لتوحيد مواجهة الإرهاب

بلال شرارة

ما يجب الاعتراف به هو أنّ مواجهة الإرهاب على المستويين الجغرافي والسياسي ليست بحجم التحدي حيث ما زال الإرهاب على مساحة مشروع الشرق الاوسط الجديد في حالة هجوم على رغم التحالف الجوي الدولي وغارات الطائرات من دون طيار التي تستهدف أعداء الولايات المتحدة الأميركية من «القاعدة» وأنصارها، فيما تبرز مواجهة تحدّي الإرهاب إقليمياً وعربياً اختلافاً على تحديد مفهوم الإرهاب و المنظمات الإرهابية وما زال يجري ترتيب أولويات إقليمية وعربية انطلاقاً من اعتبار:

أولاً: الجمهورية الإسلامية الإيرانية العدو المركزي.

ثانياً: إسقاط النظام في سورية وإنجاز معركة حلب.

ثالثاً: انسحاب حزب الله من سورية.

رابعاً: إنجاز معركة عدن في اليمن وجعلها قاعدة ارتكاز برية لحركة التحالف بقيادة السعودية.

وسط هذا تتواصل المعارك لصدّ التدخل «الاسرائيلي» في المسألة السورية اعتباراً من جبهة الجنوب السوري الواقعة على تماس مع الأجزاء المحتلة من الجولان والحدود الفلسطينية، وكذلك اعتبار أنّ إنجاز تحرير منطقة الزبداني من تسلط المنظمات المسلحة أولوية استراتيجية للحكومة السورية وحلفائها وبما يخدم الأمن اللبناني.

وفي مواجهة تحدّي الإرهاب وبشكل مشترك بحسب المفاهيم الملتبسة يواصل الإرهاب هجومه من المحيط إلى الخليج، فيما تستمرّ المواجهات غير الموحدة باستثناء اجتماع وزراء داخلية مجلس التعاون الخليجي في الكويت يوم الجمعة 3 تمّوز الجاري، وتأكيده أهمية التنسيق والتعاون في الإجراءات كافة والخطوات الرامية للتصدّي لهذه الآفة الخطرة الإرهاب وتقدّم أمير الكويت لصلاة الجمعة المشتركة بين السنة والشيعة يوم الجمعة الماضي.

هذا على الصعيد الخليجي أيضاً، أما في اليمن فلا بدّ من ملاحظة الصراع على عدن وبناء أنصار الله والجيش اليمني لتفاهمات مع قادة الجنوب على إدارة المنطقة مقابل إصرار التحالف بقيادة السعودية على تحرير ميناء عدن وجعله قاعدة ارتكاز عسكري ارتكازاً على خلفية تشريع أنصار هادي اعتبار الحرب على الحوثيين مثل الحرب على القاعدة .

ومع هذا الصراع لا بدّ من تسجيل محاولة التمدّد الداعشي سعودياً بعد المواجهة بين عناصر الأمن ومطلوبين إرهابيين في محافظة الطائف.

ومصرياً، ما تجدر ملاحظته أنه على رغم المسيرات الإخوانية المحدودة في ذكرى عزل مرسي فإنّ ولاية سيناء الداعشية واصلت التهديد بتصعيد الضربات في سيناء، خصوصاً أنها تلقت إسناداً بشرياً جراء فرار مسلحي «داعش» من ليبيا إلى مصر عبر الحدود على وقع معارك درنه وتقدّم الجيش الليبي، وهو ما استدعى المحاولة الفاشلة لإقامة ولاية في شمال سيناء لتأمين قواعد ارتكاز وسكن للآتين وهو أمر أحبطه الجيش المصري .

وعراقياً، على وقع هجوم «داعشي» في منطقة الأنبار، يبدو أنّ زحم المعارك الحكومية ضدّ «داعش» قد تراجع، فيما ما زال رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي يحاول من دون جدوى بناء تعاون دولي لوقف تدفق الإرهابيين إلى بلاده.

وسورياً، على رغم انكسار زخم هجوم «النصرة» وحلفائها في حلب، إلا أنّ انقسام مفهوم الإرهاب جعل معركة حلب مفصلية فيما تواصلت الحرب وتقدّم الجيش السوري وحلفائه في الزبداني.

وفي تركيا، تواصل المحاولات الرسمية للالتفاف على اعتراض هيئة الأركان على عملية عسكرية لإقامة «منطقة سورية عازلة» على الحدود مع تركيا بعد تعيين وجدي غونول وزير للدفاع وهو أحد الشخصيات المقرّبة من أردوغان.

وتونسياً، يواصل الإرهاب هجومه وقد رصدت تحركات مشبوهة في مرتفعات جبلية في محافظة سيدي بو زيد في وقت أصدر فيه رئيس الجمهورية قراراً.

وفي مالي والجوار، تتواصل أصداء الكمين الإرهابي لجنود الأمم المتحدة في منطقة «تاميكو» شمال غربي مالي.

ولبنانياً، وسط تهديدات الإرهاب المتواصلة للحدود الشرقية والشمالية والداخل اللبناني ووسط الأحداث الخشنة المتواصلة في مخيمات اللاجئين الفلسطينيين والجوار اللبناني للمخيمات، تتراجع خدمات الأونروا وصولاً إلى التهديد بإبعاد مدرّسين بسبب غياب الدعم المالي لخدمات المنظمة الدولية والوقوف محلياً خلف المزاعم عن اتساع الخلاف المذهبي داخلياً بحسب كلام وزير الداخلية.

وهكذا يبدو من صورة المشهد تصعيد حدة الحروب الصغيرة في كلّ مكان، وهو الأمر الذي يشبه المثل الإنكليزي «الماء الماء في كلّ مكان»، الأمر الذي يستدعي عدم ترك أيّ موقع أو محور وحيداً طبعاً مع الإشارة إلى أنّ الانقسام يتكرّس فلسطينياً أكثر وأكثر وسط تبادل الاتهامات بين السلطتين في رام الله وغزة عن اعتقالات متبادلة ووسط كلام لجنرال «إسرائيلي» عن علاقة لحماس بالعمليات الإرهابية في سيناء.

الاضطراب مستمرّ كما أشرنا على وقع انتشار قوات تركية إضافية على الحدود مع سورية، ومناورات عسكرية «إسرائيلية» في شبعا، وكلام أردني عن منطقة سورية عازلة على الحدود مع الأردن وتحويل انتباه مصر على وقع الخلافات مع إثيوبيا والسودان على مسائل متصلة بسدّ النهضة.

والاضطراب مستمرّ وسط اعتبار مواجهة الإرهاب استحقاقاً داخلياً هنا وهناك، ووسط طرح مشاريع قوانين محلية تسمح باستدعاء الاحتياط في تونس وتجريم الإرهاب في مصر.

طيب، هل المطلوب خطط وطنية أم شرعة عربية لمكافحة الإرهاب؟

هل المطلوب استنفار عسكري وأمني واستدعاء الاحتياط في هذا القُطر أو ذاك أو تفعيل اتفاقات عربية مشتركة؟

هل المطلوب إجراءات بوليسية وطنية أم إنتربول عربي؟

هل المطلوب أن «نمذهب الإرهاب» أم أن نتفق على أنّ الإرهاب التكفيري هو وجه العملة الآخر للإرهاب «الإسرائيلي»؟

ربما سيبقى الجدال العربي وليس البيزنطي دائراً حتى يبلغ السيل الزبى وحتى يهزّ الإرهاب الغربال تماماً ويهدّد كلّ نظام عربي بانتظار توحيد الجهود الأمنية والعسكرية وقبل ذلك الثقافية والسياسية والاقتصادية لتجفيف قواعد الإرهاب.

الحرب ليست بين تكريس «الهلال الشيعي» أو «القمر السني»… الحرب هي من أجل إقصاء الإرهاب بكلّ أبعاده واستعادة استقرار نظامنا والاعتراف بـ«الحلّ السياسي» لحروبنا الصغيرة وبجدوى الديمقراطية في بناء نظامنا القطري والعربي وتوحيد العمل العربي المشترك لصياغة الأمن الإقليمي وكيفية بناء الثقة بالجوار الإسلامي «التركي والإيراني» والجوار الأوروبي ومصالحنا العالمية.

أعترف أنّ ما أكتبه زيادة عن المطلوب والمطلوب مقال لصفحة أخيرة ولكن…

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى