عندما لا يحتفل الفلسطينيوِن… بيوم القدس!

د. نسيب حطيط

احتفل العالم الإسلامي بيوم القدس الذي دعا إليه الإمام الخميني بعد انتصار الثورة الإسلامية في إيران، بالتزامن مع تأسيس فيلق القدس واستبدال السفارة «الإسرائيلية» بالسفارة الفلسطينية في طهران، والتي كانت أول سفارة فلسطينية في العالم قبل أن يفكر الفلسطينيون بفتح السفارات، وذلك نصرة للقضية الفلسطينية وإعلاناً صريحاً عن هوية الثورة وموقفها من الاحتلال «الإسرائيلي» بشكل متناقض كلياً مع موقف الشاه الإيراني الذي خضع له الملوك والرؤساء العرب ووقّعوا معه الاتفاقات والتنازلات ثم انقلبوا على الثورة الوليدة، مطالبين بِاستعادة حقوقهم التي تنازلوا عنها والتي كانت المبرّر الخادع والكاذب لشنّ الحرب العراقية – العربية الظالمة على إيران لتسع سنين من القتل والخراب.

الغريب والمؤسف أنّ الفلسطينيين ما عدا بعضهم الجبهة الشعبية القيادة العامة احتفلوا بيوم القدس في سورية بمشاركة السوريين، وفي غزة شاركت الجهاد الإسلامي بشكل ضبابي فأعلنت إحياء ذكرى العدوان «الإسرائيلي» على غزة ويوم القدس حتى لا تتهم بأنها إيرانية.

في مخيمات الشتات الفلسطيني لم يحتفل أحد بيوم القدس رمز القضية الفلسطينية، ولم يحتفل الفلسطينيون بيوم القدس في بلاد العالم الأوروبي والإسلامي ولم يشاركوا أخوتهم الذين أحيوا المناسبة وكأنّ إحياء يوم القدس خطيئة وفاحشة سياسية أو خوفاً من الحلفاء الجدد للفلسطينيين من قطر إلى تركيا والسعودية ولا تنسوا طبعاً «الإخوان المسلمين» وطلائع «الربيع العربي» الذي أيده الفلسطينيون، وبخاصة «حماس»، في سورية واتهامها أيضاً بتدخلها في مصر ورفعها علم «الثورة السورية» التي يقودها «النصرة» و«داعش» اللذان تستقبل «إسرائيل» جرحاهما في الجولان وتقدّم المساعدة والدعم لهما، ويصرّح عضو الائتلاف السوري كمال اللبواني وغيره من قيادات ما يسمى «الثورة السورية» بالتعاون مع العدو «الإسرائيلي» كما أكدت وثائق «ويكيليكس».

من يقف إلى جانب التكفيريين المتحالفين مع «إسرائيل» ويستبدل سورية وإيران بقطر وتركيا والسعودية، ومن يستبدل المقاومة في لبنان بـ«النصرة» و«داعش» و«أنصار بيت المقدس»، لا يمكنه الاحتفال بيوم القدس، ولا يستطيع تحمّل رؤية مسيراته لأنها تذكره بفلسطين والقضية، ويمكن أن تحرمه إقامة في الفنادق الأميرية وترجعه إلى الإقامة في الضاحية الجنوبية بالقرب من المخيمات غير المنسجمة مع ربطات العنق المقاومة أو في مخيم اليرموك الذي أسقطته «أكناف بيت المقدس» الذراع الخفية لحماس في «الثورة السورية».

يقول الفلسطينيون لنا وللعالم: فلسطين لنا وليست لكم ونحن أحرار ببيعها أو التنازل عنها أو الرضى ببعضها، فلماذا تتدخلون يا أهل المقاومة فرساً كنتم أم عرباً؟

ويقول الفلسطينيون أيضاً بالمثل الشعبي: «ليش حاملين السلم بالعرض؟!» فأنتم ترهقوننا وتسبّبون الإزعاج لنا، فكلما اتجهنا لتسوية القضية بالحلول السلمية اتهمنا بالعمالة والتنازل؟

نحن راضون بما يعطينا الاحتلال من فلسطين والخير بالأردن الوطن البديل الذي نمسك باقتصاده وأمنه ونمثل أكثر من نصف سكانه، وكذلك إذا حكم «الإخوان» في مصر وسورية، فنحن قوميون وإسلاميون ولا نعترف بالحدود المصطنعة التي أسسها الاستعمار، نحن مع «دولة الخلافة» سواء كانت خلافة «داعش» أو خلافة «الإخوان» أو «القاعدة» فكلّ الأرض لنا… فلماذا تحاصرون شعبنا في فلسطين فقط؟!

يوم القدس تذكير بالقدس وفلسطين وهذا ما يزعج أكثر العرب الذين يتوافدون منذ اتفاق «كامب ديفيد» إلى التحالف مع العدو «الإسرائيلي»، بما فيهم المملكة السعودية أخيراً بالتزامن مع احتفال بعض مواطنيها بالقطيف بيوم القدس العالمي الذي لم يحتفل به أكثر الفلسطينيين.

عندما يبيع البعض قضيته من أجل المناصب ويتخلى عن المبادئ والوفاء لمن وقف معه أيام الشدة، بل وينكر مساعدة إيران وسورية والمقاومة له بتأمين السلاح الذي جعله رقماً أو رسماً حتى يصافحه الآخرون ويحترمون مقامه، لكنه للأسف يشكر تركيا حليف «إسرائيل» الاستراتيجي وعضو الناتو ويشكر قطر عرّاب «الانفتاح الإسرائيلي» على العرب، ومموّل التكفيريين الذين يخرّبون الأوطان ويطعنون الإسلام… عندها لا تستطيع أن تراهن عليهم بتحرير فلسطين بل الحذر منهم حتى لا تطعن بخناجرهم المسمومة بالمذهبية والجشع المالي وحب الدنيا وتصبح فارسياً صفوياً، مع أنّ معظم أئمة المذاهب الأربعة هم من الفرس والعجم غير العرب وكذلك الصحيحين البخاري ومسلم، ولذا فلا بدّ من اتهامهم وفق قاعدتهم التي لا نتبناها بأنهم فرس وعجم يريدون محو تاريخ هذه الأمة منذ بداية الإسلام وقد فعلوا ذلك بالآثار الإسلامية في مكة والمدينة ويحاولون كذلك في المسجد الأقصى بالتعاون مع الصهاينة.

ستبقى القدس قضيتنا وإنْ باعها من يدّعون أنهم أبناؤها ولن تضيرنا إدارة الظهر ليوم القدس فلن تخسر القدس إلا المرجفين والمتخاذلين والتجار وغير الأوفياء. هذا تطهير للقضية «لأن شرف القدس يأبى أن يتحرّر إلا على أيدي المؤمنين الشرفاء».

سياسي لبناني

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى