السيسي وصباحي ومصر وفلسطين
هذه الحلقة الثانية من المقالة الثانية في هذا الباب «نافذة بمفاتيح متعددة»، وهي المقالة التي يتشارَك في كتابتها أكثر من كاتب، وقد كانت المحاولة الأولى الموفقة في الإجابة عن سؤال عن مدى نضج التسويات، والتي تشارَك فيها كلّ من نائب رئيس المجلس النيابي السابق إيلي الفرزلي والكاتبة الإعلامية الزميلة روزانا رمال، وكما توقعت لهذا الباب، فقد لاقت التجربة الأولى نجاحاً فاق توقعاتي، عبّرت عنه الاتصالات المهنّئة على جمالية الفكرة وفرادتها والجديد الذي تقدمه في الصحافة العربية.
في هذه المقالة أتشارَك مع صديقين ترافقنا معاً في محطات نضالية وفكرية وسياسية متعدّدة على المستوى القومي العربي، وخصوصاً الوقفات مع المقاومة والتعلق بحبّ سيّدها، والوقوف منذ اللحظة الأولى بصلابة لا تهون وعزم لا يلين إلى جانب سورية ورئيسها وجيشها، في وجه الحرب التي تحتشد لها دول ومخابرات وفضائيات وأحزاب وميليشيات من كلّ أنحاء الدنيا.
أتشارَك في هذه المقالة مع الزميلين الصديقين صابرين دياب من فلسطين وماجدي البسيوني من مصر، والموضوع كما يعبّر عنه العنوان هو: مستقبل مصر وموقعها في القضية القومية مع الانتخابات الرئاسية، وصابرين الفلسطينية المتعصّبة من موقع عروبتها وناصريّتها لفلسطين، مصرية وناصرية، مصرية تعرف تفاصيل المشهد المصري وتتنفسه على بصمات كفها، وتفتخر بشعور الانتماء إلى مدرسة الأستاذ الكبير محمد حسنين هيكل، وماجدي الناصري حتى النخاع الشوكي ورئيس تحرير جريدة «العربي الناصري»، مناضل وكاتب سياسي رافق كلّ المخاض الذي عاشه ناصريّو مصر، وهو زميل قريب للمرشح حمدين صباحي على رغم افتراق الخيارات، ومن المؤمنين براهنية دور الجيش ورمزه المشير عبدالفتاح السيسي، ومتابع عن كثب لكلّ ما يجري في مصر، من جيشها إلى أقاصي صعيدها، وخصوصاً في تشكيلات نخبها وأعلامها وأحزابها.
اتفقنا على العناوين الفرعية للكتابة، وأرسل كلّ من الزميلين الصديقين مشاركته في قراءتها، وألقيا على عاتقي إدارة الكتابة المشتركة، باستخدام كلّ أو بعض ما كتباه، لتوليفة تعبّر عن آرائنا معاً أو تضعها قبالة بعضها كوجوه مختلفة للإشكالية المطروحة.
اخترت أن يُصاغ المقال بصورة تجعله مادة واحدة متماسكة كروح واحدة مستعيناً بما كتبه الزميلان الشريكان بعد إعادة ترتيب تسلسله وتشبيكه ببعضه وتقديمه، ووضعه في سياق يربط ما كتبه كلّ منا بأصل الموضوع.
كانت الحلقة الأولى تتضمّن مقاربة العنوان من عنوانين فرعيّيْن هما المفصل المصيري للانتخابات وموقع كلّ من السيسي وصباحي من عبد الناصر والإخوان المسلمين، حيث كانت الخلاصة هي أنّ الأصل، بعيداً من العملية الانتخابية على رغم ما تتضمّنه من تأشير للبوصلة الشعبية، هو الخيارات التي ستنتقل إليها مصر مع كلّ من المرشحيْن، والأرجحية كانت للمرشح عبدالفتاح السيسي كتعبير عن دور الجيش في حماية فكرة الدولة في وجه خطر الفوضى والتهديد الإخواني، واليوم في الحلقة الثانية متابعة التحليل من عنوانيْن فرعيّيْن هما الجيش من جهة والمقاومة وفلسطين وكامب ديفيد من جهة أخرى.
رئيس التحرير – ناصر قنديل
مصر والجيش
– نقل الأستاذ محمد حسنين هيكل بما له من مرجعية لدى «الناصريين» في أكثر من لقاء مدى تأثر قيادات الجيش المصري بما كان يردّده البعض بـ»يسقط يسقط حكم العسكر»، شارحاً بأنّ مفهوم «العسكر» كما تمّ تثبيته عن قصد من قبل جهات بعينها لا ينطبق ولا يصحّ أن يطلق على الجيش الوطني المصري، الذي سبق أن قام بثورة 23 يوليو بقيادة جمال عبد الناصر، وحمدين صباحي وزميله أمين إسكندر هما من أطلق شعار يسقط حكم العسكر لاعتبارات شخصانية وذاتية، والهدف هو النيل من ترشيح المشير السيسي ليس إلا.
ما إن خرجت الجماهير المصرية تطالب المشير عبدالفتاح السيسي بضرورة الترشح لرئاسة الجمهورية، حتى تحوّل خطاب حمدين صباحي من الإطراء على الدور التاريخي الذي قام به السيسي، وقتها وفي محاولة استجلاب الحنكة أعلن صباحي أنه لن يخوض انتخابات الرئاسة إذا ما قرّر عبدالفتاح السيسي الترشح بما يملكه من حبّ الشعب له… حتى وصل الأمر إلى التصريح بضرورة أن يلتزم السيسي بما سبق وأعلنه من أنه لا يسعى إلى الترشح، حتى وصل صباحي رداً على إصرار الجماهير مطالبة السيسي بالترشح بإعلانه «أنّ الجيش يحمي ولا يحكم» في محاولة منه لإثناء السيسي ألا يقدم على الترشح.
ماجدي البسيوني
– قال البعض إنّ السيسي، وعلى مدار سنوات طويلة، أشغل مواقع قيادية في الجيش المصري، صامتاً على مواقف قيادة هذا الجيش، وخضوعها لحكم ومواقف مبارك تحديداً، ولم يظهر قيادية او تمرّداً أو رفضاً، وعليه، فإنه الأبعد من استحقاق الرئاسة!
ومما لا ريب فيه أنّ الجيش المصري كان ولا يزال جيشاً وطنياً يحمل رؤية قومية وبعداً يتجاوز الجغرافيا المصرية، وصحيح اْنّ قيادته في عهديْ السادات ومبارك، تخاذلت وتهاونت وصمتت في الكثير من الشؤون الكبرى، وفي مقدمها اتفاقية العار «كامب ديفيد»، حيث أنتجت التخلي عن السيادة المصرية الحقيقية على سيناء، مثلاً وليس حصراً، والتخلي أساساً عن الإرادة والسيادة الحقيقيتين، وقد يكون ما تنتجه سيناء اليوم من مخالب إرهابية بحق مصر، هو امتداد «طبيعي» لاتفاقية «غير طبيعية» تفقد مصر سيادتها على كامل أراضيها «المحرّرة»! غير اْنّ السيسي أكدّ في أكثر من مناسبة، وبدا حازماً في أمر إبادة الإرهاب وبؤره وإعادة السيادة، مشيراً إلى ما تواجهه سورية شعباً وجيشاً ودولة من إرهاب مجرم يهدف إلى تدمير سورية الوطن… وهنا نطرح السؤال الكبير: كيف يفسّر هؤلاء موقف السيسي الإيجابي والحيوي من الحركة الشعبية في 30 يونيو/حزيران 2013 ضدّ حكم «الإخوان المسلمين»! وكيف يفسّر هؤلاء أيضاً انحياز الجيش المصري إلى الشعب في 25 يناير/كانون الثاني 2011.
صابرين دياب
– الأكيد أنّ الجيش ليس العسكر في مصر، بمعنى الأداة الغليظة للطبقة السياسية في قمع الحركات الشعبية والسياسية، بل هو الأقرب ليكون «لشعب بالبزة العسكرية»، وهو يحمل معنيين كبيرين في الحيّز السياسي والبنيوي لوظيفة الدولة، حيث لا يزال يشكل مكوّناً أساسياً لاقتصادات القطاع العام الوازن رغم كلّ عمليات التهميش، وهو ركيزة ما يُسمّى بالدولة العميقة في مصر، وهو المؤسسة الأمّ للمؤسسات التي تنهض للدفاع عن فكرة الدولة الوطنية بوجه الخطر الخارجي أو الداخلي، وهنا لا تستقيم المقارنة بين السيسي وصباحي في القرب والبعد عن الجيش، فالأكيد انّ السيسي هو التعبير عن هذا الوجدان الجمعي للمؤسسة الأم في الدولة المصرية في لحظة العجز الذي أبدته السياسة والطبقة السياسية والعملية الانتخابية بالنيابة عن الديمقراطية، في إبعاد شبح تحكم الإخوان وتمكنهم من مصر البلد والاقتصاد والإدارة، وفي قلب مشهد العجز الذي جلب الجيش إلى المسرح بعنوان السيسي هو عجز التيار الناصري، وفي قلب هذا العجز عجز صباحي عن تكتيل وتنظيم الجسم الناصري خلفه، وفي مصر صارت المعادلة بين الدولة والإخوان في فضاء فارغ سياسياً، ومجتمع خارج اللعبة، لا يجد المشروع المدني المنظم الحامل لفكرة الدولة الذي يمثل آلة تعبيره ومواجهته للمشروع الإخواني، فكان التزاوج في اللحظة التاريخية بين الجيش والمجتمع، كمثل ما حدث عشية ثورة جمال عبد الناصر، فحمدين تعبير عن العجز المدني والتشتت الناصري بما يشبه حال الوفد عشية ثورة عبد الناصر أقرب إلى الظاهرة الإعلامية المرتبكة والوصولية، والسيسي تعبير عن ملاقاة المجتمع لفكرة الدولة بمؤسستها الأم في حالة طوارئ ونداء الإنقاذ، ووصول حمدين إلى الرئاسة يعني هزيمة مشروع الدولة هنا وانتصار مشورع الفوضى بمعزل عن حسن النيات، ويعني أنّ الإخوان بما هم مشروع الاستبداد الحقيقي الداهم، قد حققوا نصراً ولو بغير أيديهم، أو بأيد تلتبس لحظة الاشتباك والتصالح بينهم وبينها.
ناصر قنديل
المقاومة وفلسطين وكامب ديفيد
– على رغم دعم صباحي وتأْييده للمقاومة عموماً، والمقاومة اللبنانية تحديداً، غير ان موقفه لا يزال يتلعثم من الأزمة السورية، وهذه المقاومة التي يدعمها صباحي هي الهدف الأول للتصفية الصهيو-امبريالية في سورية! فيما أكد السيسي في السرّ والعلن اْنّ مصير الدولتين السورية والمصرية واحد! لذا هو الأكثر جدارة لقيادة مصر، وعلى رغم تحالف السيسي مكرهاً مع السعودية، بما تمثله، وتدعمه في السرّ والعلن، حتى إنْ كان ليس لزاماً على البعض في هذه المرحلة تحديداً ان يتفهّم الدوافع والمبرّرات، لكن لزاماً ان نثمّن ونتوقف كثيراً أمام التحالف التاريخي مع روسيا الاتحادية وما يعنيه هذا التحالف الاستراتيجي المهم.
ولا أستطيع الادّعاء بأنّ السيسي أقرب من صباحي إلى فلسطين، بما تمثلّه، فلا تزال دموع الأستاذ حمدين في منزله في بلطيم ماثلة أمامي حتى اللحظة يوم استلم هدية مني، كانت عبارة عن زجاجة من زيت زيتون المسجد الأقصى وزجاجة من شهد الجليل، وحين تنشّق رائحة الزيت والعسل حضنني وبكى حنيناً وحباً لفلسطين، وأبكاني معه وأبكى الحاضرين، بيد أنّ السيسي الأقرب إلى فهم طبيعة الصراع وحقيقته، وبالتالي فهو الأكثر قدرة على قيادة هذا الصراع وإدارته، انطلاقاً من مصر ونحو مصر ولأجل مصر.
وفي واقع الأمر، المسأَلة هي قضية خيارات ومواقف جوهرية، تتعدّى الانتخابات، مهما كانت نتائجها!
القضية كانت ولا تزال: أية حياة نريد وأي مستقبل نصبو إليه، وكيف إليه سبيلاً!؟
صابرين دياب
– سئل حمدين صباحي توّ إعلان نيته ترشيح نفسه لرئاسة مصر عن موقفه من اتفاقية كامب ديفيد، وهي التي رسّخت في ما سبق مواقفه باعتباره رافضاً ومناهضاً لها، فقال: سأطرحها للاستفتاء على الشعب، تابعه المحاور قائلاً: وماذا ستفعل في ما لو تقدّم لك سفير «إسرائيلي» بأوراق اعتماده اذا ما قدر لك أن تكون رئيساً لمصر… فقال: «سأطلب من السكارتارية القيام بهذه المهمة»، وهو ما اعتبره المحللون التفافاً لا معنى له، لكنه في الآونة الأخيرة ذهب أبعد قليلاً ليقول: «سأطالب بتغيير بعض بنودها» ولم يحدّد هذه البنود مما اعتبره المحللون بمثابة التعاطي مع البعض والالتفاف على الثوابت.
السيسي ردّ مراراً رداً على الالتزام بالاتفاقية فقال: «نحن فعلنا وسنفعل كلّ ما هو في مصلحة مصر، وقد فعلنا في سيناء ما يتخطى شروط الاتفاقية».
ماجدي البسيوني
– بين الوجدانية والواقعية لا تبدو كامب ديفيد مطروحة للبحث على جدول أعمال المرشحين كأولوية، ولا تبدو فلسطين عنواناً حاضراً بالقوة التي تغيّر وتعدّل الموازين والتوازنات، ولا تبدو المقاومة أبعد من جمالية اللفظة، والعروبة مرادفاً للتاريخ، فقط التاريخ الجميل، أما الحاضر فعروبته سعودية ولا مشكلة، والقضية الأوضح هنا هي في التغيير الثقافي الذي أحدثته الساداتية وما بعدها من ترويض لتمرّد وعنفوان العقل النخبوي لدى مشتغلي الشأن العام العرب، من سياسيين ومثقفين وإعلاميين ومفكرين ونخب الجيوش والإدارة والقضاة، فتقدمت الكيانية الوطنية بمفهومها الضيّق على معادلة الدور الذي ثبت منذ أيام محمد علي باشا أنه بوابة الدولة الناهضة والقوية في مصر، ومحوره عروبتها وبوصلته فلسطين وقيادة حركة التحرّر ووجهته الشام، بينما تبدو المقاربة مع نظريات مصر أولاً امتداداً لثقافة كامب ديفيد، التي لا تعود قيداً على الاستقلال الوطني نتج من الخروج من المعركة القومية التي لا تزال مفتوحة، والتي تشكل سورية والمقاومة جبهاتها التي تحمل عبء الخروج المصري الذي ينتظر من يعيده إلى مكانه الريادي، والذي لا ريادة من دونه، بقدر ما هي اتفاقية غير منصفة تحتاج إلى بعض التعديلات، ويصير الخيار المتاح بعيداً من الحلم بمن يقترب أكثر من المرشحين من التطلع لتغيير جيوسياسي جذري في موقع مصر ودورها، أقرب إلى معادلة أخرى هي من يحمي في مصر فكرة الدولة، ومن يخرج مصر من خطر الفوضى والحرب الأهلية، ويصدّ خطر منح المشروع الاستبداداي الإخواني مصل الحياة مجدداً، ومع العلم بالنتائج الواضحة المتوقعة انتخابياً لمصلحة السيسي، يصير طبيعياً أن يشعر أهل المقاومة وسورية والمواجهة مع المشروع الغربي وضحايا الإرهاب الوهابي المموّل والمدعوم سعودياً، بالأمل مع مرحلة السيسي الآتية على حصان شعبي أبيض، بتسريع تعافي الدولة وهزيمة المشروع الإخواني، لتتكفل دينامية التطورات بتحرير مصر من قيديْ السعودية و»إسرائيل».
ناصر قنديل
ناشطة سياسية وكاتبة – فلسطين
ناشط سياسي ورئيس تحرير العربي الناصري ــ مصر