التدخل العسكري التركي في سورية… النهاية
عامر نعيم الياس
لا يوفّر الرئيس التركي مناسبةً للحديث عن التدخل العسكري في سورية وإقامة منطقة آمنة داخل أراضيها، كشرطٍ مسبقٍ لأيّ تعاون تركي فاعل في الحرب التي يقودها الرئيس الأميركي باراك أوباما على «القاعدة» الجديدة. لكن الطلب الموجّه من أردوغان إلى قيادة الجيش التركي بالتدخل العسكري الفوري في سورية على خلفية تقدّم الأكراد في شمال سورية، وخطر ذلك «على الأمن القومي التركي»، وردُّ الجيش التركي على الطلب بقوننته عبر تقديمه مكتوباً بشكل رسمي أولاً، واللعب على عامل وقت تشكيل الحكومة التركية ثانياً، كل ذلك يجعل من هذا التطوّر حسّاساً إلى أبعد الحدود، وخطيراً في سياق اختلاط أوراق اللعبة على الأرض السورية.
ممّا لا شك فيه أن النتائج الأخيرة للانتخابات البرلمانية التركية شكّلت خبراً سارّاً للإدارة الأميركية. فالمطلوب من أنقرة ترشيد سلوكها في الحالة السورية. بما يعنيه ذلك من انضباط ضمن سياسة أوباما، وترك أكراد سورية مشروعهم تحت المظلة الأميركية، وعدم دعم «داعش» مباشرةً في لعبة الشمال السوري، الذي صار المسرح الأساس لرهان كافة الأطراف المنخرطة في الحرب على سورية على امتلاك الورقة الأقوى جغرافياً وعسكرياً وتفاوضياً. كل تلك الأمور ضرب بها أردوغان عرض الحائط عندما دفع «داعش» عبر الحدود التركية مع عين العرب إلى ارتكاب مجزرةٍ في المدينة، أراد منها التذكير بحضوره وأوراق قوّته، التي تزامنت مع التسريبات حول التدخل في سورية بحجة ضرب الأكراد، والحفاظ على الميليشيات «المعتدلة» التي تسيطر على معبرَي باب الهوى وباب السلامة في مواجهة تقدّم «داعش»، من دون أن نسقط هنا معبر جرابلس الذي يعتبر الشريان الرئيس لرفد «داعش» بما يحتاجه، والمشمول بخطة أردوغان للتدخل العسكري، التي تأتي في جزء منها لقطع الطريق على تشكيل الحكومة التركية وتمييع نتائج الانتخابات بحجة التهديدات التي تحيط بالأمن القومي التركي. فهل تصدق حسابات أردوغان أم أنها نهايته؟
الحكام الذين من نوع أردوغان غالباً ما يخطّون نهايتهم بأيديهم. لا أحد يتدخل في رسم طريق النهاية لهم. هو يتولّون رسمه عبر الإصرار على تنفيذ أحلامهم من دون أخذ المتغيّرات من حولهم بالاعتبار. فعلى رغم عدم وجود استراتيجية أميركية واضحة الأهداف في سورية، إلّا أن الأكراد ورقة أميركية يعني التدخل في مواجهتها، صداماً مباشراً مع التحالف. فهل يصطدم أردوغان مع واشنطن؟ هذا ما أدركه الجيش التركي عبر رئيس أركانه نجدت أوزال الذي رفض طلب أردوغان، آخذاً بالاعتبار نتائج الانتخابات التركية والتوازنات السياسية وحتى الدولية المرتبطة بواشنطن تحديداً، والتي ترفض التدخل العسكري المباشر لأيّ قوة عسكرية منظمة في سورية.
وفي هذا السياق، تحدثت التسريبات الإعلامية عن تساؤل رئيس الأركان التركي عن موقف «الولايات المتحدة وروسيا وإيران» من التدخل العسكري التركي المباشر في سورية.
من جهة أخرى، يبدو الصدام مع الأكراد والجيش السوري الذي أفشل الحزام المتصدّع مستعيضاً عنه بخطّ الصدّ، أمراً في غاية الصعوبة. إن افترضنا تحييد «داعش» في المرحلة الأولى وتبادل الأدوار بينه وبين جيش أردوغان، وإن كان هذا الاحتمال ضئيلاً في ضوء وجود فصائل أخرى على الأرض أكثر ارتباطاً بتركيا من الميليشيات التركمانية إلى «جبهة النصرة» والحركات السلفية التي تسيطر على المعابر الحدودية مع تركيا، وهو ما يفرض صداماً مع «داعش» عاجلاً أو آجلاً. فهل بوسع أردوغان الخاسر في الانتخابات مواجهة «داعش» والجيش السوري والأكراد؟ وهل تقبل الولايات المتحدة توحيد الجهد بين الجيش السوري والأكراد في شمال البلاد في مواجهة التركي، الذي صار عدواً وجودياً لكلا الطرفين؟
أصرَّ هتلر على أحلامه، لم يأخذ المتغيرات بالاعتبار، مثله مثل نابوليون الذي حشد 600 ألف مقاتل في مواجهة الروس وفشل. واليوم يطالعنا أردوغان بورقة التدخل العسكري في سورية. هو الحلم الأخير والورقة الأخيرة في وجه الجميع، لا نقلّل من خطورتها، لكنها ستكون نهاية اللعبة بالنسبة إلى أردوغان وحزبه الإخواني.
كاتب ومترجم سوري