باتفاق نووي أو من دونه إيران تبقى «تهديداً لمصالح أميركا وأمنها»

د. عصام نعمان

ظاهر الحال يشير إلى أنّ مفاوضات مجموعة دول 5+1 وإيران في فيينا تتجه إلى الاتفاق حول تسوية في شأن البرنامج النووي الإيراني. الخطوط العريضة للاتفاق لخصها مصدر ديبلوماسي روسي في طهران واكب زيارة مدير الوكالة الدولية للطاقة الذرية يوكيا أمانو إلى العاصمة الإيرانية وفسّرها بأنها مؤشر إلى أنّ المفاوضات وصلت إلى نقاط حساسة تستوجب اتخاذ قرارات حاسمة على أعلى المستويات.

الخطوط العريضة، بموجب المصدر الروسي، تتضمّن تطبيق بروتوكول إضافي يفترض السماح بالدخول إلى أيّ موقع، لكن بعد تقديم أدلة على الحاجة إلى ذلك، كأخذ عيّنات من عملية مراقبة الموقع المعنيّ، كما يُفترض الحصول على موافقة الجانب الإيراني، إذ لا يمكن أن يكون الدخول تلقائياً. إلى ذلك، فإنّ مسألة إعادة فرض العقوبات سيُصار إلى إدراجها في نصّ الاتفاق، لكن بضمانة أن يمرّ الأمر عبر مجلس الأمن الدولي، أيّ بالتصويت عليه.

هل ينتهي الصراع بين الولايات المتحدة، ومن ورائها «إسرائيل»، وإيران بمجرّد توقيع الاتفاق النهائي المرتقب؟

الجواب: كلا، لأنّ محور النزاع ليس قدرة إيران على تصنيع سلاح نووي أو عدم تمكينها من ذلك، بل تعاظم قدرات إيران في جميع المجالات ما يمكّنها، بحسب دول الغرب الأطلسي و«إسرائيل»، من تهديد مصالح هذه الدول وأمنها، ولا سيما في الشرق الأوسط.

هذه الدول تعتقد أنّ إيران أصبحت أقوى قوة إقليمية مركزية حتى من دون امتلاك القدرة على تصنيع سلاح نووي، وانّ امتلاكها هذا السلاح الاستراتيجي يضاعف قدراتها الأمر الذي يستوجب حملها على توقيع اتفاق لا يحول دون امتلاكها أسلحة نووية فحسب، بل يوفّر أيضاً لخصومها ومنافسيها الإجراءات والآليات اللازمة للحدّ من تنامي قدراتها ونفوذها، ومعاقبتها إذا اقتضى الأمر.

إيران أدركت هذه الحقيقة المحورية، لذلك أبدت استعداداً لتقديم تنازلات لدول الغرب على الصعيد التقني كونها غير مهتمة بتصنيع سلاح نووي، لكنها تصلّبت في مسألة رفع العقوبات الدولية والعقوبات الأميركية والأوروبية التي آذت اقتصادها وأرهقت شعبها.

تتضح صحة هذا التحليل بتفحّص النقاط الثلاث التي يتمحور عليها الخلاف حالياً في المفاوضات الجارية: مدة الاتفاق، ووتيرة رفع العقوبات الاقتصادية، والآلية اللازمة للعودة إلى فرض العقوبات على إيران مرة أخرى في حال خرقت تعهّداتها. فدول الغرب تريد رفعاً تدريجياً للعقوبات، وآلية متفق عليها تسمح بإعادة فرضها، في حال خرق الاتفاق، من دون العودة إلى مجلس الأمن الدولي، وأن تكون مدة الاتفاق عشر سنوات على الأقلّ.

في المقابل، أصرّت إيران على رفع شامل للعقوبات المفروضة عليها عند توقيع الاتفاق النهائي، وهي لا تريده اتفاقاً طويل الأمد، وترفض أن تبقى لدول الغرب صلاحية فرض العقوبات، بذريعة مخالفة الاتفاق، من دون العودة إلى مجلس الأمن الدولي.

حتى لو أمكن التوصل إلى اتفاق نهائي يراعي هواجس أطراف النزاع ومطالبهم، فإنّ دول الغرب، ولا سيما الولايات المتحدة وفرنسا ومن ورائهما «إسرائيل» لن تتوقف عن ممارسة ضغوط سياسية واقتصادية وعسكرية على إيران للحدّ من تعاظم قدراتها في مختلف المجالات. ليس أدلّ على هذا التوجّه الأمني الصارم من الوثيقة الاستراتيجية الجديدة التي نشرتها وزارة الدفاع الأميركية «البنتاغون» 2/7/2015 وحدّدت فيها أربع دول بوصفها «تهديداً للمصالح الأمنية الأميركية». فالوثيقة تنصّ على أن روسيا والصين وإيران وكوريا الشمالية «تسعى إلى تهديد المظاهر الرئيسية للنظام الدولي … وأنّ كلاَّ من هذه الدول تطرح مشكلات أمنية».

ضغوط دول الغرب الأطلسي ربما تتجلّى أكثر ما يكون في مثابرتها على إضعاف حلفاء إيران الإقليميين: سورية وقوى المقاومة الفلسطينية «حماس» و«الجهاد الإسلامي» وقوى المقاومة اللبنانية حزب الله وتحالف القوى اليمنية المناهضة للسعودية الحوثيون وحلفاؤهم .

في المقابل، يتركّز هجوم إيران المضادّ على دول الغرب و«إسرائيل» بمثابرتها على دعم سورية والعراق وقوى المقاومة اللبنانية والفلسطينية المعادية لتنظيمات «داعش» وجبهة «النصرة» وغيرهما من القوى الإسلاموية المتطرفة، ولا سيما تلك التي تتلقى دعماً من تركيا وبعض دول الخليج.

في ضوء هذه الواقعات ينهض سؤال: هل يُفضي الاتفاق المرتقب بين دول الغرب وإيران إلى تسوية معها من شأنها تنفيس الصراعات التي تعصف بسورية والعراق واليمن وليبيا؟

ليس في المستقبل المنظور. ذلك أنّ الأمر يتوقّف على خمسة اعتبارات متداخلة ومتناقضة:

الأول، مدى استجابة الاتفاق المرتقب لهواجس ومصالح الدول التي ستوقعه، ولا سيما الولايات المتحدة وإيران.

الثاني، موقف حلفاء الولايات المتحدة الإقليميين، ولا سيما السعودية و«إسرائيل»، من الاتفاق ومفاعيله وانعكاساته على سياساتهم ومصالحهم في شتى دول المنطقة.

الثالث، تداعيات الاتفاق على مصالح لاعبَين إقليميين أساسيين: تركيا التي لها سياسة «عثمانية» توسعية في بلاد الشام وبلاد الرافدين، ومصر التي تحاول إعادة بناء نفسها اقتصادياً واستعادة دورها العربي والإقليمي استراتيجياً في وقتٍ أصبحت هدفاً لحرب مباشرة تشنها عليها «داعش» في سيناء وحتى في قلب القاهرة.

الرابع، مواقف قوى المقاومة العربية من جهة والقوى الإسلاموية السلفية المتطرفة «داعش» وإخوته من جهة أخرى، ومدى استجابة الاتفاق ومفاعيله لهواجسها وأهدافها ومصالحها.

الخامس، موقفا روسيا والصين اللتين لهما مصالح وتحالفات في المنطقة الأمر الذي يحملهما على المشاركة، سلباً أو إيجاباً، في الصراع الذي سيعقب الاتفاق النهائي وذلك في ضوء ما يفرزه من تحديات وفرص لمصالحهما ومصالح حلفائهما الإقليميين.

آنيّاً، تستطيع الدول السبع التي تتفاوض في فيينا القول إنه أمكن التوصل إلى اتفاق «رابح – رابح» بين جميع الأطراف. لكن ما لم تتخلَّ كلٌّ من أميركا وإيران عن بعض أهدافهما الاستراتيجية ومصالحهما المتعارضة في المنطقة أو ترتضيان تحجيمها، فإنّ الاتفاق النهائي المرتقب لن يطفئ نار التناقضات بين الطرفين بل سيدشن فصلاً جديداً من الصراع في منطقةٍ غارقةٍ أصلاً في صراعات محتدمة ومزمنة.

وزير سابق

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى