الحكومة تتخطى حاجز إدارة الفراغ بالتراضي… وسط سجال دستوري عون: أرادوا الانفجار… فليكن… وحزب الله يتضامن ويسعى للحوار
كتب المحرر السياسي:
في فيينا حيث كان كلّ الملف النووي الإيراني على الطاولة، صارت مسودة الاتفاق المنجزة هي التي تحتلّ الطاولة، ليدوّن كلّ من الوفود التوضيحات أو الهوامش، وأحياناً قليلة التعديلات التي يريدها، بينما كانت زيارة مدير الوكالة الدولية للطاقة الذرية يوكيا أمانو إلى طهران تنتهي بإعلانين إيجابيين، الأول هو أنّ إيران نفذت تعهّداتها الخاصة بتخفيض اليورانيوم المخصّب لديها، بتطبيقها ما نصّ عليه اتفاق الإطار الذي تضمّن تنفيذ هذا الالتزام حتى تاريخ الثلاثين من حزيران، كما أعلنت الوكالة الدولية في بيان رسمي، والثاني ما أعلنه السفير الإيراني لدى الوكالة رضا نجفي الذي رافق أمانو في زيارته عن التوصل إلى تفاهم على الإطار الزمني لأشكال الرقابة والتفاهم على طرق لتسوية القضايا العالقة بما يحفظ للوكالة وإيران ثوابتهما، بينما كان كبير المفاوضين الروس في فيينا نائب وزير الخارجية سرغي رياكوف يكشف أنّ التفاهم سيكون جاهزاً خلال أيام قليلة، فيما أعلنت موسكو عن لقاء يعقد خلال الأسبوع المقبل بين الرئيسين الروسي والإيراني فلاديمير بوتين وحسن روحاني.
بعيداً عن مجريات هذه الحدث الدولي والإقليمي الكبير الذي يهمّ لبنان كما يهمّ كلّ دول المنطقة، وبعيداً عن سواه من الأحداث الإقليمية السياسية والميدانية، كان لبنان منشغلاً أمس بمجريات جلسة الحكومة، التي عُقدت وسط مناخ من التشنّج في محاولة لاختبار فرص إحداث اختراق في الفراغ المخيّم على رئاسة الجمهورية، والممتدّ إلى المجلس النيابي والحكومة، وفقاً لما تمّ التفاهم عليه بين رئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس الحكومة تمام سلام، عبر الدعوة إلى تحرير الحكومة من عقدة التراضي، خصوصاً بعدما اصطدمت الحكومة بجدار التعيينات الأمنية والعسكرية وتعطلت عجلاتها عن الحركة، لكن هذه العقدة التي نتجت مع تعثر التعيينات الأمنية والعسكرية وفقاً لطلب تكتل التغيير والإصلاح صارت عقدة ميثاقية كما رآها التكتل، واعتبرها ضمانة للشراكة في ممارسة صلاحيات رئيس الجمهورية من قبل مجلس الوزراء مجتمعاً، بما فيها حق الرئيس في الإطلاع على جدول أعمال مجلس الوزراء، وتوقيع القوانين وردّها إلى المجلس لمناقشتها. ووسط جدل دستوري حادّ لم تنجح محاولة الاختراق بالمرور بسلام، فقد رفعت الجلسة بعد عرض بند دعم الصادرات الزراعية والصناعية وتمريره، والتداول بمرسوم فتح دورة استثنائية للمجلس النيابي.
نجحت الحكومة بكسر جدار التراضي كشرط لانعقادها، وشرط لإقرار بنود جدول أعمالها، واتخاذ القرارات، لكنها فشلت بالخروج من الاختبار بسلام.
تضامن حزب الله مع تكتل التغيير والإصلاح، ونقلت قناة «المنار» عن مصادر وزارية في حزب الله وتكتل التغيير والإصلاح، موقفاً موحداً، مفاده أنّ الاعتراض كان في الحكومة على تجاوز بعض الوزراء لمبدأ الشراكة الوطنية واحتجاجاً على التهميش، فيما كان العماد ميشال عون يذهب بخيار التصعيد إلى سقفه الأعلى معلناً أنّ ما جرى دليل على نية أخذ الأمور نحو الانفجار، مضيفاً أنّ التكتل لن يتهرّب من مواجهة فرضت عليه ملوّحاً بإجراءات تصعيدية، مختتماً: «أرادوا الانفجار… فليكن».
اتصالات عدة لحقت بالجلسة، كان حزب الله محورها، خصوصاً لعلاقته الخاصة بالرئيس نبيه بري من جهة وتحالفه وتضامنه مع العماد عون من جهة أخرى، في محاولة للملمة شظاياها والاكتفاء بما جرى، لفتح حوار هادئ حول كيفية إدارة الفراغ الرئاسي، بما لا يكرّس عرف تهميش مركز رئاسة الجمهورية وما تمثله كعنوان للشراكة المسيحية في إدارة الدولة من جهة، ولا يتسبّب بجمود المؤسسات وإلحاق الضرر بالدولة وحاجات مواطنيها من جهة مقابلة.
لا مساومة بعد الآن
أثبتت جلسة مجلس الوزراء أمس أن رئيس تكتل التغيير والإصلاح لن يساوم بعد اليوم في أيّ ملف يمس حقوق المسيحيين، ولن يتراجع عن موقفه بما يتعلق بالتعيينات العسكرية أو حتى تأجيل البحث بهذا الملف إلى أيلول المقبل، فالمؤمن لا يلدغ من الجحر مرتين.
ويستعدّ تكتل التغيير والإصلاح لسلسلة من الخطوات ستكون رهن الأداء الحكومي، لا سيما بعد أن تجاوزت أمس صلاحية رئيس الجمهورية المسندة إليها بالوكالة، وتصرفت كحكومة انقلابية، رافضة للشراكة.
وكانت الجلسة التي ترأسها رئيس الحكومة تمام سلام بدأت بنقاش حول آلية عمل الحكومة، وأصرّ وزيرا التيار الوطني الحر جبران باسيل والياس بوصعب الإبقاء على الآلية المتفق عليها، أي أنّ اعتراض فريق على أي موضوع كاف لعدم اتخاذ قرار في شأنه، لكن وزراء تيار المستقبل والكتائب واللقاء التشاوري والاشتراكي رفضوا ذلك. وسجل سلام اعتراضه على الكتاب الذي رفعه إليه الوزير بوصعب، مشيراً إلى «أنّ دور رئيس الجمهورية هو الإطلاع على الجدول لا نسفه، إذ يمكن لوزير أن يعترض على بند أو اثنين أو ثلاثة لكن أن تعترضوا على جدول أعمال بأكمله فهذا عمل تعطيلي».
سلام: ضوا الأحمر عندي
ثم طرح الرئيس سلام البحث في جدول الأعمال إلا أنّ وزيرا الوطني الحر وبدعم من وزيري حزب الله أكدا اعتراضهما على اتخاذ أيّ قرار قبل البت في ملف التعيينات»، غير أن رئيس الحكومة أصرّ على نقاش موضوع دعم الصادرات الزراعية والصناعية، عندها دار سجال بينه وبين الوزير بوصعب الذي دعا إلى الاتفاق على آلية عمل أولاً، إلا أنّ الرئيس سلام لم يوافق، طالباً من بو صعب وباسيل الاكتفاء بالاعتراض على بند الإنتاج الزراعي، غير أنّ باسيل ردّ قائلاً: حقوقنا وحقوق المسيحيين مهمّشة منذ عام 1990 ولذا نريد أن تقرّ التعيينات العسكرية أولاً»، عندها قال سلام: «تشيدون بصبري ولكن صبر البلد أنا مسؤول عنه لماذا لا تضعون حداً لهذه البكائية عن حقوق المسيحيين، منذ تأليف الحكومة وأنا أراعيكم وأقيم وزناً لمواقفكم، على رغم أنكم تعرقلون وتخلقون أزمة في البلد وتشلون عمل الحكومة، إلى حدّ أنني أصبحت لا أسمع إلا اللوم من الوزراء الآخرين على مسايرتي لك يا جبران». وتابع: «لقد ضوا الأحمر عندي، وطفح الكيل من سياسة التعطيل، هذا البند سيتمّ إقراره، وهذا ما حصل على رغم اعتراض الوزراء بو صعب، باسيل، محمد فنيش ارتور نظاريان وحسين الحاج حسن».
وكانت الجلسة شهدت محاولة لتوقيع مرسوم فتح دورة استثنائية لمجلس النواب كما كان مقرّراً في اللقاء الذي جمع الرئيسين نبيه بري وسلام الأسبوع الماضي، إلا أنها باءت بالفشل، لم يوقع على المشروع الذي وزعه الوزير علي حسن خليل في بداية الجلسة غير 12 وزيراً فسقط، ورفض وزراء تكتل التغيير والإصلاح والكتائب واللقاء التشاوري التوقيع.
وخلال الجلسة، دعا وزير الداخلية نهاد المشنوق إلى الاحتكام لقرار وزير الدفاع الوطني سمير مقبل الذي أعلن أن «لا جديد لدي و»بس نوصلها منصلي عليها».
وتوجه وزير الصحة وائل أبو فاعور إلى وزراء التكتل بالقول: تتحدّثون عن ضرورة الالتزام بالدستور، في حين أنّ آلية عمل الحكومة هي أكبر مخالفة للدستور، ارحموا الناس والعباد وارحموا هذا البلد».
وأكد وزير العمل سجعان قزي لـ«البناء» «أنّ النقاش بدأ هادئاً، لكنه تحوّل في آخر 5 دقائق إلى سجال عندما طُرح بند المنتوجات الزراعية، وتمسك وزراء تكتل التغيير والإصلاح بالاعتراض على مبدأ إقرار أيّ مشروع». وأكد قزي «أنّ وزيري حزب الله لعبا دور الداعم لوزراء التغيير والإصلاح».
ولفت قزي إلى «انه طرح في الجلسة اقتراح عقد جلستين لمجلس الوزراء، واحدة للتعيينات وأخرى لجدول الأعمال إلا أنّ الاقتراح رفض». وقال: «كلنا نتشارك موضوع جدول الأعمال، بالوكالة عن رئيس الجمهورية لكن من يطالب بصلاحيات الرئيس أولى به أن ينزل إلى المجلس وينتخب الرئيس».
وأكد ضرورة إجراء اتصالات سياسية لخلق أجواء ملائمة للتوافق، قبل أن يدعو رئيس الحكومة إلى جلسة جديدة»، مشدداً على «أن حدود اللعبة يجب أن تبقى في إطار اللعبة السياسية».
ونصح وزير الشؤون الاجتماعية رشيد درباس في حديث لـ«البناء» وزراء تكتل التغيير والإصلاح بالعمل على إنضاج الأمور خارج الحكومة، بدل سياسة ليّ الذراع في مجلس الوزراء، لأنها لن تؤدّي إلى نتيجة»، مشيراً إلى «أنّ ما يجري لا علاقة له بالعمل السياسي».
عقلية الإلغاء تدفع إلى اتجاهات خطيرة
في المقابل أكد الوزير بوصعب من مجلس الوزراء «أننا مصرّون على أن لا قرارات اتخذت في جلسة مجلس الوزراء، فرئيس الحكومة غادر الجلسة جراء الاختلاف في وجهات النظر عندما قرّر طرح بند الإنتاج الزراعي ليسجل على الحكومة أنها أخذت على الأقلّ قراراً واحداً، لكن سرعان ما بدأت تصل الرسائل النصية إلى هواتف الوزراء عن إقرار المجلس لهذا البند».
وأضاف: «هناك مجال لنتفاهم ونتواصل، وعندما نقتنع بشراكة حقيقية، ولا يكون هناك عقلية إلغاء، أي لا أحد يريد إلغاء أحد، عندها نجد حلاً للبلد «، مشيراً إلى أن «التشريع في مجلس النواب يلزمه تفاهم لأنه أيضاً ضروري»، معتبراً أن «الحل يكون بالسياسة في شكل شامل خارج الجلسة، خارج مجلس الوزراء، من القوى السياسية كافة كي نستطيع أن نتابع لأن الوضع صعب جداً».
كلّ ذلك استدعى اجتماعاً استثنائياً للتكتل في الرابية، أعلن على أثره العماد ميشال عون «أنّ كيفية المواجهة لما يحصل هي سرّ المهنة، وسندرس الخطوات وسيبنى على الشيء مقتضاه».
وأكدت مصادر التيار الوطني الحر لـ«البناء» «أن الاعتراض في الحكومة كان على سياسة التهميش وعلى خرق مبدأ الشراكة الوطنية». ولفتت المصادر إلى «أن الأزمة بدأت تكبر، ولينتظروا الخطوات التي سيقدم عليها التيار الوطني»، فتصرف بعض الوزراء في الحكومة سيدفع المسيحيين إلى مجموعة من الخيارات». وأمِلت المصادر من «رئيس الحكومة والمعنيين من الأفرقاء أن يستوعبوا الأمر، وأن تلعب الحكومة دورها الطبيعي في ملف التعيينات وأن تكون طبيعة عملها منسجمة مع الدستور»، مضيفة: «إذا ذهبنا بعيداً في خياراتنا، فإنّ المسؤولية تقع على الطبقة السياسية التي اعتادت على الاستئثار، فعقلية الإلغاء التي ينتهجها البعض ستدفعنا إلى اتجاهات خطيرة».
جلسة رمضانية في عين التينة
وعلى وقع التطور الأمني الذي شهدته منطقة السعديات، عقدت جلسة الحوار الرابعة عشرة بين «حزب الله» و»تيار المستقبل» مساء أمس في مقر الرئاسة الثانية في عين التينة، بحضور رئيس مجلس النواب نبيه برّي إلى مائدة الإفطار، وجدد المجتمعون التأكيد على تثبيت الأمن والاستقرار وحماية السلم الداخلي.
وحضر عن الحزب المعاون السياسي للأمين العام الحاج حسين الخليل، والوزير حسين الحاج حسن، والنائب حسن فضل الله، وعن تيار المستقبل مدير مكتب رئيس تيار المستقبل سعد الحريري نادر الحريري والوزير نهاد المشنوق والنائب سمير الجسر. كما حضر الجلسة الوزير علي حسن خليل.
وتحدث في بداية الجلسة الرئيس برّي عن أهمية هذا الحوار وضرورة استمراره والذي يشكّل اللقاء الوحيد اليوم في العالم العربي في مواجهة الفتنة المستعرة في أكثر من منطقة.
وجدد المجتمعون التزامهم باستمرار هذا المسار، واستعرضوا الأحداث الأمنية التي حصلت مؤخراً، وأكدوا أهمية اتخاذ الإجراءات اللازمة من خلال الدولة لتثبيت الأمن والاستقرار وحماية السلم الداخلي.
على صعيد آخر نفت قيادة الجيش على «تويتر» الإشاعات حول وجود توتر أمني في منطقة السعديات.
وأكد منسق تيار المستقبل في الشمال النائب السابق مصطفى علوش لـ«البناء» أن الحوار بين حزب الله وتيار المستقبل تمّ في الأصل لضبط الوضع الأمني في لبنان ولعلاج أي تطورات أمنية تحصل كما حصل في السعديات منذ أيام، والذي تمّ بحثه في جلسة الحوار، والمحك هو هل يستطيع هذا الحوار والمتحاورون لجم هذه الحادثة ومنع تكرار حوادث مشابهة؟
ولفت علوش إلى أن «المواضيع الأساسية التي تتعلق بالسلطة لا سيما رئاسة الجمهورية لا يمكن حلها ضمن هذا الحوار بل لدى الفريقين اقتناع تامّ بأنها تحتاج إلى معجزة إقليمية لحلها».
وأضاف: «إنما الأمور الصغرى يمكن حلها عبر الحوار ولملمة الوضع لكي لا يذهب إلى أي انفجار أو فتنة داخلية».
جيرو إلى إيران
من ناحية أخرى، يزور مدير دائرة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في وزارة الخارجية الفرنسية جان فرنسوا جيرو إيران منتصف الشهر الجاري لاستطلاع آفاق بعض الملفات العالقة لا سيما الملف الرئاسي اللبناني وما إذا كان من إمكانية لإحراز أي تقدم على أن يتقرر في ضوء النتائج موعد زيارته للبنان.
وفي سياق متصل، أعادت المنسقة الخاصة للأمم المتحدة في لبنان سيغريد كاغ بعد لقائها رئيس مجلس الوزراء تمام سلام في السراي الحكومية أمس، التأكيد على ضرورة انتخاب رئيس للجمهورية لكي ينتظم عمل كل المؤسسات الدستورية، وإلا فإن لبنان معرض لخسارة الكثير من المساعدات والقروض الدولية».
أهالي العسكريين إلى خطوات تصعيدية
وفي سياق آخر قطع أهالي العسكريين المخطوفين لدى المجموعات الإرهابية في جرود عرسال، تزامناً مع انعقاد جلسة مجلس الوزراء الأوتوستراد الساحلي في الناعمة باتجاه صيدا، وأوتوستراد الجنوب الساحلي في الدامور، عند مفرق الشوف بالاتجاهين بالإطارات المشتعلة. وطريق الصيفي باتجاه مبنى صحيفة «النهار»، للمطالبة بالإسراع في مفاوضات الإفراج عن أبنائهم. وأكد نظام مغيط شقيق العسكري المخطوف لدى داعش إبراهيم مغيط لـ«البناء» أن مشاورات تجري بين الأهالي للقيام بخطوات تصعيدية جديدة في الأيام القليلة المقبلة كإقفال مرفأ بيروت، وقطع طريق المطار». ولفت مغيط إلى «أن وزير الصحة وائل أبو فاعور طمأن الأهالي أمس أن المفاوضات مستمرة وبوتيرة جيدة»، مضيفاً: «لا أحد يعلم إلى متى سنبقى نسمع هذا الكلام»؟