جنبلاط ودروز سورية والأمر الواقع

عامر نعيم الياس

دعا وليد جنبلاط الدروز في سورية إلى التحضر لـ«سقوط النظام» عبر اتصالات مع «كافة الفصائل المسلحة على الأرض»، مبرّراً ما جرى في شمال إدلب من مذبحة بحق الطائفة الدرزية. «فالأمير تونسي» وقد استعيض عنه «بأمير سوري». يتحدث زعيم «الحزب التقدمي الاشتراكي» بلغة الأمراء معترفاً بالمقامات الدينية للأمراء الجدد في سورية على قاعدة التحالف لإسقاط الدولة السورية، والتلويح للدروز بالبديل السيء في حال ظلّوا على موقفهم من الدولة في سورية. يشابه في ذلك إلى حدٍّ كبير «المثقفين» من الليبراليين واليساريين السابقين السوريين من ميشيل كيلو إلى أيمن عبد النور مروراً برئيس تيار «بناء الدولة» لؤي حسين من تحذير الطوائف التي ينتمون إليها من مغبة الاستمرار في تأييد «النظام»، مبرّرين ما هو آتٍ إدراكاً منهم ـ ولو ضمنياً ـ باستحالة ضمان أمن المواطنين السوريين في حال سقوط الدولة السورية. لكن ارتباطهم بالمشروع الخارجي يملي عليهم النفخ في قربة الثورة المفترضة حتى النهاية.

انقلب السحر على الساحر في إدلب. فمقابل ضبط الاستقرار من قبل وحدات الجيش السوري المتبقية هناك، وامتصاص هجوم «النصرة» المستمر على ما تبقى من مواقع للدولة السورية، جاءت مجزرة الدروز في ريف المحافظة الشمالية لتنقل الحالة الدرزية إلى مستوى من التمترس غير المسبوق منذ بداية الأزمة في سورية. فما جرى في مطار الثعلة العسكري، ووقف الهجوم عليه من جانب الميليشيات المرتبطة بالأردن والكيان الصهيوني، أتى على خلفية الواقع الجديد الذي قدّمه جبل العرب في أسلوب قيادة معركة الدفاع عن السويداء وذلك وفق اعتراف صحيفة «لوس آنجلوس تايمز» الأميركية التي قالت: «انضمّ الآلاف من سكان محافظة السويداء للقتال إلى جانب قوات الجيش من أجل الدفاع عن مناطقهم، وذلك بعد الهجمات التي قام بها المتمرّدون على ريف السويداء. وقد ساعدت هذه التعبئة الكبيرة من المقاتلين الدروز في صدّ هجوم المعارضة على مطار الثعلة العسكري».

وليد جنبلاط ليس سوى أداة من أدوات التجنيد الصهيونية لدروز سورية، محاولاً بين فترة وأخرى إثارة هذا الملف لدفع الدروز إلى الضفة الأخرى، فمنذ عام 2011 دعا جنبلاط الدروز في جبل العرب إلى «عدم الالتحاق بالخدمة الإلزامية في الجيش السوري». هذا لا يعني بالطبع أن كافة الدروز في سورية هم على قلب واحد مع الدولة السورية، لكن ما جرى في السويداء على خلفية مذبحة إدلب والهجوم على مطار الثعلة، وما استتبعه من هجوم على قرية حضر في الجولان السوري، دفع الدروز في الجزء المحتل من الجولان ونظرائهم في فلسطين المحتلة إلى التحرك لجبه التهديد الذي يتعرض له أبناء طائفتهم في سورية. هنا ارتبك الموقف الصهيوني ممّا يجري بين محرّض على التهجير، وراسمٍ لحدود التدخل الصهيوني العسكري بحجة «حماية الدروز»، إنما من دون جدوى. فما جرى في الجزء المحرّر من الجولان أي في قرية حضر، وما جرى في قرية مجدل شمس المحتلة من استهداف لسيارات الإسعاف الصهيونية التي تنقل جرحى «النصرة»، أعادا وضع الأمور في نصابها، إذ وجدت حكومة نتنياهو وأدواتها في المنطقة نفسها في مواجهة حالة غليان متصاعدة تدفع مخاوف قادة «تل أبيب» من الدروز في ملف وضعهم في سورية أولاً، والمقاومة الشعبية الناشئة في الجولان ثانياً، إلى الحدود القصوى. لذلك تمَّ اتخاذ قرارٍ بالتهدئة حالياً، وعاد جنبلاط إلى لعب دوره بتطويع بعض الدروز إلى جانبه، إنما من دون إسقاط تهديد «النصرة» عن محافظة السويداء ومحافظة القنيطرة في الوقت الحالي.

لا وجود لمرتكزات فعلية للكيان الصهيوني والإدارة الأميركية في جبل العرب. أما الاعتماد على البلعوس وجنبلاط وغيرهما، فلا يقدّم ولا يؤخر في معادلة السويداء والجولان، فيما المقاومة الشعبية تتبلور بشكلٍ أكثر فاعلية في الخاصرة الجنوبية لسورية.

كاتب ومترجم سوري

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى