القوّة الفائضة للعنف… وخريطة المصالح الجديدة

خالد العبّود

أمين سرّ مجلس الشعب السوري

هناك قوّة زائدة وفائضة للعنف، اشتغل عليها أصحاب مشروع العدوان على سورية. تشكلت هذه القوة بفضل التعويل عليها كقوة وعامل الحسم في القضاء على الدولة السورية وإلحاق الهزيمة بمؤسساتها.

غير أنّ استراتيجية الدفاع عن الذات التي وضعتها الدولة السورية حالت دون إلحاق الهزيمة بها، كما ساهمت هذه الاستراتيجية في تظهير القوة الفائضة أو الزائدة والإبقاء عليها عنصراً رئيسياً من عناصر مشهد المنطقة، فالدولة السورية لم تذهب لمقابلة هذه القوة بكامل ثقلها الناري، أو على كامل الجغرافيا السورية، حيث أبقت عليها قوة منتشرة متراكمة في جغرافيات أخرى غير مؤثرة.

هذه الاستراتيجية أنشأت خارطة مواجهة جديدة، أهمها أنّ جسداً واسعاً من القوى المعدّة لإسقاط الدولة بقيت موجودة وحاضرة، إنما غير مؤثرة. بمعنى آخر، لقد تم الاشتغال على تحييدها، أو إبطال فعلها، من دون القضاء عليها قضاء مبرماً، فالقضاء المبرم يحتاج إلى طاقة أوسع وكلفة أكبر، وهذا بحدّ ذاته يلحق ضرراً شديداً بجسد القوات المسلحة السورية.

إن استراتيجية الحيلولة دون تفتيت القوات المسلحة السورية وتشتيتها، والمواجهة فحسب في المواقع الضارة بوجود الدولة ومؤسساتها، جعل تعويل مشروع العدوان على حجم القوة هدفا بحدّ ذاته، وهي النقطة التي أسست لحالة تثقيل بشري لا تقوم في أساسها على هدف سياسي محدّد، بقدر ما كانت هذه الكتل البشرية تُستعمل استعمالاً لحظيّاً، بمعنى أنّه لم يتم التفكير بثقلها وحضورها ووجودها لاحقاً على مستوى المنطقة، إذ فكر البعض أنّها يمكن أن تحرز النصر، أي هَزْم الدولة السورية، وهذا يكفي. ولم يفكر هؤلاء، أو لم يضعوا استراتيجية التخلص من هذه الحالة لاحقاً.

إنّ الإبقاء على هذا الكم البشري المسلح والاشتغال على تحييده عن إمكان التأثير على الدولة كدولة، شكل فائض قوة أو قوة زائدة. هذه القوة لم تبق قادرة على الفعل الذي جاءت أو أُعدّت لأجله، ما سيدفع هذه القوة الزائدة أو الفائضة إلى الاستطالة والتمدّد في اتجاه جغرافيات أخرى تتجاوز من خلاله المكان الذي أعدت لأجله، أو دُفعت إليه، فعنصر السيطرة عليها لم يعد سهلاً، كون أنّ ثمة اشتباكاً استخبارياً من جهة أخرى سوف يدفع في اتجاه عناوين جديدة لوجود هذا الجسد أو هذه القوة وحضورهما.

إنّ الخريطة الجديدة المحمولة على فائض القوة التي تشكلت على أكتاف العدوان على سورية، سوف تساهم في رسم معالم ورئيسيات خريطة عنف إقليمي. لعلّ ذلك اتضح في مواقع وأماكن تجاوزت الجغرافيا السورية، ولم يتضح في بعض المواقع والأماكن الأخرى. هذه الخيطة من العنف سوف تتجاوز الجغرافيا السورية والعناوين السورية، وسوف تصل في ارتدادتها واستطالاتها الرئيسية إلى رؤوس مؤثرة جداً على أمن واستقرار الإقليم، وسوف تصل إلى عناوين أخرى ذات علاقة بمصالح دولية وإقليمية مهمّة جداً.

إنّ خريطة العنف الجديدة سوف تنشأ عليها خريطة مصالح جديدة تتجاوز العنوان الأساسي للعدوان على سورية، وسوف تتخطّى هذه المصالح المصالح الرئيسية التي قام العدوان لأجلها، وما سوف يدفع إلى تشكيل خريطة مصالح جديدة تتجاوز جميع الخرائط السابقة.

لا يمكن لهذه الخريطة الصاعدة أن تبقى بعيدة عن إلحاق الضرر بمعظم مكوّنات الإقليم، ومعظم المصالح المرتبطة بأمن الإقليم أيضاً. ولا أعتقد أن هذه الخريطة سوف تُواجه بمزيد من القوة فوق فائض القوة، ولا أعتقد أن هذه الخريطة وتلك المصالح سوف تُواجه أيضاً بمزيد من الاشتباك لفض الاشتباك، أو لإلحاق الهزيمة بالدولة السورية، إذ أضحى جلياً أن التعويل على العنف سيأتي بمزيد من العنف للمنطقة بأسرها، وأن مزيداً من فائض القوة سوف يعقّد أكثر خريطة العنف الإقليمي، وسوف تنشأ مصالح جديدة مرتبطة بالعنف ذاته، وهو الشرط الذي لا يمكن أن يؤمّن عناصر تبريد واستقرار المنطقة!

أضحى المشهد الآن معقّداً جداً، والزمن ليس في مصلحة أحد من مكوّنات خريطة مصالح المنطقة، ولا يمكن لهذا المشهد أن يخرج من عقدته إلاّ بفضل فضّ اشتباك كامل. فضّ الاشتباك هذا سوف يتجاوز المعنى الكلاسيكي للتراجع عن جملة مواقف تبنتها أو اتخذتها قوى إقليمية ودولية في عدوانها على سورية، فالأمر أضحى أكبر وأوسع وأعقد من أن يكون متعلقاً بمنع التسليح أو التجييش، إنما لا بد من أن يتطوّر هذا الموقف لتعاون استرتيجي ضروري كبير تتوقف عليه مصالح كلّ مكوّن من المكوّنات المتعلقة بأمن المنطقة واستقرارها.

إنّ خريطة المصالح التي سوف تُبنى على خريطة العنف على مستوى المنطقة، لا يمكن أن تكون من دون فهم دقيق للمصالح الناشئة ذاتها، فأيّ فهم غير دقيق أو موضوعيّ لهذه المصالح سوف يجعل أصحابها خارج نطاق هذه الخريطة، وبالتالي فإن أمن المنطقة لا يمكن أن يكون من دون عمل مشترك جامع، ولغة جديدة مشتركة تضمن عامل أمن إقليمي، وكل من سوف يفكر بلغة منفردة غير جامعة سوف يكون خارج النسق العام لصيغة أمن المنطقة أخيراً.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى