الجيش اللبناني… إضعاف أو تفكيك؟
روزانا رمّال
الحديث عن تفكيك الجيوش العربية دخل مرحلة الواقع منذ ان اشتعلت أولى شرارات الربيع العربي وتدحرجت لتصل الى أكثر من دولة مجاورة حتى صبغت المنطقة العربية بصبغة الإرهاب والدول المتوترة التي من الأفضل تجنّبها كبقعة جغرافية في خريطة المنطقة، وباتت سفارات العالم تحذر من زياراتها ما خلا الضرورات القصوى.
كان من المفترض حسب وعود الدول الكبرى وطموحات الشعوب ان تعمل الانتفاضات الشعبية على إصلاح أكبر قدر ممكن من الفساد الحكومي المستشري في الدول ودعم المؤسسات الأمنية والدستورية، إلا أنّ ذلك لم يحصل حتى في دولة واحدة من دول الربيع المفترض.
في سورية سرعان ما ظهر أنّ المعارضة التي قيل إنها خرجت تنادي بالإصلاح، ليست سوى مجموعات مسلحة كـ«الجيش الحرّ» الذي لا يخفي علاقاته بقوى خارجية لا تريد الخير لسورية من جهة، وتنظيمات ارهابية متعدّدة العلاقات الاستخبارية والدولية كـ«داعش» و»جبهة النصرة» وأخواتهما من جهة اخرى، عدا المحاولات المستمرة لزرع الشقاق بين صفوف الجيش العربي السوري ورصد موزانات هائلة لهذا الهدف. ومن دون ادنى شك وعلى الرغم من الصمود الواضح للجيش السوري طيلة ما يقارب الخمس سنوات وقدرته على استعادة الأراضي من يد الإرهاب بخطط مبرمجة ومتدرّجة، إلا انّ خسائره البشرية واللوجستية في هذه الحرب كبيرة وكبيرة جداً.
أكثر ما يقلق في هذا الإطار أنّ الجيش السوري لم يكن وحده المستهدف جراء «الانتفاضات»، او بعد النجاح في تغيير الأنظمة على أبعد تقدير، إلا أنّ الجيش السوري الذي استطاع الصمود لأسباب عديدة أبرزها عقيدة فريدة وطنية وقومية يتميّز بها السوريون عموماً، ووجود حلفاء جدّيين واستراتيجيين، بدا وحده القادر على تلقف الأزمة وتردّدتها رغم معرفته انه جيش مستهدف أولاً وأخيراً من «الإسرائيليين» الذين يعرفون جيداً انّ تفكيك الجيش السوري هو أولوية ثابتة عندهم لإضعاف مقدّرات حلف إيران سورية حزب الله، اما باقي الجيوش العربية كالجيش العراقي واللليبي واليمني الغير معروفة المصير يبدو أنها تفككت بشكل أوضح وأدخلت البلاد التي تنمتي اليها في نفق مظلم قد لا يبصر النور قريباً.
كان العراق أسوأ الامثلة على تفكك الجيوش رغم محاولة الأميركيين لعب دور الراعي لقوات الأمن العراقية ولملمة الأوضاع في العراق، لكنها لم تنجح منذ أكثر من عشر سنوات، لا بل ازدادت اليوم سوءاً وتبيّن ضعف الجيش العراقي بعد اجتياح «داعش» لمحافظات بارزة وظهرت المذهبية التي غذتها الولايات المتحدة داخل الجيش لإبقائه ضعيفاً ونقل الضعف والتفكك عبر العراق إلى الجوار.
تعرف «إسرائيل» انّ المشهد برمّته لا يخدم سوى الإبقاء على جيشها، الذي قيل يوماً إنه «جيش لا يقهر» في المنطقة، حيث عرفت انّ معظم الجيوش العربية اليوم الفاعلة والقادرة على تشكيل نواة ضدّ مشروعها في ايّ يوم من الأيام بقاعدة شعبية وعسكرية قد تلاشى خطرها وتحوّلت مقدّراتها من «جيش» الى «شرطة»، في ما عدا الجيش السوري، الذي لا يزال بما راكمه من مهابة وخبرات في هذه الحرب يُحسب له ألف حساب، لكن يبدو أنّ المشروع نفسه يستكمل الطريق نحو مصر التي شهدت في اليومين الماضيين عملية اغتيال غريبة عن الشارع المصري دخلت معها البلاد توتراً غير مسبوق، واستعرت فيها معارك الجيش المصري ضدّ «داعش» في سيناء.
يبدي رئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري في هذا الإطار أمام زواره قلقه مما يجري على الجيوش في المنطقة، معتبراً أنّ المخطط المرسوم لا ينوي ان يترك ايّ جيش عربي قوي ومتماسك. إنّ قلق الرئيس بري ومعه كلّ الحريصين والحذرين من المشهد الخطير يجعل السؤال ملحاً عن مصير الجيش اللبناني اليوم؟ هل سيكون أمام خطر التفكيك الذي لا يصبّ إلا في مصلحة العدو الإسرائيلي؟ وكيف سيُعمل على تفكيكه على غرار باقي الجيوش العربية التي خضعت لنفس المنهج، خصوصاً انه لا يمكن اعتبار لبنان استثناء عند «الاسرائيليين»؟
الواقع انّ «إسرائيل» التي لم تستطع بث الفرقة بين صفوف الجيش اللبناني ولا تفكيكه، بل استطاعت استبدال المخطط بمخطط آخر، وهو الإضعاف بدل التفكيك مع توريطه بمعضلة مواجهة الإرهاب، علها تتكفل بإلغاء منعته وانهياره بشكل دراماتيكي، والجيش اللبناني اليوم الذي يعده الغرب والعرب بهبات لا يرى منها شيئاً ابداً هو نفسه الجيش الذي تعرّض عسكريوه للأسر والخطف على يد «داعش» و«النصرة»، وهو الجيش الذي ينتظر حتى الساعة القرارات السياسية لدخول مناطق لبنانية يقطنها الإرهابيون ويتخذون منها أرض تخطيط لهجمات على الداخل اللبناني والجوار فطوّقت حركته ضدّ الإرهاب.
أيقنت «إسرائيل» أنها غير قادرة على تفكيك الجيش اللبناني، وذلك بسبب ما أظهره حزب الله من جاهزية للقتال الى جانب الجيش في ساحات القتال ضمن معادلة الجيش والشعب والمقاومة التي تتفرّد الحكومة اللبنانية بوضعها بنداً أساسياً في بيانها الوزاري من بين باقي حكومات الدول العربية، ما يؤكد استحالة تفكيكه على غرار الجيوش العربية، إلا انّ «إسرائيل» وحلفاءها استطاعوا إضعافه بشكل قيّد حركته فلا هبات يعتدّ بها ولا سلاح ثقيلاً يصل للجيش على الإطلاق، اما المسؤولية المباشرة اليوم فتتحمّلها الحكومة اللبنانية ومعها كلّ الافرقاء اللبنانيين من دون استثناء الذين يعملون على إضعاف هالة الجيش وقيادته على طريقتهم باستسهالهم جعل موضوع تعيين قائد للجيش أمراً يخضع للسجالات والنكايات الداخلية!