التطبيع اللغوي
وليد زيتوني
ليس غريباً، أن نسمع من الإعلام، أنّ بعض عناصر المعارضة السورية الذين يعالجون في مستشفيات العدو الصهيوني، بدأوا يتكلمون اللغة العبرية، أو على الأقل يتعلمون هذه اللغة. فوحدة الحال بين هذه المعارضة والعدو متجذرة منذ تنفيذ العمليات العسكرية المشتركة ضدّ مراكز الدفاع الجوي السورية التي كانت تخيف «إسرائيل».
لا نضيف شيئاً إذا قلنا إنّ الأحداث السورية هي من تخطيط هذا العدو بالتعاون والتنسيق مع الولايات المتحدة الأميركية بأدوات محلية وعربية. فخطة ضرب الجيش العربي السوري، كما الجيش العراقي، وكذلك الجيش المصري، تقع في أولويات الأهداف التي تخدم أمن هذا الكيان الدخيل. فهذه الجيوش تقف عائقاً أمام مسألتين استراتيجيتين. أولاً، التمدّد والسيطرة «الإسرائيلية» في المنطقة لتحقيق حلمها التاريخي «من الفرات إلى النيل حدودك يا إسرائيل». هذه الجملة التي تتصدّر «الكنيست».
ومن الطبيعي أنّ من يُقدم على ضرب الجيش السوري يفعل تماماً كما فعلت الولايات المتحدة بالجيش العراقي من قبل، وكما تظهر بوادر ضرب الجيش المصري على أيدي «الإخوان المسلمين».
والمسألة الاستراتيجية الثانية، هي تسهيل عملية النهب المنظم من قبل الولايات المتحدة، فجبهة «النصرة» و«داعش» و«القاعدة» أوجدت فقط من أجل هذه المهمة الحيوية لبقاء «إسرائيل». وليس هناك من حاجة لتبرير ذلك بسوْق الأدلة والإثباتات من خلال الأفعال والوقائع ما دامت الدراسات «الإسرائيلية» التي ظهرت في سبعينات وثمانينات القرن الماضي تتحدث بالتفصيل عن تفاصيل المخططات الموضوعة لخلق هذا النموذج من التنظيمات المرتبطة بجذورها مع إدارة المخابرات البريطانية التي كانت ترعاها وتموّلها وتضع قيادتها تحت حماياتها المباشرة.
بالعودة إلى مسألة اللغة. اللغة ليست أحرفاً ورموزاً فقط، بل هي عقلية وروحية، نهج حياة وسلوك اجتماعي. وعلى رغم أنّ اللغة المسمّاة عبرية هي في الواقع لغة آرامية قديمة سرقت واعتمدت من قبل اليهود والصهيونية لترسيخ حالة قومية غير موجودة. فاللغة العبرية الأساسية انقرضت وفقدت مع العبرانيّين القدماء. واللغة الآرامية هي أساس اللغات الأخرى كالآرامية الجديدة المعروفة باللغة السريانية وكذلك اللغة العربية ولغات المنطقة بلهجاتها المختلفة.
إنّ مسألة تعليم اللغة للعملاء عند الصهيوني قديمة، فالقسم الأكبر من العناصر التي خدمت في ما كان يُسمى جيش لبنان الجنوبي أتقن هذه اللغة بحيث وظفت في مناحي مختلفة لمصلحة هذا العدو. وقسم لا بأس به منهم أرسل إلى أربيل، والعراق بعد الحرب مباشرة كطليعة لدخول المخابرات «الإسرائيلية» لفتح أقنية اتصال مع السكان المحليين ودراسة الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية والسياسية. ربما هذه الطليعة مع البعثات الأميركية والإنكليزية شكلت نواة الاختراق للعراق لدفع قسم منهم باتجاه تنظيم «داعش» إذا لم تكن «إسرائيل» هي وراء وجود «داعش» نفسه.
فالنهج التلمودي يبدو أساسياً من خلال القتل والذبح والمجازر المرتكبة، إضافة إلى تدمير الآثار والبنى الحضارية ونهب المتاحف ودور الثقافة والمؤسسات التعليمية والبحثية تطبع أفعال هذه التتظيمات. كما أنّ نهج التكفير بحدّ ذاته هو نهج تلمودي استناداً إلى نظرية شعب الله المختار.
التطبيع اللغوي في الحقيقة ليس أكثر من تتويج للتطبيع القائم على مستوى الأهداف السياسية والاجتماعية والثقافية التي أخذت أماكنها الطبيعية مع هذه الفئات التي تعتمد الارتزاق سبيلاً، والتبعية طريقاً، والعمالة أسلوباً.
غير أنّ الأخطر من هؤلاء، هم الخونة الذي أسماهم أنطون سعاده يهود الداخل، الذين يتكلمون لغتنا، ويعيشون بين ظهرانينا، ويدفعون شعبنا إلى الطائفية والكيانية، هؤلاء الذين يشاركوننا حياتنا السياسية بل هم أصحاب الفصل والوصل في سياستنا، يتلبّسون جلود النعاج ويتصرّفون كالذئاب.