«المستقبل» يترقب المستقبل: إيران شريك ولاعب اقليمي
هتاف دهّام
اعترف الغرب بإيران ككائن سياسي طبيعي في النظام الدولي والشرق الأوسط وبحقها في امتلاك طاقة نووية. دخلت الجمهورية الإسلامية نادي الدول النووية بعد 12 عاماً من الصراع الدولي معها، بعدما أفتعل الغرب من خلال الملف النووي مشكلاً مع إيران، وفرض عليها حصاراً، وكاد يشنّ حرباً عليها. حصلت إيران من خلال هذا الاتفاق على كلّ ما تريد من شرعية دولية وتأييد لمشروعها. لم تتخلَّ عن ايّ شيء تريده. كلّ التنازلات التي قدّمتها كانت أقرب إلى التنازلات الوهمية من خلال رفع سقف المطالب ثم التراجع للإيحاء بأنّ التنازل حصل.
فتح اتفاق فيينا الباب على مناخات سياسية جديدة في الشرق الأوسط. ويبدو أنّ الاتفاق النووي بات يشكل مدخلاً مناسباً من أجل فتح كافة الملفات والأزمات التي تعاني منها المنطقة ومن ضمنها لبنان، وذلك على خلفية تعميم الأجواء الوفاقية بين إيران والغرب، لتطاول المسألة اليمنية أولاً، ثم العراقية والبحرينية والسورية واللبنانية. والمرتكز الأساس في معالجة هذه الملفات هو التلاقي عند مكافحة الإرهاب التكفيري الذي بات يتهدّد الجميع، فالمملكة العربية السعودية التي تبدي انزعاجها من الاتفاق، ستركب في نهاية المطاف موجة الوفاق، وتحدث انعطافة باتجاه التعايش مع الاتفاق النووي. لكن يجب التأني في دراسة ما يمكن ان تحمله الأيام المقبلة لجهة ملاحق الاتفاق او ذلك غير المعلن، لا سيما على صعيد الدور الايراني في مواجهة ملفات عدة بالتعاون مع الغرب وفي مقدّم هذه الملفات الإرهاب، حيث بات من الصعب الآن مقاربة ملفات المنطقة بمعزل عن إيران.
والمؤكد، أننا أمام مناخ سياسي جديد. لقد أعلنت كلّ من طهران وواشنطن استعدادهما لحوار حول هذه الملفات. لكن من الخطأ أيضاً الافتراض أنّ التفاهم حول هذه الملفات أمر حتمي لأنّ التناقضات حولها لا تزال كبيرة كما هو الحال في الملف السوري، ولأنّ قوى أخرى اقليمية لديها أدوار فاعلة في هذه الملفات كتركيا والسعودية. لكن علينا أن نفترض أن القنوات الإيرانية – الأميركية باتت مفتوحة، و«اسرائيل» الآن تفتقد الغطاء الدولي للقيام بأي عملية تصعيد عسكري باتجاه ايران أو لبنان. والسؤال ايّ دور ستلعبه السعودية؟ هل ستلعب دوراً يندرج في إطار المرحلة الجديدة والتكيّف معها أم ستلعب دور المشاغب والمعرقل؟
في مطلق الأحوال، بات المناخ الإقليمي أقلّ تلبّداً بالغيوم السوداء، وثمة انقشاعات تلوح في الأفق، والخاسرون الثلاثة هم «اسرائيل» السعودية و«داعش»، وفرص التفاهم ضدّ «داعش» ارتفعت.
وتترقب القيادات اللبنانية ما بعد الاتفاق الذي بلا شك أنّ ما بعده ليس كما قبله، ويعتبر هؤلاء «أنّ الملف اللبناني هو الأسهل والأقلّ تعقيداً من الملفات الأخرى «.
وبانتظار ان تظهر مفاعيل الاتفاق النووي تباعاً على الملف الرئاسي، ترافقت جلسة انتخاب رئيس الجمهورية أمس التي أرجئت الى 12 آب المقبل، مع حدث فيينا التاريخي. وأكد رئيس مجلس النواب نبيه بري أنّ الاتفاق ربما يساعد على إزالة التعقيدات في وجه الانتخابات الرئاسية، ويساعد على تحقيق الانفراج في لبنان، فنحن لم ننجح في لبننة الاستحقاق الرئاسي.
إنّ الانعكاسات المباشرة للاتفاق صعبة في الوقت الراهن، وتنتظر ترتيب الولايات المتحدة الأوضاع مع حلفائها، لا سيما انّ واشنطن ستأخذ في الاعتبار مطالب الرياض وستنبري الى استنباط حلول لا تُكسر فيها الشوكة السعودية، التي لا تزال تمسك بأوراق عدة في لبنان وفي مقدّمها تيار المستقبل وجماعات أخرى في الشارع السنّي، وقد تلجأ إلى تحريك بعض الرياح المذهبية بما لا يشتهي أحد.
ويرى مراقبون أنّ الاتفاق النووي لن يخلق إلا بيئة توافقية في لبنان ولن يؤدّي الى تغليب فريق على آخر. واذا أراد اللبنانيون انتخاب رئيس للجمهورية، يمكن أن نقول إنّ الاتفاق سيساعدهم على ذلك ولكنه وحده لا يكفي بل يحتاج الى تفاهم اللبنانيين على انتخاب رئيس.
ويبدو أنّ المرحلة المقبلة ستكون مرحلة إعادة الحسابات لبلورة البرامج والنظرة الى المستقبل، ما حصل يشكل فرصة للفريق الآخر للتعاطي بواقعية لأنّ التصعيد لا يوصل الى ايّ نتيجة وانّ عليه التخفيف من الرهانات. ويؤكد التيار الأزرق في الكواليس وعلى عكس مواقفه المعلنة في الإعلام «أنّ الاتفاق النووي هو وسيلة لطيّ صفحة الماضي وثلاثين عاماً من العداء بين إيران والغرب، فطهران أصبحت بموجب الاتفاق لاعباً إقليمياً وشريكاً في أمور عدة من الحرب على الإرهاب، إلى إيجاد حلول لمشاكل عالقة في سورية والعراق ولبنان.
ويرى «أنّ الاتفاق شكل خسارة كبرى لـ«إسرائيل»، فهو أنهى العلاقة الاستراتيجية التي كانت تربطها بالولايات المتحدة، فقرار توقيع «نووي ظريف» كان ضربة موجعة لـ«اسرائيل» التي لم تنجح في عرقلته. لذلك فإنّ الأمور ستسوء قبل ان تتحسّن، وربما سنشهد تصعيداً في سورية واليمن من قبل السعودية؟ ويروي «المستقبليون» أنّ الرئيس الاميركي باراك أوباما «كان يريد توقيع الاتفاق مع ايران منذ 7 سنوات وهو بعث بأربع رسائل الى المرشد الأعلى السيد علي خامنئي في هذا الشأن».
يتذكر أركان تيار المستقبل أنّ أفول الحرب الباردة أنهى الحروب الأهلية التي نشبت داخل الدول بين قوى وأحزاب تحالفت مع محور ضدّ آخر. ويؤكد هؤلاء أنّ واقع ما جرى سنشهده في لبنان، فالاتفاق النووي سينعكس تحالفات وخلطاً لأوراق جديدة بين الطرفين المتخاصمين 8 و14 آذار. ولن يعود الوسطيون مجبورين على الاختيار بين محور وآخر. والأجهزة الأمنية والعسكرية ستكون الرابح الأول والانتخابات الرئاسية ستأتي بشخصية توافقية تحظى بتأييد الطرفين الايراني والاميركي، بعيداً من العماد ميشال عون الذي وضعت الرياض عليه فيتو بالخط العريض، ورئيس تيار المرده النائب سليمان فرنجية، لأنّ الحدية المذهبية السنّية لن تقبل به، ورئيس حزب القوات سمير جعجع الذي يرفضه فريق 8 آذار ورئيس حزب الكتائب امين الجميّل مهما قدّم من اوراق اعتماد للإيرانيين والأميركيين.
وعليه، فإنّ أسابيع حاسمة تنتظر لبنان. والى ذلك الحين سيبقى تيار المستقبل يصعّد تارة ويهادن تارة أخرى في الإعلام والاحتفالات، لكي لا يظهر بمظهر المنكسر. وهذا ما أوحى به رئيس الكتلة فؤاد السنيورة أمس من المجلس النيابي، حيث أكد «أنّ علينا الانتظار لمعرفة حقيقة ما حصل، مشيراً الى «اننا حريصون على بناء علاقة مع إيران على اساس الصداقة لا الهيمنة». ودعا السنيورة لإنشاء علاقة صحيحة بين لبنان وإيران. وأكد رداً على سؤال لـ«البناء» أنه «من الطبيعي أن يكون التأثير الخارجي من العوامل المساعدة لانتخاب رئيس، لكن مَن يُرد تسليم قيادته لكلّ الاحداث الخارجية يصبح وكأنه في سفينة من دون أشرعة وتتقاذفها الرياح ومن يظن انه حقق مكاسب او حقق خسارة نتيجة الاتفاق النووي يكون قصير النظر وعديم الرؤية. هذه المنطقة ميزتها العيش المشترك ويجب أن يتفهّمها الجميع ولا أحد يستطيع أخذ الآخر كما يحلو له ولا أحد يفرض على الآخر ما يريده، يجب ان يكون هذا العمل بالتوافق وليس على أساس تسجيل أهداف او تحقيق انتصار فئة على أخرى».