إيران… القوة الصاعدة
جمال رابعة
بعد طول انتظار خرج الملف النووي الإيراني بتوقيع أولي بين إيران والدول الكبرى 5+1 برهنت من خلاله الدبلوماسية الإيرانية تميزها ومهارتها وقدرتها وصلابتها وثباتها وتمسكها وحفاظها على حقوق الشعب الإيراني باستخدام واستثمار الطاقة النووية السلمي، على قاعدة ارتكاز قوية استند إليها القرار السياسي، ألا وهي إرادة الشعب الإيراني وحقوقه السيادية. جولات صعبة من المفاوضات لم تغب عنها محاولات حثيثة لتعطيل الاتفاق وفي الحد الأدنى الوصول إلى اتفاق يفضي إلى حرمان الجانب الإيراني ووقف برنامجه النووي، لا سيما محاولات الفرنسي المرتبط قراره بالكيان الصهيوني ودول الخليج برأس حربته آل سعود. إذ تسربت معلومات خلال جولات التفاوض لجهة ما طرحه الفرنسيون من شروط معطلة وعقبات عدة في محاولة لاحتواء إيران وحرمانها من حقها في تخصيب اليورانيوم وإلغاء برنامجها النووي. من هنا نرى وجهة نظر الفرنسيين منذ بداية التفاوض بالإصرار على عدم الموافقة على رفع العقوبات الواردة تحت الفصل السابع بالتزامن مع توقيع الاتفاق وعدم إلغاء أعمال اللجان الأممية التي تشرف على المشتريات الإيرانية إذ أن هدفهم ليس فقط إبطاء البرنامج النووي، بل تعطيل هذا البرنامج ما يقارب 35 سنة وتحت رقابة دولية ومنع أي تطوير للأبحاث النووية الإيرانية وتالياً منع أي إنتاج وصناعة للطاقة، وهنا يكمن الهدف الرئيس للفرنسيين على رغم قناعاتهم المطلقة بسلمية برنامج إيران النووي لكن المخرجات الثمينة لهذا البرنامج وتطوير قدرات وخطط وبرامج إيران الاقتصادية، له دلالات أخرى لجهة إمكان تقديم هذه التقنية لكل دول الجوار والعالم وبتسهيلات كبيرة بعد أن كانت حكراً على فرنسا ودول حلف الأطلسي.
من الجدير ذكره أن بقية الأوروبيين كانوا غير موافقين على الشروط الفرنسية، ومن هنا يمكن القول إن القراءة الفرنسية تتشابه مع القراءة «الإسرائيلية» للبرنامج النووي الإيراني، إذ صرح مسؤول فرنسي لأحد المسؤولين العرب أن الاتفاق الحالي سيء، وقال بأن رئيس الوزراء «الإسرائيلي» قد أصاب عندما أشار إلى أن إيران تحتاج لعام واحد لإنتاج قنبلة نووية في وقت يتخذ فيه القرار لتصنيعها.
ما سبق يؤكد مدى التلازم والتوافق بين دول الخليج و«الإسرائيليين» والحزب الجمهوري الأميركي. وفي السياق ذاته، فإن الجانب الأميركي كان حاضراً وبقوة لإنجاز هذا الاتفاق لأسباب داخلية حزبية تخص الحزب الديمقراطي إضافة إلى أسباب خارجية، وفي سياق متصل فإن الرئيس الأميركي باراك أوباما يتعرض لضغوط كبيرة من قبل كتلة الجمهوريين في الكونغرس لإفشال الاتفاق النووي ويريد أن ينهي فترة رئاسته بشيء يقدمه للشعب الأميركي يستطيع من خلاله التسويق لحزبه بالانتخابات الرئاسية المقبلة، وما شهدناه من تحسين للعلاقات مع كوبا يصب في الهدف ذاته، ولجهة أن إيران فرضت نفسها كقوى صاعدة إقليمياً على الإدارة الأميركية كأمر واقع لا تستطيع هذه الإدارة إغفاله، لأنها تعمل وفق معطيات القوى والمصالح الاستراتيجية، ومع قناعة الأميركيين المطلقة وبحسب تصريحات مسؤوليهم أن إيران بالفعل قوة إقليمية كبيرة وأن إمكانات إيران النووية ليست سوى أحد مكونات هذه القوة إضافة لما تتمتع به من مجال جغرافي كبير ومهم من المشرق العربي والخليج العربي الممتد من مضيق هرمز إلى باب المندب وصولاً إلى طريق النفط العابر إلى شبه القارة الهندية. وفي السياق ذاته، نجد أن الأسباب الحقيقية التي تجعل الطرف الأميركي يذهب لتوقيع اتفاق مع الإيراني، لا بديل عن التفاوض إلا الحرب سواء بقرار من مجلس الأمن أو الأسرة الدولية وبحقيقة الأمر يبدو هذا مستحيلاً لعجز هذه الدول وعدم قدرتها على خوض حروب جديدة بعد فشلها بتحقيق أهدافها وخسائرها الكبيرة في العراق وأفغانستان، وبحسب رأي الأميركيين بأن أي انفراج سياسي واقتصادي يلي رفع العقوبات سيخدم توجهات الإصلاحيين في النظام الإيراني وسيعزز إمكانات ودور الرئيس روحاني بتقليص نفوذ المحافظين وإضعافه في إيران ما يمهد مستقبلاً لقلب نظام الحكم، إذ يختلف معهم الفرنسيون بقولهم إن هذا الاتفاق سيمدّ بعمر النظام الإيراني وأن التضحيات التي قدمها الشعب الإيراني جراء الحصار الاقتصادي لن تذهب سدى. بالختام أقول إن الاتفاق الأولي الموقع مع إيران يشبه كثيراً الاتفاق الذي وقع مع كوريا الشمالية عام 1994 والذي انهار عام 2002، ومضت كوريا الشمالية نحو طريقها لامتلاك ترسانة نووية كبيرة، هذا يستدعي من الإدارة الأميركية أن تأخذ العبر وتستفيد من دروس سابقة في طريقة تعاملها مع إيران.
لا أعتقد ذلك إلا إذا غلبت الإدارة الأميركية مصالحها الاستراتيجية على حساب مصالح الكيان الصهيوني.
عضو مجلس الشعب السوري