مصر… وتصاعد الإرهاب

راسم عبيدات

واضح تماماً أن مشروع الفوضى الخلاقة والمرتكز إلى أساس إدخال الدول والمجتمعات العربية حروباً وصراعات مذهبية وطائفية، تهدف إلى تفتيت وتقسيم وتجزئة وتشظية وتذرير جغرافيتها والعمل على تفكيكها وإعادة تركيبها خدمة للمشاريع الأميركية والاستعمارية الغربية والصهيونية في المنطقة، مستمر ومتواصل ويركز في هجومه لتحقيق هذا الغرض على حوامل المشروع القومي العربي، التي تمتلك جيوشاً وطنية ومؤسسات دولة ومجتمعاً مدنياً، العراق وسورية ومصر. لذلك يجرى التركيز على تدمير هذه الدول الثلاث وتفكيك جيوشها وإعادة واحتجاز عجلة تطورها لعشرات السنين المقبلة، ويستخدم أصحاب هذا المشروع أدواتهم المحلية من القوى التكفيرية والإرهابية «القاعدة» ومتفرعاتها من «داعش» و«نصرة» و«جيش الفتح» و«جند الشام» و«جيش الإسلام» و«أكناف بيت المقدس» و«السلفية الجهادية» وغيرها من تلك الجماعات الإرهابية. تلك الجماعات التي يشرف ويتولى تدريبها وتسليحها وتمويلها ومدها بالمسلحين والتكفيريين والإرهابيين والقتلة من مختلف دول العالم، وتوفير القواعد والمأوى والمعلومات الاستخبارية واللوجستية لها، دول مشيخات النفط والكاز الخليجية والطامحون بالخلافة على حساب الدم والجغرافيا العربية في أنقرة، والدول المحيطة بسورية على وجه التحديد الأردن ولبنان.

ولذلك مع تصاعد الأعمال الإرهابية، بدا يتضح وعلى ضوء الحرب العدوانية التي شنتها وتشنها السعودية على فقراء اليمن، أن الإرهاب الذي يضرب في ليبيا والعراق وسورية واليمن والسعودية والكويت وفي مصر، هو نفسه وأن تعددت التسميات والعناوين ولكنها أسماء وعناوين للمنتج نفسه.

من بعد سقوط حكم الإخوان في مصر، ومصر تتعرض لموجة متواصلة ومتصاعدة من الإرهاب، تطاول معظم المدن المصرية وعلى وجه التحديد سيناء، وليس فقط الإخوان المسلمون وحدهم من يشاركون في تلك الموجة بهدف زعزعة الاستقرار السياسي والأمني في مصر ومنع النظام من تحقيق أية إنجازات اقتصادية، أو توفير الأمن والأمان للمواطن المصري على خلفية خسارتهم الحكم والسلطة وقاعدتهم الأساسية، بل هناك قوى إرهابية أخرى تدعمها وتمولها وتحرضها قوى عربية وإقليمية ودولية في طليعة أهدافها إنهاك الجيش المصري، ومنع مصر من استعادة دورها وقيادتها للعالم العربي، والعودة لمكانتها الفاعلة والمؤثرة عربياً وإقليمياً ودولياً.

موجة الإرهاب الأخيرة التي ضربت مصر، وراح ضحيتها النائب العام وعشرات الجنود المصريين في سيناء ورفح، تشير إلى تطور نوعي في استهداف مصر كجيش وقيادة وجغرافيا، حيث انتقل الإرهاب من الحالة الفردية إلى شكل منظم ومطور وممنهج، ولعل الهجمات الواسعة والتي جرت على مراكز ومقار ومواقع الجيش المصري في الشيخ زويد ورفح وبمشاركة عدد كبير من الإرهابيين واستخدام السيارات المفخخة في الاقتحام، وامتلاك المجموعات المهاجمة أسلحة نوعية ومتطورة، صواريخ ومضادات جوية، شبيهة إلى حد كبير بالهجمات التي نفذها «داعش» وغيره من التشكيلات الإرهابية والتكفيرية ضد الجيشين العراقي والسوري، وهذا مؤشر كبير إلى أن الإرهاب الذي يضرب ليبيا والعراق وسوريا ومصر واليمن والكويت والسعودية وتونس، هو واحد ويحمل أهدافاً وأجندات متشابهة، عنوانها الأبرز التدمير الذاتي عربياً، تقتيل الشعوب، وتدمير مؤسسات الدولة وتفكيك الجيوش، ونهب خيرات وثروات البلدان العربية، واستنزافها مالياً، وتفكيكها جغرافياً.

الهجمات الإرهابية الأخيرة على الجيش المصري في سيناء، ومقتل النائب العام، حدثت في ذكرى ثورة 30 حزيران، وهذا يعني أن لتلك الهجمات معاني ودلالات، ورسالة واضحة للنظام، من قبل حركة الإخوان المسلمين، بأن تلك الحركة لن تسلم بالأمر الواقع، وستستمر في حربها المفتوحة على النظام، النظام الذي رد على قتل العشرات من جنوده، بتصفية تسع من قيادات الإخوان التي اعتبرت مسؤولة بشكل أساسي عن تلك الهجمات وغيرها من الهجمات الإرهابية الأخرى في مصر، وهذه الهجمات وبهذا الحجم من الكفاءة والجرأة وضخامة القوات المهاجمة، تشير إلى أن تلك الجماعات، وجدت بيئة حاضنة، وبينة تحتية أرست قواعدها في سيناء، التي طالما كان النظام ينشر رسائل تطمين بأنه تم تطهيرها من العناصر والجماعات الإرهابية، لكي يكذب الواقع ما يقوله النظام، وهذا ما شاهدناه في الهجمات الواسعة والمنسقة والمتزامنة على أكثر من موقع مصري سيناء ورفح في آن واحد. فسيناء مهمشة تاريخياً من قبل النظام حيث الفقر والجوع والبطالة، لذا تحولت إلى ملاذ آمن لكل الجماعات من مهربين وتجار مخدرات، وفي الآونة الأخيرة حاضنة لكل الجماعات الإرهابية، والتي جرى توظيفها من قبل قوى محلية مصرية «الإخوان» و«إسرائيل» وقوى إقليمية ودولية، لكي تعبث بأمن مصر القومي، ولكي تدخل جيشها في حالة من الإنهاك، ونحن نرى أن هناك اتفاقات بين تلك الجماعات الإرهابية وبين دولة الاحتلال»الإسرائيلي» في سيناء تسليحها وتمويلها ومساعدتها، مقابل عدم التعرض لدولة الكيان، اتفاق شبيه بين تلك الجماعات «النصرة» و«إسرائيل» في جبهة الجولان السوري المحتل، وكذلك في قطاع غزة قوى لها مصلحة في إسقاط النظام المصري، والتي قامت أخيراً بإستعراض قوة في قطاع غزة، وهددت بإسقاط سلطة حماس هناك «داعش»، يضاف إلى ذلك أن حركة حماس، لها علاقاتها الإيديولوجية والتنظيمية والسياسية مع حركة الإخوان المسلمين، ولذلك هي تقف ضد النظام المصري، والأنفاق الموجودة ما بين مصر وقطاع غزة، على رغم الحصار «الإسرائيلي» كان يجرى تهريب السلاح منها إلى قوى المقاومة هناك، وليس من الصعب أن تصل تلك الأسلحة وبالاتجاه المعاكس إلى تلك القوى المتقاطعة الأهداف من أجل إسقاط النظام المصري.

تصاعد الإرهاب ضد النظام المصري وانتقاله إلى حالة منظمة ومهيكلة، ليس مرتبطاً بالوضع في سيناء وقطاع غزة،والبيئة المعادية للنظام المصري فقط، بل هناك جبهة أخرى مفتوحة على النظام، متناظرة الأهداف والمصالح مع تلك القوى، فليبيا بعد ما يسمى بـ«ثورة الربيع العربي» وتحولها لدولة فاشلة تخضع لسلطة من المليشيات والمافيات وغياب السلطة المركزية، ولكون مصر تمتلك أطول حدود مع ليبيا، فلذلك يصبح ليس من السهل على الجماعات الإرهابية والتي تسيطر على سرت، وجماعة الإخوان المسلمين التي تسيطر على حكومة طرابلس، أن تمد الإرهابيين بالمال والسلاح وحتى بالمسلحين، خصوصاً أن النظام يدعم جماعة حفتر ضد حكومة طرابلس الإخوانية.

في ضوء هذا الواقع، فإنّ ما ينتظر مصر ليس استقراراً وشيكاً وحرباً ظافرة ضدّ الإرهاب، بل مزيد من المواجهات ومزيد من الفوضى والاضطرابات التي سيذهب ضحيتها الكثير وتؤثر سلباً في أداء الدولة وفي الاقتصاد المصري، ولهذا بات مطلوباً من النظام المصري في ظل تصاعد الإرهاب، أن يعيد صياغة شكل علاقاته وتحالفاته، وعليه أن يدرك أن المفصل الأساسي في مواجهة الإرهاب والقضاء عليه، وإسقاط مشروع الفوضى الخلاقة، يتطلب تصحيح علاقاته مع سورية وتعزيزها، فهما ضلعان أساسيان في محاربة هذا المشروع، وفي حماية المشروع القومي العربي، فالنظام المصري ضمانته هي سورية، وليس من يبتزه سياسياً من مشيخات النفط والكاز في الخليج العربي، والتي تدفع نحو تهميش دور مصر عربياً وإقليمياً ودولياً.

Quds.45 gmail.com

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى