كامل حتى آخر الموت
د. منير سعيد مهنا
لا بدَّ أن نعترف أن ريشة الضوء كانت في البدء ترسم فضاءً من رؤى. وأنّ السفر في ذلك التيه كان صلاةً تُلهمُ إرادة المؤمنين. وكان على وعده، سيّد المسافة بين حالين: عطش الأرض إلى معناها، وتوق أسرار النفوس إلى ماء السماء. على شفتيه نهض اليقين من ذاكرة التاريخ، وأرتعشت في جسد الكلمات تحوّلات، وأمتلأ النقاء بفيض الحقيقة ليهدر الصوت بالفرح ويقول: «لا خلاص لنا إلّا بالقوة المنظّمة، أيتها الشبيبة السورية…إلى الأمام». ولأنه عاشق من طراز حياة، ترك للحبّ أن يبتكر اسمه، فكان أبجديةً من فداء، ومنارةً من عطاء، وحرّيةً من سناء، وكان اسمه أنطون سعاده. ذلك الاسم، كان أوّل النبض في شهقة فجرنا، تبعناه وتنفّسنا بهاء اليقظة على حقيقة هي «من نحن؟». ذلك الاسم، كان أوّل النطق في حكمة مصيرنا، سمعناه وانطلقنا في دروب الحقّ نجوبها بطولات مؤيدة بصحة العقيدة.
ذلك الاسم، كان نسب الإيمان إلى الروح في قداسة الإنسان، آمنّا به فأشرقت نفوس توّاقة إلى كل حقّ وخيرٍ وجمال. ومن ذلك الاسم تعلّمنا كيف ينسكب الحبّ على كلّ جرح، فيتبلسم. وكيف يكون المجد فاتحة الوعد وخاتمة الكلام.
وفي ذلك الاسم اجتمعت فرادة تؤاخي بين ذوات تجانست في إيقاعِ ذات واحدة، فكانت كلٌّ في واحدٍ، وواحدٌ في كلٍّ.
أنطون سعاده، أنت اليوم أقرب ما يكون إلينا بكلّ ما أعطاه عقلك الفذّ من أفكار ومفاهيم في عقيدة لم تكفّ عن إيضاح الرؤى. وأنت اليوم أصدق ما نصغي إليه بكلّ ما صاغته كلماتك من بيان القول وفصل المقال. وأنت اليوم أبهى ما نتوق إليه في نُبل ما مارسته في وجودك من سلوك ومواقف. في ذكرى الثامن من تمّوز، تنحني لك النهايات والبدايات، أنت أيها الذي مدّ معناه على كلّ غياب ليصير بوصلة الجهات… والحياة. لم تكن فينا إلّا كاملاً حتى آخر الموت، أليست الشهادة هي كمال الحياة خارج رهان الموت؟
باحث لبناني