أحداث الجزائر… ماذا ينتظر آخر الجمهوريات المستقرة؟
ناديا شحادة
لم يعد خافياً على أحد أن ثورات ما يسمى بـ «الربيع العربي» اتاحت الفرصة الكاملة للتنظيمات الارهابية كي تعيد ترتيب أرواقها وتبحث عن استراتيجيات جديدة في المنطقة، فالدولة المستهدفة اضحت مركزاً دولياً مهماً للتنظيمات الارهابية قاطبة، فبعد رحيل الانظمة وسقوط مؤسسات الدولة لا سيما الأمنية، انتشرت الجماعات الارهابية وباتت تسعى الى تطبيق أجندات مرسومة خارجياً، مستخدمة كل الطرق المتاحة امامها ومنها إشعال الفتنة المذهبية والطائفية والتي بدأت في عالمنا العربي لضرب امن واستقلال تلك الدول ودول الجوار.
فالأحداث الأمنية التي تشهدها دول شمال افريقيا من مالي الى ليبيا وتونس ما هي إلا مقدمات لضرب الدولة الوطنية في الجزائر التي لم يصلها ويشعلها الربيع العربي، فمؤشرات كثيرة تنبئ باقتراب إشعال الجزائر بداية من بث فتنة الحرب الأهلية في البلاد، فالأحداث الأمنية التي شهدتها مدينتي بريان والقرارة بولاية غرداية جنوب الجزائر، ذات الطابع الطائفي، بين مواطنين من العرب والامازيغ وأدت الى قتل 25 شخصاً وأكثر من خمسين جريحاً، وسط حالة من العنف والتخريب وحرق لمئات المحلات التجارية والمساكن حسب ما صرحت به مصادر أمنية.
يؤكد المتابعون ان هذه الاعمال التي اندلعت مطلع الاسبوع هي الأسوأ منذ سنوات في المنطقة المضطربة التي تتصاعد فيها التوترات كثيراً بين الشعانبة العرب المنتمين الى المذهب المالكي وأبناء البربر من بني ميزاب، وهم من شعب الامازيغ ومنتمون الى المذهب الإباضي في شمال أفريقيا، هذه الأحداث لم تكن الأولى، فقد بدأت المواجهات الطائفية بغرداية في كانون الاول عام 2008، وتجددت المواجهات بين اتباع المذهبين في نيسان 2009، واعتبرت الأحداث الاعنف والأخطر التي تشهدها الجزائر بين العرب والامازيغ وخلفت شخصين وجرح اكثر من 25 كونها المواجهات الأولى ذات الطابع العرقي والمذهبي تشهدها البلاد منذ الاستقلال. ومنذ كانون الأول 2013، تشهد محافظة غرداية أعمال عنف طائفية متقطعة بين العرب المالكيين والأمازيغ الإباضيين، أسفرت عن سقوط عشرات القتلى ومئات الجرحى، وتخريب واسع للممتلكات الخاصة، وتتكرر هذه المواجهات في كل مرة على شكل مناوشات بين شباب من الطائفتين قبل أن تتوسع إلى أعمال عنف على نطاق واسع. فشلت السلطات في وقف المواجهات الطائفية على رغم تواجد أكثر من 8 آلاف شرطي في المحافظة التي لا يزيد عدد سكانها على 380 ألف نسمة إلى جانب الزيارات المتكررة للمسؤولين هناك.
فأعمال العنف تلك والتي ازدادت وتيرتها مؤخراً أثارت انزعاجاً وقلقاً من احتمال زج البلاد الجزائرية الى الفوضى والحرب الطائفية التي ترفضها غالبية الأئمة في المحافظة ويعتبرون التصدي له شغلهم الشاغل، ولكن وقوع ضحايا من الجانبين أدى الى تعقيد مهمة الأئمة، وزاد الوضع خطورة ولم يعد ذلك مجرد مواجهات بل إرهاب، وبناء على ذلك كلف الرئيس الجزائري عبدالعزيز بوتفليقة في 8 تموز قائداً عسكرياً بالإشراف على عملية استتاب الامن في الولاية خوفاً من ان الوضع قد يفضي الى احتمالات اللجوء الى سيناريو تقسيم الجزائر على اساس مذهبي وطائفي، حيث كان قد حذر الرئيس الجزائري سابقاً العرب والمسلمين من المؤامرات التي تستهدف تأجيج الطائفية والمذهبية بينهم وتلك التي تستهدف زرع بؤر مذهبية في المنطقة.
فمع الأحداث الإرهابية التي بدأت تظهر مؤخراً في منطقة شمال أفريقيا ومع الفتنة القديمة المتجددة في محافظة غرداية ومع تحذير رئيس حركة مجتمع السلم عبدالرزاق مقري من تداعيات الحرب الأهلية التي تعيشها مدن غرداية على وحدة واستقرار البلاد داعياً السلطة الى التدخل العاجل من أجل إيقاف أعمال العنف الطائفي، ومع دعوات السلطات الجزائرية اعيان المجموعتين الى العمل الى إطفاء الفتنة والصراعات الطائفية وإرساء المصالحة وترسيخ ثقافة التعايش السلمي والتحذير من مخاطر هذه الصراعات على وحدة المجتمع وكذلك من الاستغلال الخارجي لمثل هذه الأحداث والخلافات المذهبية للاساءة الى الجزائر. يبقى السؤال ماذا ينتظر الجزائر آخر الجمهوريات المستقرة في المنطقة؟