كيف نوقّع من دون أن نقع؟!

د. حسام الدين خلاصي

أشهر طويلة مرّت، ومفاوضات سلحفائية الزمن وساخنة المضمون أجريت بين إيران والمهتمّين بالتطور التكنولوجي النووي لإيران وما يترتب على ذلك من إنتاج للتقنيات العسكرية والعلمية المستخدمة في أوجه الحياة المختلفة داخل إيران، لأنّ كلّ هذه التطورات لا تشملها الاتفاقيات الدولية القديمة الأسلوب، ولذلك فإنّ الولايات المتحدة الأميركية احتارت في آلية التطويق للمستجدات التقنية تقنية النانو متر مثالاً .

المهمّ استمرّت هذه المفاوضات ووصلت إلى النقاط الختامية وبدأ كلّ طرف بالتباهي بأنّ الأمور وصلت إلى النهايات السعيدة، ومن بعيد الكيان الصهيوني يتقلّب على نار حامية ويحاول أن يمتدّ ليقتصّ من هذا الاتفاق الدولي والذي لا يصبّ في مصلحته خصوصاً أنّ إيران التي صبرت على العقوبات الاقتصادية والتقنية أوجدت لنفسها مخارج عديدة وتفادت هذه العقوبات وطوّرت كلّ ما يمكن تطويره اعتماداً على الإمكانات المحلية، وهذا أعطاها دفعاً قوياً وثقة شعبية وحكومية على تجاوز المحن، وإيران ـ التي تصدّت مع محور المقاومة لتداعيات «الربيع العربي» بخاصة على الدول الداعمة للقضية الفلسطينية والدول التي تمتلك جيوشاً منظمة ـ بتوقيع الاتفاق النووي طالبت بنزع العقوبات الاقتصادية ما سيعيد كتلاً نقدية ضخمة وأطناناً من الذهب المُصادَر ومعاملات اقتصادية متوقفة ويجعل الازدهار الاقتصادي يسرح ويمرح في الداخل الايراني.

لكن الأهم أنّ حجم المساعدات المقدمة لدول المقاومة يتصاعد، فحتى الوقت الحالي يبلغ حجم المساعدات الكلية المقدمة لكلّ الدول التي تقف بجانبها إيران والتي سمّاها معهد واشنطن «النشاطات» التي تطرح إشكالية تبلغ حوالى 10 مليارات دولار سنوياً، لكن حتى هذه القيمة القصوى تشكل أقلّ من 3 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي الذي هو في النطاق الممتدّ ما بين 400 مليار دولار وتريليون دولار.

المهم الآن مع الاقتراب والإلحاح على التوقيع من قبل الأطراف كافة من دون اختراق شروط السيادة الإيرانية، ولا يخفى الأمر أنّ هناك بعض الضمانات والتطمينات التي حصلت عليها الولايات المتحدة ستظهر إلى العلن في وقت قريب، ولكن من هذا الاتفاق تتخذ العبر «فكيف توقّع من دون أن تقع؟!» هو شعار هذه المفاوضات غير المذلة، والتي أثبت فيها الجانب الإيراني أنه لا يساوم على السيادة والحقوق المشروعة، وما كان ليقول هذا ويفعله لو لم يكن متأكداً من عناصر القوة لديه جيش + شعب + قيادة + اقتصاد قوي .

سورية تنتمي إلى المجموعة نفسها من عناصر القوة مع اختلاف نوعي بنوع الهجوم وشدّته وخطورته، فلم تكن دولة لتتحمّل ما جرى في سورية ويجري على أرضها لولا عناصر القوة المتوافرة في سورية جيش + شعب + قيادة + اقتصاد قوي + حلفاء أقوياء مع مراعاة تفاوت شدة وقوة هذه العناصر نسبياً. هذه العناصر تدفع الآن سورية إلى توقيع اتفاقات سياسية تتعلق بسيادتها وبحلّ سياسي عبر مناورات مسلحة تستمرّ شمالاً وجنوباً شرقاً وغرباً متفاوتة الشدة، وترفض سورية الانصياع والتخلي عن رموز سيادتها واستقلالها عبر قتال شرس يستمرّ على أرضها وانتصارات، يحققها الجيش العربي السوري في مفاصل مهمة تتعلق باستراتيجية المعركة كان آخرها في القلمون والزبداني، ومن خلال هذا الرفض تستمرّ الدول الداعمة روسيا وإيران في تقديم كلّ وسائل الدعم العسكري والاقتصادي.

وبالعودة إلى صيغ الاتفاق فقد أوضح السيد حسن نصر الله أنّ الاتفاق لا يغيّر من العقيدة القتالية ولا العقيدة الاستراتيجية لإيران، فالاتفاق حق لإيران ولكن ليس على حساب تغيير الهدف الاستراتيجي، لأنّ العدو الاستراتيجي الذي لا يخبّئ نفسه «الكيان الصهيوني» سيبقى العدو ذاته لأنه هو الرافعة الأساسية والحاضنة الحقيقية لكلّ الإرهاب المتفشي في المنطقة، وهو الذي يستهدف من سورية الدولة المركز العالمي الاستراتيجي للحضارة والإرهاب على حدّ سواء في الوقت الحاضر وحولها انقسم العالم إلى قسمين قسم من الدول يعتبر سورية مركز الحضارة ومنها تبدأ نهضة العالم، وإذا ما انهارت فتصير المنطقة كلها وأوروبا لاحقاً كتلاً من خراب ورماد، وقسم من الدول يعتبرها أو يريد توصيفها على أنها الدولة التي تمثل المركز العالمي للإرهاب المتمثل بتنظيم «داعش»، ومنها يبدأ تقسيم العالم وجعله دويلات تتماشى مع مصلحة الدولة الجزيرة أميركا والكيان الصهيوني.

من هنا تأتي أهمية التوقيع على الاتفاق النووي من دون الوقوع في فخ التنازل عن السيادة سواء لإيران الناهضة من مفاوضات مستمرة، أو لسورية التي تدعى من حين إلى آخر لاتفاق حلّ سياسي سواء في موسكو أو في جنيف.

إنّ كلّ التغيّرات الحاصلة عسكرياً على الأرض تدلنا على أنّ تركيا وقطر والسعودية الوهابية مستمرّة في الطغيان في دعم المشروع التقسيمي وبنفس طويل لا يخلو من المكر والدهاء والقسوة الإرهابية، ولكن المؤشرات الدولية البطيئة وتغيّرات المواقف الأوروبية الشعبية والتبدّل في المزاج الشعبي التركي، لا تجعلنا نتفاءل باقتراب ساعة الخلاص لتشكيل الحلف الدولي الذي لوّحت به روسيا وأسمته سورية بالمعجزة، ويجعلنا نفهم أنّ الضغط سيستمرّ لنوقّع اتفاقاً نقع فيه كدولة… لذلك سيكون الصبر سلاحنا والقتال مع الجيش العربي السوري والوقوف صفاً شعبياً مقاوماً هو الحلّ لكي نوقّع من دون أن نقع… وتبقى سورية منتصرة.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى