منارة يافا بوصلةٌ لا تزعم عدّة «يافاتٍ»
نصّار إبراهيم
سأل البحّارة: ما هذا الليل؟
ما هذا البحر، والضباب الذي لا يغيب؟
متى يأتي الصبح، وهل سيعود الهدهد
يحمل غصناً بالبرّ يبشرنا؟
قال البحّار العارف بالمدّ وبالجزر: صبراً
فالنجمة تنبؤني أن الفجر قريبٌ
والأرضَ كذلك
فاضرِب بالمجذاف ولا تيأس وانتظِر الهدهد
أرسِل عينيك في عمق الليل
وانتظِر الضوء
سيأتي في حينه
ومنارة يافا لا تخدع بحّارتها
فهي البوصلة في عتم الليل
بعد القمر الثالث
ومن أقصى الأفق البحري
أطلّت منارة يافا
تضيء وتخبو كالحلم الأوّل
فأضاءت قلوباً يحملها الشوق إلى يافا
عند الشاطئ فجراً سكن البحر
ألقى البحّار المرساة
فغنّى البحّارة للبحر وللصبح وللشاطئ
أما البحّار فيمّمَ صوب البرّ
وهناك أراح في الدفء المطلق قلبَه
سأل البحر: لِم أنت وحدك؟
قال البحّار: لا تستهويني زحمة الموانئ
لي البحر والأرض والسماء
فهناك يبقى القلب نقيّاً
فنبض المنارة يكفيني
ويافا لا تغادر شاطئها
لهذا لست وحيداً
وماذا تنتظر؟
قال: أنا لا أنتظر
بل أطلق مع الغيم أفكاري
قال البحر: وماذا بعد؟
قال البحّار: وهل بعد يافا بعد؟
صمت البحر
هدأ الموج
سكنت الريح
أما البحّار فواصل مع الغيم الراحل رحلته
بعد أن انتصف الليل
نهض البحّار بكل أصالته ليعلن:
غداً نواصل التجذيف نحو أقدارنا
فمنارة يافا بوصلة لا تزعم عدّة «يافات»
والبحّار الماهر لا يخدعه هدوء البحر
والبرق بلا مطر
فيصحّح وجهته
فالملح البحريِّ يعلّمه أن منارة يافا تأخذه
حيث تكون أصول الكلمات
مشى البحّار هادئاً
مشى… ومشى… فابتسم البحر!
من مجموعة قصصية قيد العمل