موسكو: التفاهم النووي مع إيران جاهز 90 في المئة… وواشنطن: التمديد لأيام وارد
كتب المحرر السياسي:
الأيام الخمسة الباقية حتى بلوغ مهلة الثلاثين من حزيران موعد حسم مصير المفاوضات حول الملف النووي الإيراني، تمرّ ببرودة عكس السخونة المتوقعة، حيث صار شبه مؤكد الإعلان عن تمديد المهلة حتى الأسبوع الثالث من شهر تموز المقبل، مع الإعلان ضمناً عن تبلور أرضية كاملة وواضحة للتفاهم ومحاوره وبنوده ومتفق عليها بلا توقعات للمفاجآت. فقد أعلنت واشنطن أنّ التمديد التقني لأيام بعد الثلاثين من حزيران وراد جداً، بعدما كانت طهران قد أعلنت شيئاً مماثلاً من قبل، وصار واضحاً أن القضايا التي تضمّنها الاتفاق الإطار الموقع في نهاية آذار الماضي بين إيران ودول 5+1 قد أنجزت صياغتها بتوافق تامّ بالكامل، وأنّ النقاش حول القضايا المستجدة، مثل المطالبة بتفتيش المنشآت العسكرية الإيرانية واستجواب العلماء الإيرانيين، قد تمّ التوصل لمخارج بصددها، باعتبارها قضايا من خارج الملف النووي، ويفترض لبلوغها تبلور شكوك مبنية على معطيات كافية لدى وكالة الطاقة الذرية تستدعي التوجه لمجلس الأمن الدولي الذي سيصير الجهة المرجعية للملف النووي من الزاوية السياسية بتراضي الفرقاء جميعاً بعد توقيع التفاهم، وتصير صلاحية المجلس في ضوء المعطيات أن يقرّر التوجه لمنح الوكالة في هذه الحالة التفويض والصلاحية اللازمين لمثل هذه الخطوات، أو الرفض أو وضع ضوابط وشروط محدّدة لحالات بعينها.
ما تبقى هو صياغة هذه التفاهمات النهائية من جهة ومن جهة مقابلة حسم الآليات التفصيلية لرفع العقوبات التي تشترط إيران تبلورها مكتوبة لترضى منح تأشيرة وفدها المفاوض على النصوص المتفق عليها، ومنحها صفة الاتفاق المبدئي قبل التوقيع، وهذا ما حدا بنائب وزير الخارجية الروسي سيرغي رياكوف للقول، إنّ نصّ الاتفاق النهائي بين إيران والدول الست الكبرى منجز وجاهز بنسبة 90 في المئة، موضحاً أن هذه النسبة لا تطاول فقط حجم النصوص المنجزة قياساً للحجم الإجمالي للاتفاق، بل طبيعة ونوعية المواضيع التي تمّ التوصل لتفاهمات نهائية مكتوبة حولها ودرجة أهميتها، ليمكن القول أن الباقي لبلوغ النهاية السعيدة هو قطع الـ10 في المئة من الطريق فقط.
هذا المسار الإيجابي يترك الكثير من التبريد الإستراتيجي للتوترات الكبرى في المنطقة والعالم كاتجاه وخيارات، لكنه يشعل الجبهات للإسراع بحمل الأوراق وتسجيل النقاط، ويصيب المتضررين من التفاهم بهستيريا تدفعهم للتصعيد على كل جبهة وفي كل اتجاه، ولهذا شهدت الجبهات العسكرية في سورية والعراق تصعيداً استثنائياً في كل مكان.
التحوّلات الأبرز، كانت انتفاضة الرئيس التركي رجب أردوغان وحزبه على الأكراد في سورية بعد نجاحهم في التقدّم في تل أبيض وريف الرقة، فكانت عمليات التفجير التي شنها انتحاريو «داعش» ضدّ التجمعات الكردية في عين العرب كوباني على دفعات أشبه بحرب إبادة أرادت رسم خط أحمر للميليشيا الكردية، من البوابة التركية عشية تبلور التفاهمات الإقليمية بدءاً من الملف النووي الإيراني، وعلى خلفية ما حملته الانتخابات التركية، من إضعاف لمكانة تركيا ورئيسها، بالقول إنّ ثمة ما لن تساوم عليه تركيا وهو تشجيع الأكراد على بناء شريط مستقلّ على الحدود مع سورية يتواصل مع كلّ من أكراد العراق وتركيا.
بالتوازي مع هستيريا أردوغان، انفجر غيظ النائب وليد جنبلاط مما نشر عن الرسالة التركية والأردنية المتطابقة لمشايخ السويداء حول عدم صحة وجود أيّ ضمانات من جانب الحكومتين لتأمين حماية السويداء من مخاطر هجمات «جبهة النصرة»، وتوجه جنبلاط إلى مشايخ السويداء مندّداً بصمتهم على ما جرى مع عناصر لـ«جبهة النصرة» على أيدي مقاتلين من جبل العرب، متسائلاً عن مغزى الاستقبال بحفاوة عالية للواء علي المملوك رئيس مجلس الأمن الوطني في سورية وما حملته الزيارة من تفاهمات وخيارات، ومندّداً بما فعله شباب الجولان وسط صمت مشايخهم بحق جرحى «جبهة النصرة» الذين يعالجون في مستشفيات الاحتلال، منتقداً عدم توفير «إسرائيل» الحماية لهم.
جنبلاط المنشغل بفشله السوري، يؤجل الكشف عن مبادرته لحلحلة الوضع الحكومي اللبناني الذي بدا مراوحاً في مكانه بلا أفق، مثله مثل جلسات التشريع النيابية المجمّدة، حيث لا حلول ولا تسويات.
الحكومة في حالة ركود سياسي
دخلت الحكومة حالة ركود سياسي قد تستمر إلى ما بعد شهر رمضان في أعقاب تراجع التفاؤل حول عقدة التعيينات العسكرية. ولا توحي المؤشّرات بإمكانية خرق الجمود في الشأن الحكومي. وحدها الانتكاسة الأمنية التي أحدثها تسريب فيديو تعذيب الموقفين من قبل بعض عناصر قوى الأمن الداخلي خرقت الجمود السياسي، الذي يبدو انه مستمر طالما أن المشاورات السياسية لا تزال تراوح مكانها.
من طلب الشيء في غير أوانه عوقب بحرمانه
وجدد رئيس مجلس النواب نبيه بري بحسب ما نقل عنه زواره لـ«البناء» رفضه تعطيل عمل المؤسسات، مشيراً إلى «أن التعطيل ينتقل من مؤسسة إلى مؤسسة، وفي النهاية لن يؤدي إلى النتائج التي يرجوها أصحاب التعطيل». ولفت إلى اللامبالاة من بعض القوى السياسية حيال الملفات المعيشية والمشاكل الاقتصادية التي يعاني منها المواطن، والأوضاع الأمنية والمخاطر الإرهابية».
وإذ شدد بري بحسب زواره على «أن انتخاب الرئيس هو المدخل لإيجاد حل لكل المشاكل العالقة، اعتبر «أن ورقة إعلان النوايا بين «الوطني الحر» و»القوات اللبنانية» لم تقترب من موضوع رئاسة الجمهورية». وعاد بري وكرر أمس أمام زواره تعليقاً على مطالبة عون بتعيين العميد شامل روكز قائداً للجيش، «أن من طلب الشيء في غير أوانه عوقب بحرمانه».
وأكد وزير العمل سجعان قزي لـ«البناء» «أن رئيس الحكومة تمام سلام ينتظر أن تثمر الاتصالات حلولاً لعقدة التعيينات قبل الدعوة إلى جلسة، فكل فريق لا يزال متمسكاً بشروطه، في حين أن رئيس الحكومة لا يريد أن يقطع شعرة معاوية مع أحد، ولذلك يتريث في الدعوة إلى جلسة لمجلس الوزراء بانتظار بروز معطى جديد في الأيام القليلة المقبلة». وشدد قزي على «أن رئيس الحكومة ليس في وارد الاستقالة على الإطلاق.
وكان وزير الدولة لشؤون مجلس النواب محمد فنيش زار الرئيس سلام، وتمنى عليه، بحسب ما علمت «البناء» أن لا يدعو إلى جلسة في شهر رمضان.
ورجحت مصادر وزارية لـ«البناء» «أن تكون العطلة الحكومية في شهر رمضان محاولة لكسب الوقت، على رغم أن الوزير فنيش بحسب المصادر «أبلغ سلام أنهم يتوقعون حلحلة في المواقف».
وأكدت مصادر في الحزب التقدمي الاشتراكي لـ«البناء» «أن الاقتراحات التي تقدم بها النائب وليد جنبلاط لم تنضج بعد»، مشيرة إلى «أن رئيس التقدمي يسعى لتسوية الوضع على قاعدة عدم تعطيل الحكومة».
ولم تؤكد المصادر عقد جلسة لمجلس الوزراء الأسبوع المقبل، «فتصريحات العماد عون مؤشر إلى المزيد من التصعيد».
ورأت أوساط التيار الوطني الحر لـ«البناء» أن الحل الوحيد أمام الرئيس سلام للدعوة إلى جلسة هو إدراج التعيينات العسكرية بنداً أول على جدول الأعمال، وإلا لن تعقد أي جلسة منتجة».
الهيئات الاقتصادية بوق إعلامي لـ 14 آذار
وشكل لقاء الهيئات الاقتصادية في البيال أمس تحت شعار «إعلان 25 حزيران ـ القرار ضد الانتحار»، محاولة جديدة من فريق 14 آذار لاستهداف رئيس تكتل التغيير والإصلاح العماد ميشال عون. وفيما غاب الإصلاح الاقتصادي عن كلمات المتحدثين، كان اللافت تسييسهم اللقاء وتركيزهم على انتخاب رئيس للجمهورية معتبرين «أننا نعيش في دولة مقطوعة الرأس ومقطعة الأوصال والمسؤولون غير معنيين بها»، متوجهين للطبقة السياسية بالقول: «لا تستسهلوا هذه الحال الاعتراضية التي ترونها اليوم، لأنها كرة ثلج ستكبر بدايتها نداء، وقد تكون نهايتها انتفاضة».
وتعليقاً على ذلك، أكد وزير السياحة السابق فادي عبود لـ«البناء» «أن هناك انحرافاً في الدور الذي من المفترض أن تلعبه الهيئات الاقتصادية». ولفت إلى «أن هذه الهيئات تحولت إلى بوق إعلامي لـ 14 آذار وخسرت موقعها الوسطي».
واعتبر عبود «أن الكلام السياسي الذي أورده المتحدثون في البيال وربط الحلول بانتخاب رئيس للجمهورية كان بمثابة انتحار جماعي وليس صرخة ضد الانتحار، حيث بدا هؤلاء كمن يطلق النار على نفسه».
ولفت إلى «أن الحل لكل المشاكل يكون بانتخاب رئيس قوي حائز على ثقة اللبنانيين، يتعاون مع فريق عمل وعدة للإصلاح، عندها من الممكن أن نرى إصلاحاً في الوضع الاقتصادي».
واستغرب عدم إشارة أحد من المتحدثين إلى الوضع الإقليمي المتأزم وتداعياته على لبنان الذي على رغم ذلك، فإن أرقامه الاقتصادية لا بأس بها»؟ كذلك لم يأت المتحدثون على عزل لبنان براً وعدم تمكنه من تصدير وارداته؟ معتبراً «أن الغاية الاقتصادية من عقد المؤتمر لم تكن ظاهرة».
كنعان إلى معراب الاثنين
من ناحية أخرى، يتوجه أمين سر تكتل التغيير والإصلاح النائب إبراهيم كنعان الاثنين المقبل إلى معراب لبدء البحث في المرحلة الثانية من الحوار بين التيار الوطني الحر والقوات. وعشية زيارته معراب، زار كنعان موفداً من العماد عون البطريرك الماروني بشارة الراعي ووضعه في أجواء الحوار بين الجانبين بعد إعلان «بيان النيّات». وتزامنت الزيارة مع بدء استطلاع الرأي بأخذ عيّنات من فئات مهنية عدة، والمتفق عليه بين الرابية ومعراب، لتحديد الأقوى مسيحياً.
تيار المستقبل بين حدّين
في وقت، لا يزال ملف سجن رومية والشريط المسرب عن تعذيب سجناء محل اهتمام لدى المعنيين، لا سيما وزير الداخلية والبلديات نهاد المشنوق الذي ترأس اجتماعاً أمنياً حضره عدد من القادة الأمنيين، طالباً من القادة العسكريين المعنيين ضرورة المتابعة اليومية لأوضاع السجن على المستويات الأمنية والإنسانية واللوجستية، والبنى التحتية، «على أن يشرف شخصياً على حسن المتابعة لهذا الملف». وأوعز إلى القادة المعنيين بضرورة تأمين حافلتين لنقل أهالي السجناء من مدخل سجن رومية إلى مكان لقاء أبنائهم.
وأظهرت التحقيقات مع الموقوفين الخمسة تورط 4 أسماء جدد، يتوزعون بين مدنيين وعسكريين، سيستمع قاضي التحقيق العسكري الأول رياض أبو غيدا إلى إفاداتهم الاثنين المقبل.
وأكدت مصادر نيابية في تيار المستقبل لـ«البناء» أن «التيار يقف بين حدين في هذا الموضوع، الأول هو رفض الصورة التي ظهرت من سجن رومية من خلال الفيديو المسرب عن تعذيب سجناء لأن السجناء أيضاً لهم حقوق على الدولة حتى يحاكموا وتنتهي مدة محكوميتهم، ولا تجوز الإساءة إليهم بهذه الطريقة، أما الحد الثاني هو رفض الانتقاص من هيبة وسلطة الدولة بل صون حقوق الناس ضمن سيادة وهيبة الدولة».
وأشارت المصادر إلى «أن لا خلاف بين الوزيرين ريفي والمشنوق بل هناك اختلاف في وجهات النظر في بعض الملفات، وكتلة المستقبل لديها الثقة التامة بالمشنوق». ورفضت المصادر التعليق على ما حصل من ردود فعل في الشارع على الشريط، ولفتت إلى «أن الشارع اللبناني يريد أن يكون هناك أمن في كل المناطق اللبنانية».
وحمل عضو هيئة علماء المسلمين الشيخ حسام الغالي في حديث إلى «البناء» مسؤولية ما حصل في السجن وما أعقب ذلك من تحركات في الشارع إلى الدولة اللبنانية». وطالب بفتح أبواب كل السجون أمام المنظمات الحكومية لعدم تكرار ما حصل في سجن رومية». وقال: «نحن لدينا كربلاء السنة، نتعرض لمظلومية كبيرة، فهناك الكثير من السنة يحاسبون على فكرهم فقط لأنه قريب من فكر تنظيم داعش». وادعى «أن أداء الدولة هو الذي يزيد منسوب التطرف في لبنان».
ودعت كتلة الوفاء للمقاومة إلى التنبه من عواقب ردود الفعل المتفلتة وإلى الحذر من لعبة الشارع وإثارة غرائز الجمهور لإسقاط منطق القانون والعدالة المرتجاة. ودانت عقب اجتماعها الأسبوعي المواقف الانتهازية الرخيصة التي تذرعت بإدانة التجاوزات لتحرض طائفياً ومذهبياً وتلوّح بخيارات تقسيم البلاد أو التفرد في حكمها، وهي خيارات تستعيد منطق الحرب الأهلية وشعاراتها قبل اتفاق الطائف. من ناحية أخرى، تمكن حزب الله والجيش السوري من دخول معبر شحادي في جرد الجراجير وسيطرا بالنار على معبر وادي المغارة.
وقالت مصادر عسكرية مطلعة على سير العمليات لـ«البناء»: «أن معبر شحادي يقع شرق عرسال وهو خط إمداد أساسي لمسلحي جبهة النصرة في جرود عرسال حيث يمر كل التموين المؤلل من السيارات والآليات عبره. ولفتت إلى «أن السيطرة عليه هي سيطرة بالنيران وليست سيطرة كاملة». وأشارت إلى «أن هذه السيطرة توازي عمليات قامت بها المقاومة منذ بداية الهجوم على جرود عرسال». وأكدت «استمرار المقاومة بعمليات قطع طرقات وخطوط الإمداد عن المسلحين في المنطقة».
المختطفون لدى «داعش» على قيد الحياة
إلى ذلك، لم يطرأ أي جديد على ملف العسكريين المختطفين، واستغرب نظام مغيط، شقيق المعاون الأسير إبراهيم مغيط في حديث إلى «البناء» رفض المسؤولين في الدولة «استقبال أهالي العسكريين أو إطلاعهم على سير وتطورات المفاوضات مع الجهات الخاطفة».
وأكد تواصل الأهالي مع عضو خلية الأزمة اللواء محمد خير من دون معرفة أي معلومات على هذا الصعيد. واستبعد حصول أي تسوية، كما يقول البعض، مؤكداً «أن الأهالي يبحثون بأنفسهم عن قناة تواصل مع الخاطفين».
وأشار إلى «أن الأهالي تلقوا اتصالاً من الشيخ وسام المصري الذي يتواصل مع تنظيم داعش أبلغهم فيه أن العسكريين التسعة لدى داعش لا يزالون على قيد الحياة».