بين المسار والمصير… أين سقط المشروع؟
فاديا مطر
لم تخرج أطراف الحرب على سورية من خطط وميادين الحروب المباشرة التي تستدعي في الاستراتيجيا العسكرية قيادة من غرفة عمليات تقود التكتيكات العسكرية بعمق في الواقع الميداني، لتضع على طاولات غرفها رهانات وسيناريوات تحمل دلالات واضحة لجهة عمليات الدعم المالي واللوجستي والاستخباراتي للجماعات المسلحة الإرهابية التي تتزود من الجانبين الأردني و«الإسرائيلي»، وهو ما سميت «عاصفة الجنوب» المسبقة التنسيق مع «نصرة» «إسرائيل» صاحبة الحرية في التمركز والتحرك والهجوم بالتعاون مع غرفة «الموك» الأردنية التي تتداخل ميدانياً مع ميزان القوى في الجنوب السوري، والتي قادت بمحركاتها الأميركية هجوم درعا للتعاطي مع وقائع الميدان بطريقة الحسم، فهي استراتيجية الأسلوب الاميركي «البراغماتي» في ما يخص التقسيم الجيوسياسي في خطوط التماس العسكرية، وهو عمل على «قاعدة» حسم المناطق العسكرية بالعقل الأميركي واليد التكفيرية التي أحترقت سريعاً في معركة «عاصفة الجنوب» في 27 حزيران الجاري والتي لا يمكن فصلها عن الرهان الافتراضي على المنافسة والسباق التركي في الشمال السوري وعن الواقع الميداني الكلي للحرب على سورية، لتكون النظرة الشمولية مرتبطة بأحداث الشمال التي شهدت تراجعاً «أردوغانياً» في تركيا على خلفية انتخابات 7 حزيران الجاري، وخسارة القلمون الاستراتيجي الذي فرض الانتقال إلى صنع قواعد اشتباك جديدة في الصراع ونقل مصرعي الباب إلى جغرافية جديدة بمغامرة غير محسوبة من نافذة ما سقطت فيه السعودية كداعم مالي من أزمة عسكرية في اليمن بدأت ترتد عكسياً على اتجاه ريح عواصفها، ليبدأ اللعب على الحواضن الاجتماعية في السويداء بعد مجزرة «قلب لوزة» في 15 حزيران الجاري والرهانات «الجنبلاطية» على «النصرة» في دخول الواقع «الدرزي» ومطار الثعلة العسكري أملاً بالتأثير في معنويات الجيش السوري وخطوط امداده الشريانية، وهو ما انعكس إقبالاً من شباب السويداء للتطوع في الجيش السوري وتشكيل مجموعات الدفاع الشعبية المساندة للجيش، لينتقل اللاعبون الارهابيون إلى لعبة ربط الريف الحوراني بشبعا في 17 حزيران الجاري، وربطاً بسفوح جبل الشيخ على أمل التقدم في مدينة القنيطرة بغاية فك الطوق عن قرى سفح جبل الشيخ المؤدي إلى بلدة شبعا لربط الريف الحوراني مع جبل الشيخ والجولان المحتل وصولاً الى الحدود الأردنية، فهو ما سقط في مجمع الفشل الدراماتيكي العسكري والسياسي، ليقف المشروع أمام ما بقي من فرصة أخيرة قبل انتهاء المفاوضات مع إيران والتي باتت القناعة الاميركية تترسخ باتجاه نتائج تؤيد التوقيع المؤكد، الذي يضع السعودية و «اسرائيل» في موقع الأكثر قلقاً لجهة ما لإيران من قدرة على التفاوض بأدق التفاصيل والصمود في وجه التهديدات، الأمر الذي اعترفت به الولايات المتحدة على لسان وزير خارجيتها «كيري» في 25 شباط الماضي بأهمية دورها في مكافحة الإرهاب الذي يعصف في المنطقة كما نقلت وكالة «سكاي نيوز» عن الوزير كيري لوجود مصلحة مشتركة لبلاده مع أيران بمكافحة «داعش»، وهو ما يجعل الدور الإيراني متعاظماً أكثر بعد الاتفاق لحل معضلات إقليمية مع ارتفاع وتيرة الصراعات، مما سيطاول علاقات إيران الخارجية في ملفات الصراع الإقليمي وطرق إدارتها وهو ما يجعل خفايا النوايا الأميركية تنظر إلى تنسيق مع إيران ضعيفة بحلفائها، فهو سبب ما جعل اليد الصهيو ـ عربية تمتد إلى درعا والشمال السوري الذي استنفذت فيه المجموعات التكفيرية كل جعبتها من إرهاب، وسط تبادل للاتهامات والتخوينات على وقع ما رزحوا تحته من خسائر لمئات القتلى والآليات وصمود الجيش العربي السوري، لتكون إعادة الكرّة هي تكرار للفشل الذي صبغ لونه في صفوفهم، فقد هرب من هرب وخرج من خرج واستقال من استقال على خلفية ما فقدوه من قيادات أعلنت عنها «النصرة» في 26 الجاري بعد خسارة أكثر من 250 مسلحاً خلال 48 ساعة وتفشي اتهامات الخيانة والتقاعس بين صفوفها بعد إعلانها خسارة غرفة العمليات في جنوب شرقي درعا 27 حزيران الجاري وسقوطها باستهداف الطيران السوري فوق رؤسهم لتتوالى التصريحات في مواقع التنظيمات التكفيرية على وقع مقتل أكثر من 200 مسلح وجرح أكثر من 300 آخرين بينهم أكثر من 70 قيادياً، وهو ما دفع الجيش السوري المدعوم شعبياً إلى الهجوم المعاكس على المناطق الفاصلة بين السويداء ودرعا، لتتضح صورة لا يمكن دفنها تحت أي تكتيكات إعلامية أو سياسية أو عسكرية يحيط إطارها بمقولة أن غرفة «عاصفة الجنوب» التي سقطت على رؤوس قياداتها هي سقطت ايضاً على رأس مشروع الحرب على سورية بعد ما كان مرسوماً ومخططاً من حشود ونيران ولوجستك، فهي انهيار لقواعد مشروع حرب كاملة بكل ما حملت الكلمة من معاني سياسياً وعسكرياً ليحتضر تحت انقاض غرفة العمليات بجانب الفتنة والتفتيت في درعا والسويداء، وعلى قبره شاهدة كُتب عليها «بداية حسم مسار ومصير الحرب على سورية».