الحريري يعلن الهدوء السعودي «بنبرة تحدّ»
روزانا رمّال
بالرغم من نبرة التحدي قالها الرئيس السابق سعد الحريري في خطابه امس في «بيال»: «لا فيتو على اي اسم مرشح لرئاسة الجمهورية والابواب ليست مغلقة أمام أيّ مخرج واقعيّ للحلّ».
كلام الحريري «الجامع» المغلف بنبرات ونظرات من التحدّي، لن يقرأ في إطار الاعتدال الذي لا يمكن ان يكون واقعاً بعد كلّ ما جرى في الايام السابقة، خصوصاً في مجلس الوزراء الذي شهد سجالات حادة بين رئيس الحكومة تمام سلام ووزير الخارجية جبران باسيل بالتوازي مع التحرك الرمزي للشارع العوني في وجه مواقف رئيس الحكومة التي لم تأخذ بعين الاعتبار مطالب التيار الوطني الحر.
مواقف سلام هي الأخرى التي استفزت التيار الوطني الحر بسبب عدم بذله جهداً للاستماع ومناقشة مخارج الأزمات وبحث مطالب التيار لم تقرأ حينها مواقف الحريص على استكمال جدول أعمال مجلس الوزراء وتسيير أمور اللبنانيين وإنقاذ آخر مؤسسة في لبنان قادرة على لعب دور الدولة الحية او الموجودة في أذهان اللبنانيين كما يحاول أن يوحي فريق 14 آذار الإيحاء.
فالرئيس تمام سلام المعروف بهدوئه وبمواقفه السياسية المعتدلة سابقاً، حسب مصدر عوني، لا يمكن له ان يكون قد ارتجل هذا الإصرار بمفرده، لأن ما قام به هو قرار جبهة بحدّ ذاته».
ألغى الحريري احتمالية «الفيتو» على أيّ من الأسماء المطروحة لرئاسة الجمهورية، ولم يغلق الحريري الباب أمام أيّ مخرج من المخارج التي من الممكن ان يتفق عليها اللبنانيون، لكن ليس ليقول انه مع التوافق في لبنان، إنما من اجل القول إنه الغى الفيتو المفترض على أحد أبرز الأسماء المطروحة لرئاسة الجمهورية، وهو العماد عون، وأكد بإشارته هذه أنّ تياره لم يجار الآخرين في لعبة «الفيتو» والمقصود «الفيتو» المفترض من قوى 8 آذار على المرشح الرئاسي سمير جعجع، والذي يحضر تلقائياً كأحد المرشحين، والذي يتقاسم هذه البطاقة عند الأفرقاء اللبنانيين مع العماد عون، فإن قبل هذا رفض ذاك بطبيعة الحال.
لن يتأخر الحريري عن أيّ جهد للخروج من هذا المأزق حسب قوله، وتحت سقف الوطنية هو مستعدّ لأيّ مخرج واقعي للرئاسة، هذا الكلام الذي لم يكن مطروحاً سابقاً أصبح مطروحاً اليوم بشكل جدي عند الحريري، والمبرّر هو متغيّرات سعودية بات يتوجّب الإعلان عنها اليوم من أصل متغيّرات حاول السعوديين تبريرها بالملف اللبناني لأشهر طويلة عبر الحوار المستمرّ بين تيار المستقبل وحزب الله الذي كان من المفترض ان ينسف في أكثر من مناسبة بسبب عدة توترات وأحداث امنية وتصريحات شديدة الحدّة ظنّ اللبنانيون أنها ستنسف الحوار الى غير رجعة، لكن ذلك لم يحصل أيضاً بقرار سعودي لتحافظ من خلاله المملكة على ذلك الحبل أو الخيط الرفيع بينها وبين إيران، والذي يمكنه ان ينزلها من الأعالي باعتبارها تلقفت الواقع الايراني الجديد بشكل واضح.
كلام الحريري رفع من أسهم العماد عون الرئاسية، بل هو كذلك، وربما يمكن اعتبار هذا الخطاب مفصلياً لناحية وضع الأمور على السكة الصحيحة في البلاد عبر نجاح أيّ حوار مرتقب او مفترض ان تتحرك نحو ترتيبه بعض الاطراف من اجل لقاء الفريقين، كلام الحريري أكد أنّ تحرك عون في الشارع لم يكن عبثياً بل أتى ضمن أجندة حلفاء عون السياسيين المنتصرين في أكثر من ملف اقليمي، والتي وافق الحريري على تقبّل قراءة الرياض لها فأعلن بنوايا وطنية الانعطافة السعودية.
عملياً، حاربت السعودية العماد عون مراراً وجلّ محاولاتها كانت تصبّ في خانة إبعاده عن حزب الله، وفي هذا الإطار قال مصدر مسؤول في التيار الوطني الحر لـ«البناء»: لطالما حاولت السعودية بث الفرقة بين التكتل عبر محاولات طالت عدداً من نوابه خصوصاً بعد التفاهم مع حزب الله في أول أيامه، وبعض هذه المحاولات كانت على شكل إغراءات مادية تعرّض لها عدد منهم، لكن التكتل تماسك وتمسك بأهمية الإنجاز الوطني الذي كان يدرك مفاعيله على مستقبل اللبنانيين».
اما الراحل سعود الفيصل فقد كان آخر قاطعي الطرق على العماد عون للوصول الى رئاسة الجمهورية، فحسب المعلومات انه هو الذي طلب من سعد الحريري سحب فكرة إمكانية الاتفاق على عون رئيسا للجمهورية، وذلك بناء على طلب الرئيس السابق فؤاد السنيورة والنائب وليد جنبلاط بعد زيارتهما للفيصل في باريس قبل نهاية ولاية ميشال سليمان بأيام قليلة العام الماضي».
السعودية نفسها اليوم هي من سيفتح الطريق أمام العماد عون الذي سيكون الضامن لأمرين بالنسبة اليها… الأول «نجاحها في إثبات النوايا الجديدة تجاه إيران فيكون ممكناً جداً أن يصبح الملف اللبناني ذريعة للدخول في حوار ايراني – سعودي جادّ يبدأ بالملف اللبناني ولا ينتهي عنده، والثاني تعرف السعودية انّ قبولها بالعماد عون رئيساً هو الفرضية الوحيدة القادرة اليوم على ضمان أيّ نفوذ لحلفائها في لبنان قبل ان تقلب الانتخابات النيابية مهما كان القانون المتفق عليه الطاولة على رأس من تدعم في لبنان بسبب توقعات تغيير ميزان الأصوات ومزاج ناخبيهم.
يبقى انّ الحريري اليوم يعرف تماماً انّ القبول بالعماد عون وحده الذي يعني قبولاً به رئيساً للحكومة، فيكون العماد عون بالنسبة اليه هو المنقذ من هاجس المشنوق أو غيره ممن يمكن لعون وحلفائه في 8 آذار التوافق عليه رئيساً داخلياً وإقليمياً.