ليلة اغتال الانحطاطُ الفيلسوف
ميشال نخلة
في ليل السابع ـ الثامن من تموز عام 1949 من الزمن الرديء، اقتُرفت محاكمةٌ لمستقبل أمّة ظنّها أعداؤها منقرضة. في تلك الليلة ـ الدهر، حاصرت الفيلسوفَ جحافل الجهالة والحقد والتبعية، ودبّجت له مؤامرة أفضت إلى تغييب وجوده الجسديّ.
في قاعة المحكمة تلك كانت المواجهة. في ظاهرها، بين سعاده، باعث نهضة لا نظير لها في العصر الحديث، و«الدولة اللبنانية»، والدة الحرب الأهلية التي أحرقت البلاد بعد عقدين ونيّف. أما المواجهة الفعلية، فقد كانت بين الفلسفة والجهل، بين النهضة والانحطاط، بين الأثرة المعطاء والفردية المدمّرة… بين الشموخ والخنوع.
لم تجترح مخيلة ممثل «دولة الاستقلال» مقدّمة لمطالعته «الحقوقية» إلا اقتباس أبيات شعرية تعبّر عن أنانيته الوضيعة، التي لا ترى في كل ما يقوم به العمالقة إلّا مشروعاً شخصياً بأبعاد فردية وأهداف ضيقة.
بدأها بصدر البيت الأول، «بكى صاحبي لما رأى الدرب دونه»… وختمها بعجز البيت التالي: «نحاول ملكاً أو نموت فنُعذرا»!
هكذا، وبسطحية مطلقة، كان سعاده، بالنسبة إلى أقزام النظام المسخ، صاحب مشروع شخصيّ. كان «يحاول ملكاً أو يموت فيُعذرا».
سعاده المفكر والفيلسوف وعالم الاجتماع ومؤسّس النهضة وقائدها ومطلق مشروع التغيير الثقافي في سوريا الطبيعية، ومنها إلى العالم العربي، استحال مغامراً سياسياً «يحاول ملكاً». وقد قرّروا له الموت لكي «يُعذرا».
إننا لنظلم مخلوقات مثل تلك لو طلبنا منها أن تنظر عبر قيم لم تنشأ عليها: القومية… العزّ… نكران الذات!
في تلك الليلة الطويلة، احتشدت حول سعاده نفوس صغيرة تنوء تحت العقائد الكبيرة، فتشعر بخطرها عليها وتغتالها. في تلك الليلة، كان يهوذا وكان قيافا وكان بيلاطس البنطيّ وكلّهم يصرخون: اصلبوه! اصلبوه!
وهكذا كان.
مدرسة الفلاسفة هذه خرّجت أبطال هذه الأمة من أمثال عساف كرم و ميشال الديك ووجدي الصايغ وسناء محيدلي وخالد علوان وكلّ الخالدين الذين صنعوا قافله شهداء النهضة.
أما سبط الأقزام ذاك، فقد أنتج العملاء والجواسيس والخونة والمرتهنين والفاسدين الذين يبيعون كلّ يوم هذه الأمة بما تيسر من فتات الفضة أو أقلّ.
في الليلة الدهرية تلك، غدر الخنزير البرّي مرّة أخرى بآدون… فنزف آدون حتى النهاية، وسقى أرض وطنه بدمائه فاستحالت حقولاً من شقائق النعمان.
عميد الثقافة والفنون الجميلة في الحزب السوري القومي الاجتماعي