اليوم الأول للطاقات الاغترابية… مقاطعة وشاكيرا أبرز الغائبين
علي بدر الدين
قد يكون التئام مؤتمر الطاقات الاغترابية الذي دعت إليه وزارة الخارجية والمغتربين حاجة وضرورة وطنية للبنان المقيم والمغترب، على الأقل من ناحية الشكل، فالتجارب وعقد المؤتمرات وإصدار البيانات والتوصيات ظلت حبراً على ورق وطويت صفحاتها ولم تجد أحداً يبحث عنها، إذ فقدت مضمونها وقيمتها وغيّبتها السياسات الرسمية الخاطئة التي تعاملت مع الملف الاغترابي وقضايا المغتربين، بإهمال قد يكون متعمّداً حتى يثبت العكس.
لا شك في أنّ مبادرة وزير الخارجية جبران باسيل لعقد هذا المؤتمر تكتسب أهمية وتستحق الثناء لكونها غير مسبوقة لناحية المدعوّين وشمول العناوين وبرنامج العمل الذي تتمحور مواضيعه حول قضايا اغترابية على علاقة بحقوق المنتشرين والمتحدّرين من أصل لبناني، خاصة الذين لا يحملون الجنسية اللبنانية، إضافة إلى أمور على علاقة بالتمثيل الاغترابي السياسي والانتخابي والآليات التي يجب اتباعها. والأهم كيفية استثمار الدور الاقتصادي والتنموي والاستثماري وتوظيفه هذه الطاقات، فضلاً عن إبراز الإبداع والتفوّق اللبنانيين في العالم.
غير أنّ مبادرة الوزير باسيل لم تكتمل عناصر نجاحها، وظلّ عقدها الاغترابي ناقصاً، ولعلّ السبب هو الاستعجال في الدعوة إلى المؤتمر، وذاك ما عبّر عنه بصراحته وجرأته المعهودتين إذ نُقل عنه قوله إنه لا يدّعي أنه دعا العينات التي يجب أن تدعى من المغتربين لقصر فترة التحضير لانعقاد المؤتمر وهي ليست كافية.
قد يُسأل الوزير عما إذا كانت مبادرة بهذا الحجم وهذه الكلفة وبالآمال المعقودة عليها لا تستحق الوقت الكافي للتحضير والاستعداد وتفادي الثغر والإخفاقات؟ ألا يكفي ما يعانيه المغتربون من انقسامات بلغت ذروتها في المؤسسة الاغترابية الأم وهي أحوج ما تكون إلى الوحدة وليس إلى مزيد من الانحدار نحو اللا عودة واللا وحدة؟ ولم يكن الوزير باسيل مضطراً إلى التبرير الاستباقي أو للتوصية، حيال المعترضين والمنتقصين، أو للدفاع عن دعسة ناقصة، فالحسابات كانت خاطئة، والتوقعات قد تكون مخيّبة.
في قراءة حسابية أنّ عدد المدعوين بلغ 250 شخصاً من 36 دولة في العالم موزّعة جغرافياً على النحو الآتي: 7 دول أفريقية، 11 دولة عربية، 9 دول أوروبية و9 دول هي: أميركا، أستراليا، البرازيل، الأرجنتين، البارغواي، فنزويلا، كولومبيا، كوستاريكا ونيوزيلاندا. ويظهر من خلال هذه القراءة أن عدد المدعوين إذا حضروا جميعاً ضئيل جداً نسبة إلى حجم أعداد اللبنانيين في الخارج، وهو بالتالي غير تمثيلي، وهناك دول تمثلت بأعداد تفوق قدرتها ولا تتناسب مع أحجامها وتاريخ اغترابها، ودول من القارة الأفريقية دعي عدد لا يناسب حجمها وقوة تمثيلها ونجاحاتها وتجذّرها في الاغتراب الذي يتجاوز القرن. وقد يكون هذا الخلل ناتجاً من خطأ في الحسابات والتقدير، أو لجأ المعنيون إلى القرعة في توجيه الدعوات واختيار الطاقات، ما شكل ظلماً لمئات المغتربين الناجحين في مجالات عديدة.
لذا توقعت مصادر اغترابية متابعة «ألاّ تكون نتائج المؤتمر مرضية، وقد لا تتحقق الغاية منه بالمطلق. ولفتت إلى أن «البناء» تنبّهت إلى ذلك على أساس مؤشرات ومعطيات تملكها حول وجود خبايا وحصول مفاجآت قد تؤثر سلباً في المؤتمر، وصدقت في ذلك إذ شهد اليوم الأول غياباً ملحوظاً لعشرات المدعوين، خاصة من القارة الأفريقية، أشبه بالمقاطعة للمؤتمر وعدم حضور جلساته. ولم تفصح المصادر عن أسباب الغياب ـ المقاطعة لمدعوّي القارة الأفريقية وبعض الدول الأخرى، مشيرة إلى أنه في الأيام المقبلة سيتمّ توضيح كلّ الأمور. وكان اللافت أيضاً في المؤتمر غياب مسؤولين كبار من الجامعة اللبنانية الثقافية من المدعوّين، واقتصر حضورها بصفة مراقب.
لكن الغياب الأكبر عن الحضور والمشاركة سُجّل للفنانة العالمية اللبنانية الأصل شاكيرا، التي أفقدت باعتذارها عن عدم الحضور المؤتمر كثيراً من الحماسة، لكن ذلك لم يحصل، وقد يكون المؤتمر من دونها أكثر هدوءاً وتركيزاً وجدية.
يمكن القول إنّ الوزير باسيل حاول واجتهد، فإذا أصاب له أجران، وإذا لم يصب فله أجرٌ واحد. ولا يتحمّل وحده مسؤولية أيّ خطأ حصل أو قد يحصل لأنه اعتقد أنّ الملف الاغترابي بكامل تعقيداته وأزماته وانقساماته قابل للمعالجة والحلّ في مؤتمر أو دعوة أو عناوين كبيرة معقدة لا يمكن حلّها إلاّ في إطار كامل شامل للأزمة اللبنانية بجميع ملفاتها، وأن تكون بسلة واحدة. وهذا قد لا يحصل البتة في ظلّ نظام سياسي طائفي عاجز ومشلول.