مصر تخوض حربها ضدّ الإرهاب
ناديا شحادة
يشكل الوضع في ليبيا نموذجاً واضحاً لحالة عدم الاستقرار، فبعد سقوط نظام القذافي، نتيجة لما يسمى بـ «الربيع العربي»، تكرست الدولة الرخوة وتراجعت قوتها وباتت تعاني اشكالات معقدة منها انتشار الارهاب المتمثل بـ«الاخوان المسلمين» وتنظيم «داعش» بدعم تركي – قطري، وأكد ذلك رئيس الوزراء الليبي عبدالله الثنى حين قال إن حكومته رصدت قيام تركيا بتمويل العناصر والتنظيمات الإرهابية الموجودة على الأراضي الليبية بالسلاح في الوقت الذي حصلت فيه الحكومة على معلومات تؤكد امداد قطر لتلك الجماعات بالأموال.
فنتيجة انتشار الإرهاب داخل البلاد اصحبت الدولة غير قادرة على استعادة السيطرة على اراضيها، وبحكم موقعها الجيواستراتيجي كمدخل للعالم العربي على القارة السمراء، بات الإرهاب الذي تعاني منه داخلياً قابلاً للتمدد جغرافياً في الدول المحيطة بها ومنها مصر، حيث يسعى «داعش» الى انهاك الدولة المصرية وإضعافها من خلال استهداف الجيش واستنزافه والهجمات الارهابية على الداخل المصري والتي كانت آخرها الهجمات الدامية في سيناء التي شنها تنظيم ولاية سيناء المرتبط بـ«داعش» حيث استهدف كمائن للجيش وأوقعت عسكريين بين جرحى وشهداء، هذا الهجوم الأخير جاء بعد يومين من عملية نوعية داخل العاصمة المصرية في 29 حزيران أسفرت عن مقتل النائب العام المصري هشام بركات بتفجير سيارة مفخخة، ووصف الخبراء قتل النائب العام بالعملية الخطيرة التي تعكس نقلة نوعية لنشاطات التنظيمات الإرهابية في الداخل المصري.
يؤكد المتابعون ان الهجمات الإرهابية الأخيرة التي شهدتها سيناء فاجأت الشعب المصري والأجهزة الأمنية، ووصفت بأنها الأكبر والأوسع والأخطر منذ بدء العمليات الإرهابية المنظمة في مصر قبل 3 اعوام، تلك الهجمات التي كشفت عن عدم استعداد القوات المصرية لتنفيذ مهماتها القتالية ضد الإرهاب داخل الأراضي المصرية، والتصرف المصري على رغم التضحيات لا يزال دون المستوى والرد لا يزال ضعيفاً، فمشكلة مصر ليست في القدرة العسكرية بل في اختيار المكان الأفضل لتنفيذها، فالحرب باتت بعد الهجمات الإرهابية الداعشية التي تهدف الى اضعاف الجيش واستنزافه بسيناء، باتت المواجهة في الداخل المصري الذي يستنزف به الجيش الذي حقق في ليبيا انتصارات في محاربتها تنظيم «داعش» الإرهابية الذي بدأ حملته في 15 شباط من العام الحالي بعد اعدام «داعش» 21 قبطياً مصرياً، وأكدت مصارد ليبية مطلعة في بداية تلك الحملة قيام قوات قتالية من الجيش المصري والصاعقة الليبية بعملية خاطفة على أحد معاقل «داعش» تمكنت خلالها من تصفية وأسر عدد كبير من عناصره، وقد نشرت مؤسسة جميس تاون الاميركية للابحاث تقريراً عن الحرب المصرية على الإرهاب خلال السنوات الأخيرة واستعرض التقرير أهم الخطوات التي اتخذتها حكومة الرئيس السيسي لمحاربة الإرهاب وعلى رأسها العمليات العسكرية التي قامت بها مصر ضد التنظيم الارهابي في ليبيا، واخيراً المبادرة المصرية بتشكيل قوة عربية مشتركة لمحاربة الارهاب، حظيت بدعم روسي حيث صرح وزير الخارجي الروسي سيرغي لافروف اليوم على ان موسكو تدعم جميع المبادرات المتعلقة بمحاربة «داعش» بما في ذلك القوة العربية المشتركة.
فمصر ليست لاعباً قوياً في المنطقة فقط وانما شريك قوي ايضاً في الحرب ضد الارهاب وهذا ما أكده وزير الخارجية النمسوي سيبستيان كورز، ولكن يؤكد المتابعون ان ما يقيد يداها ويمنعها من ان تكون شركاً قوياً لمحاربة التنظيم هو قرارات أميركا والغرب لحماية «داعش»، التي تمثلت في رفض الطلب المصري عقد اجتماع لمجلس الامن الدولي لاتخاذ قرار في شأن اجراءات جديدة في ليبيا في شباط الماضي بعد ان اعدم «داعش» 21 قبطياً مصرياً، ليأتي إعلان القوى الغربية الكبرى بالرفض وإحالته الى الحل السياسي، إضافة الى الحماية الأميركية لـ«الإخوان المسلمين» الذين سعوا الى الحصول على الدعم الدولي لوقف عمليات الإعدام في مصر، ويبدو ذلك واضحاً من خلال الضغط الاميركي على مصر بأحاديث حقوق الانسان دفاعاً عن «الاخوان»، حيث انتقدت الولايات المتحدة القرارات القضائية الأولية بإعدام الرئيس المصري المعزول محمد مرسي وعدد من معاونيه ومؤيديه، فيؤكد المتابع ان واشنطن تحمي «الاخوان المسلمين» في العملية السياسية ليبقى لتركيا مكان في خريطة مصر، حيث تعتبر الأخيرة قضية ساخنة في السياسة التركية لأن «الاخوان» يلقون دعماً قوياً في تركيا ويعد الاسلاميون في تركيا و«الإخوان» بمثابة إخوة وهذا ما أكده مركز جيت ستون الاميركي.
فمع الأحداث الدامية التي تشهدها الساحة المصرية من عمليات ارهابية، يؤكد المتابعون ان الحرب على الإرهاب أصبحت في الداخل المصري، فهل يدرك السيسي ان مصر هي الخاسر الأول في تحولها الى ساحة حرب متعددة المستويات وذلك بسبب الشراكة في قراراتها التي هي نتيجة لعدم الاستقرار في قرائتها الاقليمية، فمصر لا تمتلك قراراً سيادياً وبات واضحاً من خلال الموقف المصري من سورية الذي حكمته الرغبة السعودية بقيود لوجستيه أضافت عليه القاهرة النكهات المتعددة لاجتماع المعارضة السورية المدعومة سعودياً في 9 حزيران 2015، ثم تصريحات وزير الخارجية المصري في 31 أيار الذي أكد ان السعودية ومصر لديهما رؤية متوافقة تجاه الوضع في سورية، فمواقف مصر محكومة بالرضا السعودي، جعلت من الدولة الاهرامية تفقد مكانتها في السياسة العربية التي بدأت تفلت من يدها مع تنامي دور السعودية بعد جرّها الى حرب اليمن التي جربت مصر حرارة نيرانها سابقاً، فمع ما شهدناه هل يدرك السيسي الخطر الإرهابي الذي يدق أبواب مصر ويسعى ليقود حربه ضد الإرهاب بالتنسيق والتعاون مع الجزائر من غير ضوء أخضر أميركي أو سعودي؟