ماذا تريد الحرب من السوريّين؟

تامر يوسف بلبيسي

مع تطور الأحداث في سورية عرف السوريون أنّ هناك حلفاً كبيراً لا يريد الخير لبلدهم ويحاول توظيف مشاكلها الداخلية الطبيعية بالنسبة إلى بلد كسورية وتحويلها إلى أزمة، والقصد بالأزمة هو مشاكل لا تجد لها حلولاً، ومن ثم تحويل الأزمة إلى حرب، وتحويل الحرب إلى باب لتوريد الإرهاب وتمكينه من بناء مرتكزات متينة، وصولاً إلى جعل الخلاص بعيداً ومستحيلاً إذا أمكن، حتى ترضخ سورية ويقبل السوريون ما لا يمكن لهم قبوله في ظروف مختلفة، وما لا يشبه في شيء ما كان السوريون يسمعونه في بداية الأحداث كمطالب لمعارضة أو أهداف لاحتجاج.

لم يعد خافياً بالنسبة إلى السوريين أنّ ثمة مطلبيْن علنيّين ظاهرين يتردّدان مع أصوات المدافع والتفجيرات، الأول أن يتقبّل السوريون فكرة أنهم توقفوا عن النظر إلى هويتهم بصفتهم عرباً سوريّين وارتضوا كما كثير من المواطنين العرب، بتصنيف بعضهم طوائف ومذاهب وتحديد الخيارات تجاه الحرب والتحالفات أثناء الحرب وبعدها على أساس هذه النظرة، فلا يبق شيء اسمه موقف سوري أو حلف مع سورية أو لسورية، ويصير لكلّ طائفة أو مذهب مواقف وحلفاء، وبالتالي خصومات وعداوات، ولا مانع إذا تقبّل السوريون عداواتهم لبعضهم بعضاً على هذا الأساس، وصولاً إلى إعادة تكوين الدولة وفقاً لصيغة تنطلق من اعتبار السوريين أقلّ من شعب، وأكثر من طوائف، فيبقون بلداً موحداً، لكن يجري تركيب الدستور والمؤسسات الدستورية في هذا البلد على أساس تجمّع هشّ لمجموعة متناحرة ومتنابذة من الطوائف والمذاهب، التي يتبع كلّ منها إلى دولة خارجية تسمّيها حليفاً أو راعياً وتتولى بالنيابة عنها التفاوض على مصيرها وتقرير من يمثلها في الدولة ومؤسساتها، وهذا يعني إنهاء عهد وجود دولة سورية مستقلة، كانت لاعباً مهماً وفاعلاً، وصاحبة دور لا يمكن تجاهله في معالات المنطقة، لتتحوّل إلى ملعب يتقاسمه الآخرون ويقرّرون كيفية ملء مقعد سورية في معادلات المنطقة والسياسات الإقليمية والدولية.

الأمر الثاني الذي سار بالتلازم والتزامن مع السعي إلى فك عناصر الوحدة الوطنية بين السوريين، هو ما كان يظهر ويخفت بين وقت وآخر من حضور لـ»إسرائيل» التي لم تظهر حيادية يوماً من الأيام تجاه ما يجري في سورية، فمنذ البداية كان الاهتمام «الإسرائيلي» باستهداف الجيش السوري في نقاط قوته التي تهمّ «إسرائيل» كالحرب الإلكترونية التي دمّرت إحدى وحداتها قرب بلدتي نوى في محافظة درعا بداية الأحداث، والدفاع الجوي، واغتيال العقول العسكرية، وخصوصاً عقول التصنيع الحربي والخبراء والطيارين المتفوّقين، كما أظهرت اهتماماً بضرب شرايين العلاقة بين الجيش السوري ومقاومة حزب الله، وصولاً إلى الكشف عن مشروع إقامة حزام أمني حول الجولان تستخدم فيه فرع تنظيم «القاعدة» في سورية بصورة رسمية، كما صرّح وزير الحرب «الإسرائيلي» كاشفاً عن علاقة التحالف مع «القاعدة» من دون حرج، وما يعنيه ذلك من مسؤولية عن الأعمال الإرهابية التي قتلت من السوريين الآلاف، ودمّرت المنشآت وسعت إلى السيطرة على الجغرافيا السورية، وآخر الاهتمامات «الإسرائيلية» كان السعي إلى بث الفرقة بين سكان جنوب سورية على أساس طائفي وادّعاء الحرص على طائفة والقلق على طائفة والتعاون مع طائفة وعرض الحماية على طائفة.

يستطيع كلّ سوري يتمعّن في المعروض على السوريين أن يكتشف أهداف تحويل المشاكل الطبيعية التي كانت تعيشها بلدهم، إلى أزمة مستعصية على الحلّ، وتحويل الأزمة إلى حرب والحرب إلى مدخل لتنمية الإرهاب واستقدامه ورعايته وصولاً إلى مفاوضة سورية على شيء آخر هو الهوية والاستقلال.

يستطيع كلّ سوري أن يتذكر كيف كان مطلب تعديل المادة الثامنة من الدستور حلماً لدى المعارضة، وكيف صار إلغاؤها أمراً بلا قيمة، وكيف كان تعديل الدستور مطلباً أقرب إلى السراب وصار وضع دستور جديد شأناً لا يستحق الوقوف أمامه، وكيف كانت المشاركة في حوار مع الحكومة هدفاً وصارت عرضاً لا يستحق النقاش، وكيف كان العمل السلمي عنواناً وصار الحلّ العسكري شعاراً، حتى صار هناك شيء اسمه الحرب ومن بعده الإرهاب وبعدهما لائحة الشروط لوقف الحرب والتعاون للخلاص من الإرهاب.

الغالبية العظمى من السوريين انتصرت على إغراء الخروج من الهوية العربية السورية إلى الهويات الطائفية والمذهبية، وانتصرت على دعوات التخلي عن خيار الاستقلال الوطني واتخاذ مراجع لمصيرهم وقرارهم خارج بلادهم، وما يعنيه كلّ ذلك من أنّ الحرب والإرهاب والأزمة قد فشلت كلها في تحقيق أهدافها، وبقيت المشاكل على رغم كلّ ما أضيف إليها وما تراكم فوقها من تبعات وتداعيات، لكنها مهما تعاظمت فهي تهون أمام ما كان سيحصل لو هزمت الأزمة والحرب والإرهاب سورية والسوريين، وتهون أمام إرداة السوريين المتمسكين بهويتهم واستقلالهم.

يثق السوريون بأنّ ما أنجزوه بتمسكهم بالهوية والاستقلال سيعني مع المتغيّرات المقبلة في المنطقة والعالم، بدء اقتراب انتصار سورية على الإرهاب الذي بدأ يدقّ أبواب الذين استجلبوه إلى سورية، ومكّنوه فيها ومنها، واقتراب نهاية الحرب بسقوط أهدافها، وتراجع الأزمة لفقدان وظيفتها، ليتمّ التفرّغ لحلّ المشاكل بعقلية وروحية تحت عنوان المزيد من التضافر والتكامل بين السوريين المتمسكين بهويتهم الواحدة الموحدة والذين لا يقبلون مساومة على استقلالهم الوطني.

مغترب عربي سوري في الكويت

رئيس مجلس إدارة قناة «زنوبيا» الفضائية

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى