على 79 مقعداً.