4 عقود انتهت
لن يشهد سعود الفيصل وزير خارجية السعودية الراحل توقيع الاتفاق النووي التاريخي بين إيران ومجموعة 5+1، كما انه لن يشهد نهاية الأزمة في سورية بحلّ سياسي يؤكد بقاء الرئيس السوري بشار الأسد رئيساً شرعياً في البلاد.
سعود الفيصل رحل بعد أربعة عقود أمضاها على رأس الديبلوماسية السعودية التي احتكرها بِاسمه وبِاسم عائلته حتى باتت أحد رموز الحياة السياسية السعودية.
لكن الفيصل ترك منصبه قبل وفاته بشهور عدة، وذلك لأنّ النهاية حانت… لكنه لم يكن يعرف أنها نهاية أبدية أيضاً يفارق فيها اسمه الحياة.
الخارجية السعودية اسم ورمز وحالة من عمر «الشرق الأوسط» وعمر الحياة السياسية الخليجية ايضاً، فقد رسمت وهندست العديد من الاتفاقات الاقليمية وكان لها اليد الطولى في حسم العديد من القضايا وخوض مبادرات لحلول او مفاوضات حول عدة قضايا عربية عالقة، أبرزها القضية الفلسطينية والملفات اللبنانية وملفات مجلس التعاون الخليجي، بغضّ النظر عن موقف الخارجية من ايّ من هذه الملفات وما تمثله من مصلحة سعودية اولاً واخيراً.
تبقى الأزمة السورية التي اندلعت منذ نحو خمس سنوات أهمّ الملفات التي عملت عليها الخارجية السعودية بشخص أميرها الراحل سعود الفيصل الذي كان رأس حربة الدول الخليجية في المحافل الدولية بشأن كلّ ما يتعلق بالأزمة السورية، حتى لفت الصحافة العالمية ومراكز القرار نسبة التشدّد والخروج عن الديبلوماسية في أجوبة الفيصل لدى سؤاله عن سورية او عن ايّ حليف لها في مشهد أكد انّ الفيصل يعتبر انه معنيّ بالملف السوري أكثر من أيّ أمر آخر، فإسقاط الإسد عنده كان مسألة موت او حياة…
كان سعود الفيصل يعرف أنّ هناك من رسم وخطط وهندس الموت لسورية وأهلها بتعليماته وبدعمه بالكلمة والموقف والمال، وهذا ما لم يكن الراحل يخفيه على أحد، وبالتالي فإنّ التخطيط لإنهاء مرحلة سياسية في سورية وفتح معركة أخرى، والذي لم يتمّ حتى الساعة، ورحل الفيصل دون ان يشهده، هو فشل ذريع لدولته التي توهّمت منذ عقود قدرتها على قلب مشهد المنطقة بالمال وبسلاح النفط.
اثبتت سورية للمملكة السعودية انّ سلاح النفط والمال لم يكسر إصرار الجيش السوري على متابعة الطريق لتنظيف البلاد من بؤر الإرهاب القادمة من مذهبها الوهابي، وهو ليس سوى قنبلة موقوتة قد تنفجر في وجه النظام الحاكم هناك في ايّ وقت.
بدأت الحرب على سورية بدور كامل متكامل وبجهاز بعد أربعة عقود من العمل الديبلوماسي، لكن بدون شك فإنّ طول الأزمة في سورية يشرح أمراً واحداً فقط هو إصرار الأسد والجيش على الدفاع عن حق وجودي وشرعي انبثق من انتخابات شعبية، وأثبتت أنّ الأسد لم يسقط حتى الساعة، وهذا لم يأت من فراغ، ومن جهة أخرى يثبت طول الوقت انّ الرهان على تحقيق إنجاز في سورية يصبّ في مصلحة اللاعبين وكلّ الجهاز الذي ساهم في الأزمة لم يكن أمراً ليحصل بسرعة، وبالتالي فإنّ كلّ من شارك في هذه الحرب لطول سنواتها إما تخلى عنه الاميركيون او انتهت ولايته او توفاه الله ولا شماتة بالموت ابداً.
وحده الأسد باق بقوة حق بلاده بالعيش والمواجهة وحماية سورية من النار التي اجتاحت أجزاء منها، وقد بدأ من أشعلوها باستشعار الخطر الداهم في بلادهم والذي صنعته أيديهم.
ربعة عقود حافلة انتهت والفيصل لم ولن يشهد نهاية أكبر الملفات التي شغلت أفكاره، ويبدو أنّ الله لم يكتب له ان يرى إيران دولة نووية كبرى، وسورية دولة إقليمية وازنة ومستقرّة باعتراف العالم رغم تحسّسه من ذلك في آخر أيامه.
«توب نيوز»