أردوغان والملف السوري…
ناديا شحادة
يبدو ان الرجل الذي هيمن على السلطة في تركيا لأكثر من عشر سنوات بات الآن مستعداً لتقاسم السلطة بعد خسارته بالانتخابات البرلمانية، هذا الرجل الذي كان يحلم بإعادة مجد الامبراطورية العثمانية، وببقائه منفرداً بالسلطة بالاضافة الى حلمه بإسقاط الرئيس السوري بشار الاسد، وناشد المرة تلو الاخرى الرئيس باراك اوباما تقديم المساعدات للمعارضة السورية لقلب موازين القوى لمصلحتها، حيث طالبت انقرة واشنطن بالتدخل عسكرياً لإسقاط النظام السوري، فأردوغان يدرك جيداً انه من دون التدخل الاميركي المباشر لن يحدث أي شيء في سورية لمصلحة المعارضة، ولكن الرفض الاميركي في الاستجابة لطلباته بإرسال الأسلحة او التدخل العسكري المباشر في سورية والاكتفاء فقط بإرسال مساعدات انسانية صدمت أردوغان وتلاشت أحلامه بعد فشله بالضغط لتغيير النظام، وباتت تركيا الآن تخشى من أي تغيير ديمغرافي في سورية، إضافة الى خوفها من تداعيات استراتيجية من الوزن الثقيل قد يرتد عليها نتيجة الأزمة السورية وبقاء الرئيس بشار الاسد في السلطة، وأصبح أردوغان أقرب من أي وقت مضى من البحث في حلول جدية سياسية في سورية، ففي شكل لافت أكد الرئيس التركي في 10 تموز ان التوصل الى حل سياسي حقيقي في سورية هو الذي سيقضي على ما يسمى الارهاب هناك، مطالباً المجتمع الدول بالتوقف عن النظر الى سورية عبر ما سمّاه عدسة تنظيم دولة «داعش»، معلناً ان بلاده لن تقبل بأي تغيير ديمغرافي في سورية.
أردوغان الذي كانت لديه طموحات وأهداف عديدة التي يريد تحقيقها في سورية، وطالب المجتمع الدولي سابقاً بضرورة إنشاء منطقة أمنة داخل سورية، لكن لم تلقَ مطالبه للمجتمع الدولي ولدى الولايات المتحدة بشكل خاص صدى، وتبدد حلم أردوغان الذي افقد النموذج التركي جاذبيته وتسبب في تراجع تأثير انقرة في المنطقة وفشل في منح انقرة دوراً مركزياً رغم تحركاته نحو الشرق والغرب وبين السنة والشيعة وهذا ما أكده تحليل نشره مركز بحوث الأمن القومي «الاسرائيلي».
يؤكد المتابعون ان الأزمة السورية أظهرت مكامن الضعف في تركيا التي ساهمت في الدعم اللوجستي للجماعات الارهابية حيث أصبحت مركز استقبال الإسلامين المتطرفين القادمين من أصقاع الأرض لمحاربة النظام السوري، ولكن كل المشاريع والخطط والبرامج الإرهابية فشلت على أرضها على رغم فتح حدودها امام الآلاف من المجاهدين للانضمام الى «داعش والنصرة»، ولم يخطر له ان الأرضية التركية مليئة بالألغام السياسية الموقوتة، مع العلم أن الخبراء الاستراتيجيين الاتراك لفتوا انتباهه على احتمال تطور الأزمة السورية وتأثيرها في الدخل التركي بعدما استطاع الاسد الصمود، ما ادى الى احصاء العديد من التحديات والمخاطر التي تواجهها تركيا اليوم، ولعل اول الأخطار الذي تجلى في المسألة الكردية، حين حاول أردوغان على رغم انشغاله بالملف السوري أن يتجاهل التحديات التي يواجهها في الآونة الأخيرة وعلى رأسها الأزمة الكردية التي شهدت تفاقماً خطيراً وتصعيداً عسكرياً، وكانت لها انعكاسات سلبية على شعبية اردغان وحزبه، وأدت الى فوز الاكراد في الانتخابات البرلمانية بنسبة 13 في المئة وللمرة الأولى، ما يعتبر تعديلاً في موازين القوى في تركيا لمصلحة الاكراد، وهذا ما اكده الكاتب والمحلل السياسي التركي سعد محيو، مضيفاً ان هذه الانتخابات التي شكلت خيبة امل لأردوغان ستعيد التوازن الشخصي له سواء على الصعيد الشخصي او على الصعيد المجتمع، اضافة الى تزعزع النزعة السلطوية التي تسيطر على شخصية اردوغان وضبطها. فالملف الكردي وتداعيات الملف النووي الايراني الذي بات الاتفاق النهائي عليه قاب قوسين او أكثر وأصبح يقف العالم في اللحظات الأخيرة لتوقيعه على ايقاع حروب المنطقة واجتياح الارهاب المنظم للعديد من دول الشرق الاوسط وشمال افريقيا، ستؤدي الى تغيير سياسة انقرة تجاه ملفات المنطقة. وبالذات بعدما كان قد وصف سابقاً رئيس وزراء تركيا احمد اوغلو اتفاق الاطار التي تم التوقيع عليه في لوزان بأنه خطوة ايجابية، ودعا الاطراف الى التصرف بمسؤولية من اجل الدفع بالملف قدماً الى الامام ليكون بداية عهد جديد من الاستقرار للمنطقة.
فمع فشل أردوغان في حصوله على الغالبية في الانتخابات البرلمانية حيث بات في حالة موت سريري سياسياً، ومع قرب التوقيع على الملف النووي الايراني الذي ستكون له تداعيات على ملفات المنطقة يبقى السؤال هل تدرك انقرة ما عليها القيام به وتعترف بأهمية الانخراط في الحلول السياسية التي تجتاح ملفات الشرق الاوسط؟