المرأة بطلة لوحات التشكيليّ نزار حطاب لأنها الوطن والحبيبة والابنة
محمد سمير طحّان
تحفل لوحة التشكيليّ نزار حطاب بالمرأة بطريقة ساحرة، فيها أجواء سريالية على رغم اعتماده الواقعية التعبيرية كأسلوب فنّي. لكن الهارموني اللوني الخاص بريشته يصنع من التكوين الأنثوي على سطح اللوحة أشبه بحلم جميل لا يريد أن ينتهي مع طغيان للأزرق القرمزي على أغلب لوحاته مما يضعها في طبقات سماوية مع الغيم لتبدأ رحلة فك رموز هذا العمل الفني.
وعن علاقته بلوحته يقول التشكيليّ: «إنّ علاقتي باللوحة علاقة محبّ بحبيبته أو أب بابنته ووطنه، والمرأة هي البطلة في معظم لوحاتي لأنني أرى فيها تعبيراً عن كل ما أستطيع أن أحكي عنه، فهي الوطن والحبيبة والابنة».
ويوضح حطاب أن المشروع الفني الذي يعمل على إنجازه حالياً، تقديم منعكسات الحرب على الإنسان السوري من وجع وآلام من خلال اللوحة واللون وعرضها في معارض في جميع أنحاء العالم، سواء كانت معارض فردية أو مشتركة.
ويرى التشكيلي ابن مدينة حلب أن الأزمة أثّرت بشكل كبير على الحركة التشكيلية السورية وعلى عمل غالبية التشكيليين، من غلاء أسعار مواد الرسم والخامات اللازمة لإنجاز العمل الفني، وصولاً إلى تهجير التشكيليين من مراسمهم بفعل الإرهاب التكفيري والتشويش على أفكارهم وإصابة عدد منهم بحالات اكتئاب، وابتعادهم عن ممارسة عملهم الفني لأنهم لا يعيشون في ظروف حياة عادية.
ويجد حطاب أن واقع الحياة التشكيلية عانى من سلبيات قبل الأزمة في عدم وجود احتضان مجتمعي للفنان التشكيلي، كي يتفرغ لإبداعه، ما يجعله ينتج فناً على حساب قوت عيش أسرته، لتزداد معاناته بعد الأزمة. وفوق كل ما ذكر توقفت حركة الاقتناء والبيع للأعمال الفنية مع إغلاق الصالات الفنية الخاصة.
ويوضح التشكيلي الحطاب عمّا يعتبره تقصيراً رافق عمل المؤسسات التشكيلية قبل الأزمة قائلاً: «طغت المصلحة الفردية على حساب مصلحة الحركة التشكيلية ككل، وظهرت الشللية في غالبية النشاطات والفعاليات من معارض وملتقيات وندوات وغيرها، وغُيّبت أسماء مهمة من دون أسباب حقيقية، إلى جانب تكريس الصالات الخاصة الاهتمام بأسماء فنانين محدّدين ورفع أسعار أعمالها دون غيرها، لإعطائها صفة الأهمّ بين تجارب الفنانين. ما انعكس سلباً على الحركة التشكيلية عموماً».
ويتابع: «لا يزال التقصير ذاته في التعاطي مع الشأن التشكيلي مع إمكانات محدودة نوعاً ما. كما أن الصالات الخاصة نقلت نشاطها إلى الخارج مع الاستمرار بالتركيز على أسماء محددة من الفنانين تحتكر إنتاجهم وتسوقه بأسعار عالية، مستغلة حاجتهم إلى البيع، ومتجاهلة تجارب فنية مهمة أخرى تنتظر الوصول إلى المقتنين».
ويفضل الحطاب أن يشكل بصمته الفنية في بلده وينطلق منه إلى جميع أنحاء العالم على أن يهاجر ليقدم عمله في الخارج لاكتساب الشهرة والسمعة الفنية التي ترفع من أسعار أعماله. مشيراً إلى أنّ مسألة الشهرة وبيع الأعمال نتيجة منطقية لأي تجربة فنية جادة ومهمة، وسيحصل عليها الفنان وهو في بلده من دون أن يسعى وراءها في بلاد الاغتراب.
وعن هوية التشكيل السوري يوضح الحطاب أن الفن التشكيلي السوري بدأ نشاطه على شكل تجارب فردية للرواد وأخذ كل واحد يقدم مدرسة فنية مختلفة عما يقدمه الآخرون. وبدأت تظهر تأثيراتهم في التجارب الفنية الجديدة، ثمّ تشكلت عدة تجارب مهمة لكنها لم تنتج هوية خاصة للفن السوري. معتبراً أن الفن عموماً ابتعد عن الخصوصية المحلية والسمات العامة لمجتمع ما نحو فن عالمي ومدارس تشكيلية تغزو العالم كله.
ويرى الحطاب أن الحصار المفروض على المؤسسات السورية ومحدودية الفعاليات الفنية العالمية في الداخل والخارج يمكن أن يستعاض عنها بمجهود الفنان الفردي وبمشاركاته الشخصية في الملتقيات والمهرجانات والندوات والمعارض لينقل تجربته الفنية الشخصية أولاً، ويقدم صورة عن الفن التشكيلي السوري ثانياً. مشيراً إلى أنه يسعى إلى تقديم الهوية السورية عبر لوحاته التي يرسمها ليحافظ عليها، خصوصاً في هذه الفترة التي يجب أن يسعى كل سوري إلى إيصال صورة الواقع الصعب الذي نعيشه للعالم، مع تقديم هويتنا الإنسانية والحضارية الحقيقية لكل الناس.
ولا يجد التشكيلي الحطاب مشكلة في اتباع المدارس الفنية الحداثية وما بعدها من قبل التشكيليين السوريين الشباب، لأن الفن في تطور مستمر، وهذا لا يلغي الهوية السورية بل يطورها ويفتح أمام اللوحة السورية آفاق جديدة من التسويق للوصول للعالمية ببصمة سورية خاصة على حد تعبيره.
ويعبّر الحطاب عن تفاؤله بمستقبل الحركة التشكيلية السورية، ويختم حديثه بتقديم النصح للتشكيليين السوريين الشباب بضرورة الاستمرار بالعمل من دون توقف، مع عدم ارتهانهم لمزاجية الصالات الخاصة، والابتعاد عن الاحتكار، وتقديم فن يشبههم ليضعوا بصمتهم في الفن السوري والفن العالمي.
الفنان نزار الحطاب من مواليد عام 1969، وهو خبير فني بعلم البصمات والخطوط والكشف عن التزوير، خريج معهد الأدلة الجنائية في القاهرة وخبير معتمد لدى وزارة العدل السورية. وهو محكم تجاري، خريج المعهد العربي للتحكيم والتسويات البديلة ـ عمّان ـ الأردن، وعضو المؤتمر العام لاتحاد الفنانين التشكيليين السوريين، وعضو شرف في المركز العالمي للفنون التشكيلية. وهو مدرّس الفن وعلم الجمال في مدارس أبناء الشهداء، وله مشاركات بمعارض رسمية داخل سورية وخارجها، وحائز على عددٍ من شهادات التقدير والميداليات.
ومن أعماله المنفّذة، جداريات في قاعة الشرف في سد الفرات وفي سد تشرين وفي مديريتي الخدمات الفنية والتدريب والتأهيل في حلب، وله عدد من الأعمال المقتناة في إيطاليا وإنكلترا وألمانيا وتركيا والسعودية ودبي ومصر وفرنسا وأميركا والكويت والأردن وغيرها.