بيروت تتحضّر لكأس العالم… والأمل بأجواء حماسية وغياب الخضّات الأمنية
حسين غازي
اقتربت نهائيات كأس العالم في كرة القدم، اللعبة الأكثر جماهيريةً في أرجاء المعمورة، والتي يهواها الكبير والصغير، الذكور كما الإناث، ويحترفها كثيرون، والتي تشهد رواجاً منقطع النظير، حتى إن البعض ذهب بقوله إلى حدّ أن كرة القدم توحّد العالم.
في لبنان، بدأت أعلام الدول التي بلغت النهائيات تنتشر في الشوارع وعلى السيارات، وحتى على الكنزات والهواتف الخلوية وشاشات الكومبيوتر، وبدأ الحديث اليومي يتناول الأسئلة عن فرص الفرق بالفوز، وعن المجموعات وتوزيعها وما إلى ذلك.
كما بدأ ما يسمى بـ«التزريك» ينتشر في صفوف الشباب: «أنتَ مع إسبانيا؟ ما إلها خبز السنة… الكتيبة الألمانية حاضرة»، وما إلى ذلك من العبارات التنافسية.
وفي لبنان أيضاً، يستوقفنا مشهد غريب، فمن يزور العاصمة بيروت، يظنّ للوهلة الأولى أن بطولة كأس العالم 2014 ستقام في ملاعبها وملاعب المدن الأخرى. إذ بدأ يظهر مشهد ازدحام المقاهي والمطاعم بمشجّعي كرة القدم على اختلاف أعمارهم وأعمالهم من نساء ورجال لمتابعة هذه المنافسة العالمية.
في بيروت، انتشر عدد كبير من المقاهي التي أعلنت نقلها مباريات كأس العالم بتقنيات حديثة وبجودة عالية. غابت صور المطربين والمطربات والراقصات عن واجهات المطاعم، لتحلّ مكانها صور أعلام الدول المتنافسة!
«البناء» جالت في منطقة الروشة وبعض شوارع العاصمة بيروت، والتقت عدداً من أصحاب المقاهي والمواطنين، واستطلعت منهم آراءهم حول هذا الاستحقاق العالميّ، وأثره على الحركة الاقتصادية في المدينة.
غسان بيلاني مدير «Petit caf » يقول إنّ أجواء كأس العالم رائعة، وهي عادة تجذب كثيرين من المتابعين، «وخلال سعينا من الان إلى مواكبة هذا الحدث الرياضي العالمي، واجهنا بعض المشكلات أهمها الاشتراكات وما يترتب عليها من أموال باهظة تدفع لوكلاء المحطة الناقلة «Bein sport» أما بالنسبة إلى مواقيت المباريات فلا مشكلة، إذ إنّ المقهى يفتح أبوابه لمحبّي كرة القدم طوال الليل، بما أنّ بعض المباريات تقام عند الساعة الرابعة صباحاً بتوقيت بيروت».
ويتابع بيلاني حديثه قائلاً: «كأس العالم متعة، وأنا شخصياً أشجّع منتخب البرازيل، وتحضيراً لهذه البطولة، قمنا بتجهيز ديكور جديد يتناسب مع الأجواء، فالناس يتوافدون إلينا من كل حدب وصوب، لبنانيون وأجانب، لذلك وضعنا أعلام الدول المشاركة على أبواب المقهى، ولزيادة الانسجام والحماسة، سيلبس طاقم العمل بزّات المنتخبات كنوع من إضفاء المتعة على هذا الحدث الرياضي».
واحتلت أعلام البلدان المشاركة في هذه المنافسة الرياضية العالمية مكانها على شرفات المنازل والمكاتب وأسطحها، وعلى السيارات في جميع أنحاء المدينة، وبما أن المنتخب اللبناني لم يتأهل يوماً إلى نهائيات كأس العالم، فإن كثيرين من اللبنانيين يشجعون منذ الصغر منتخبات بلدان لم يسبق لهم أن زاروها، وليس لهم ما يربطهم بها سوى كرة القدم. وقد بدأ معظم هؤلاء المشجعين بتأييد تلك المنتخبات منذ نعومة أظافرهم، إن كان بسبب لاعب يتابعونه أو بسبب مباراة شاهدوها، أو بسبب حبّهم أسلوب لعب فريق معيّن.
ومع وجود منتخب الجزائر في التصفيات، وهو المنتخب العربي الوحيد الذي تأهّل إلى النهائيات، نرى أن هذا المنتخب محبَّذٌ من قبل الجماهير اللبنانية والعربية المتواجدة في لبنان.
يقول سامر فحص: «أنا أعشق إيطاليا منذ الصغر، وأتمنّى أن تحقّق النجمة الخامسة وتعادل رقم البرازيل، ولدينا فرصة كبيرة لتحقيق هذا الحلم، إذ إن إيطاليا ستلعب في مجموعة رائعة ومتميزة».
مشجعو كرة القدم في لبنان يستعملون ضمير المتكلم للتحدث عن المنتخبات التي يحبّذونها، فمشجع البرازيل يقول مثلاً: «سنفوز بكاس العالم على أرضنا» وكأنه مواطن برازيليّ لا لبنانيّاً.
يشار إلى أن المباريات تتيح للبنانيين فرصةً للتعارف والاختلاط الاجتماعي، وهي إلى جانب ذلك، تعتبر تجارة مربحة لأصحاب المقاهي والمطاعم الذين قالوا إنهم عانوا انخفاضاً في إقبال الزبائن خلال السنة الماضية، نظراً إلى الأوضاع الأمنية التي مرّ بها لبنان.
نزار المصري، مدير مقهى ومطعم «دندنات» يقول لـ«البناء»: «إن مباريات كأس العالم نعمة حلّت على مقهاي الذي يقع في منطقة الروشة. فقبل هذه الأيام يكون الإقبال ضعيفاً، لكن الناس بدأوا يهتمون بالمجيء إلى المقهى منذ الآن، ويسألون عن كيفية نقل المباريات، فبدأنا بتحضير الأجواء لتتناسب مع هذا الحدث. على رغم أننا عانينا من موضوع الاشتراكات الذي كلّفنا بين خمسة وعشرة آلاف دولار أميركي، علماً أن مطاعم عدّة دفعت أكثر من 15000 ألف دولار!».
ويضيف نزار المصري: «نرفع صوتنا لمن يعنيهم الأمر إزاء مشكلة أخرى، ففي لبنان العمل في المطاعم والمقاهي متوقف في الفترة الأخيرة، نظراً إلى الخضّات الأمنية التي حصلت والتي نتمنى ألا تعود أبداً، وعند بدء مبارايات كأس العالم، نتوقع ازدحاماً في المقهى، فنواجه مشكلة مع القوى الأمنية، ذ ن الزبائن يستهلكون وقتاً لإيجاد موقف لركن سياراتهم، وهذا ما يؤدي إلى انزاعجهم والرحيل عن المقهى بسبب خوفهم من تلقي مخالقة سير».
وعن سعيه إلى إضفاء أجواء المنافسة والحماسة على مطعمه علّق المصري: «عندما تدخل ستجد النادل يلبس قميص أحد المنتخبات، كي يعيش الزبائن أجواء كأس العالم بكل حلاوته، كما إننا سنوزع أعلام الفرق على الحاضرين».
وفي ظل هذه الظاهرة الفريدة من نوعها نرى ان الاهتمام بالسياسة والفن يخّف بريقه، خصوصاًَ صور الفنانين التي كانت عادةً، تغطي جدران المطاعم والمقاهي، وتحتل المرتبة الاولى من حيث اهتمام الشباب، فتنخفض نسبتها مع اقتراب أهم حدث في العالم ليأخذ مكانه الطبيعي، وينصبّ اهتمام المواطنين عليه خلال هذا الشهر.
علي الزيات، صاحب مقهى «زعفران» يقول لـ«البناء»: «الأجواء هنا دائماً تتعلق بكرة القدم، ففي المرحلة الأولى قمنا بالاشتراك وتسوية أمورنا بشأن هذا الموضوع، وركزنا على مسألة الصوت في المقهى لأنّ الناس يحلو لهم مشاهدة المباراة وصوت المعلق يصدح في الأرجاء، وبالتأكيد جهّزنا شاشة عملاقة، وزيّنا المقهى بالأعلام، والملصقات الخاصة بمونديال البرازيل».
أما أصحاب محال بيع القمصان، فوجدوا في كأس العالم باب فرج عليهم. محمد قانصوه، تاجر في الأربعين من عمره في منطقة البرج، عبّر بدوره عن انتظاره هذا الاستحقاق وقال: «إن مباريات كأس العالم أنقذت متجر الألبسة الذي أملكه من الإفلاس. إذ بدأ الازدياد على طلب قمصان إيطاليا وألمانيا وفرنسا والبرازيل من الان. ولاقت هذه القمصان التي يبلغ ثمن الواحد منها 20 الف ليرة، إقبالاً كثيفاً».
ويضيف محمد: «غالبية الناس كانوا يشترون بزّات لفريقي إيطاليا وألمانيا، لكن الوضع الآن تغيّر، فالجميع أصبح يريد ثياب المنتخب الأرجنتيني أو البرازيلي وكذلك البرتغالي، لولعهم بكريستيانو رونالدو». وتمنّى محمد لو يطول وقت كأس العالم لأكثر من شهر.
أما بالنسبة إلى بعض المواطنين، فكأس العالم يعني عملاً أكثر، على رغم أنهم لا يعملون في مقاهٍ أو مطاعم. فحسن هاشم، مندوب مبيعات في شركة إعلانات يقول: «تزداد نسبة عملنا، في هذه الفترة، ذ ن المقاهي والمطاعم تطلب منّا أن نقوم بتجهيز ملصقات دعائية لهم تتضمّن صور اللاعبين وشعار المونديال، فالكل يعمل في هذا الشهر من دون استثناء».
وينقسم المشجعون اللبنانيون في تأييدهم بين البرازيل وألمانيا والأرجنتين. وظاهرة انخراط المجتمع اللبناني بكامله في الأجواء الكروية قديمة العهد. وخلال المباريات، ينسحب فتيل الخلافات السياسية ليحلّ محله الجدل في شأن كرة القدم. حتى أن الحرب الأهلية اللبنانية لم تمنع في حينها المواطنين، لا بل المقاتلين، من متابعة المباريات بشغف، وسمعنا من هم أكبر سنّاً منّا يقولون:«كان الصهاينة يجتاحون بيروت عام 1982، بينما العرب يشاهدون كأس العالم»!.
ورفع علم منتخب ما على السيارة، أمرٌ اعتاده الشباب والفتيات على حد سواء. لكن سلام دياب، كسر القاعدة برفعه أربعة أعلام على سيارته: ألمانيا والبرازيل والأرجنتين والبرتغال.
ويبرّر سلام ذلك بقوله: «أحب هذه البلدان، واعتدت منذ صغري متابعة المباريات، أما فريق البرازيل فأحبه لأني معجب باللاعب نايمار، والأرجنتين لأني أحب ميسّي فأنا عاشق لبرشلونة. وإسبانيا، فلأنها أحرزت بطولة كأسي أوروبا والعالم، وأرى أن الكأس ستتأرجح بينها وبين الأرجنتين والبرازيل كونها المستضيفة. لكن المهم ألا تربح هولندا، لأني لا أحبّها أبداً».
وتأييد مشجعي كرة القدم اللبنانيين للفرق يعود أيضاً لأسباب رياضية، وليس فقط لأنها موضة البلد في هذه الفترة. فقد بادر محمد شري إلى تبرير تشجيعه المنتخب الإيطالي بقوله: «أنا مع إيطاليا لأن منتخبها معروف بأنه يملك أفضل دفاع». أما نادين فهي متعصبة لإنكلترا بالمطلق. قالت وهي في أحد المقاهي: «أضع على هاتفي الخلوي، وعلى حاسوبي المحمول، وفي غرفتي أيضاً، صورة الفريق الانكليزي وعلمه، أحبّ كل شيء اسمه صنع في انكلترا، من الفوتبول، وصولاً إلى الشعب االبريطاني».
أما أحمد النابلسي الذي يعتبر أن للبرازيل في لبنان حصة الأسد من المشجعين، فقال بعد أن علّق علماً برازيلياً على سيارته: «منزلي يعجّ بأعلام البرازيل إلى جانب علم انتمائي السياسي». وأضاف: «أنا مهووس بكرة القدم وبأداء منتخب السامبا بصورة خاصة، وأداء دول أميركا الجنوبية بصورة عامة. إنهم أسياد الكرة من دون منازع».
وإذ نرى أيضاً ظاهرة الأعلام العملاقة التي تجتاح المباني وتصبح موضة البلد الأكثر شيوعاً، فإنّ منطقة الحمرا تشهد غياب صور اللاعبين وأعلام الدول المشاركة في كأس العالم، ويعزو بعض اصحاب المقاهي في المنطقة السبب إلى نمط الحياة في المكان، فالناس هنا يهمهم التسوًق أكثر من مشاهدة المباريات. في الحمرا حانة واحدة فقط رفعت أعلام المنتخبات، ورحبت به ترحيب الكرام، «London Bar»، إذ غطّت الأعلام والملصقات جدران المقهى، ونصبت شاشة عملاقة في القاعة العليا. صاحب الحانة يحب كرة القدم، ويحاول دائماً إضفاء جوّ اللعبة الاكثر شعبية في العالم على المكان، لإعطائها جواً خاصاً يجذب عشاق المستديرة ومشجعيها، ما يستقطب كثيرين من الأجانب كي يتمكنوا من مشاهدة منتخبات بلادهم في هذه المنافسة.
ويعلق صاحب الحانة قائلاً: «مشجعو البرازيل هم الأكثر عدداً، فالمكان يعجّ بهم عندما يلعب منتخب سيليساو، وهنا جوّ الكرة وشغف اللعبة يستمران طوال أيام السنة، في دوري الأبطال وغيره من المنافسات العالمية، وفي كأس العالم حتى الأشخاص الذين تخرج كرة القدم من نطاق اهتماماتهم، ينتظرون هذا الحدث بكل حماسة، لأنه يشكل فرصة للتلاقي مع الأصدقاء».
في الضاحية الجنوبية لبيروت، لا تختلف الأحوال كثيراً، إذ التحفت الأبنية والمقاهي منذ الآن بشعارات مسابقة كأس العالم ولافتاتها، وغطت الأعلام مداخل المقاهي والمطاعم، وكأن الحدث المنتظر قد بدأ. أهالي المنطقة عانوا في الفترة الاخيرة من الوضع الامني، ويجدون عودة كأس العالم باباً للعمل، ونوعاً من المرح، فهذا الحدث يعطي جوّاً من الشغف والتنافس المرح، ويعيد إلى هذه المنطقة روحها، خصوصاً بعدما عانت الكثير من جرّاء الانفجارات التي ألّمت بها في الفترة الماضية.
لكن يبقى لسان حال المواطن اللبناني يقول: « ذا كاس العالم صار بدو فتّ عملة كيف منحضرو». في إشارة الى ارتفاع سعر الاشتراك ببطاقات القناة الناقلة، و لزام المواطن شراء جهاز خاص كي يتمكن من مشاهدة معشوقته كرة القدم، وتتراوح أسعار البطاقات بين 400 و500 دولار أميركي، ما يثقل ظهر المواطن بمصاريف ضافية هو بالغنى عنها في هذه الفترة، ويبقى الحلّ الأنسب الذهاب إلى المقاهي والمطاعم وأماكن التجمّع.
حدثٌ يُعتبر جامعَ الناس وموحّدهم، إنه كأس العالم، حيث ينسى الناس السياسة، وتنحصر اهتمامتهم بهوية المنتخب الأقوى، أو تحليل المباريات والتعليق على مجريات اللعب، والوقوف على أجمل الاهداف واللقطات، فتتحول حياة الإنسان اليومية في بيروت وفي غيرها من المناطق اللبنانية إلى مهرجان كرويّ متجدّد، إلى عرسٍ يتكرّر، يجمع الأصدقاء والأخصام، فتصبح السياسة العنوان الثاني في بلدٍ تنحره الصراعات الطائفية والسياسية، ويصبح الشغل الشاغل، للشبان والفتيات، للصغار والكبار. فهل تبقى منافسات كأس العالم موحّدة المواطنين والمناطق الللبنانية الاولى. عندئذٍ يصح القول: «يا ليت كلّ أيامنا كرة قدم»!